كريمة العزيز
مع إعلان وقف الحرب في شرم الشيخ، يعود الجدل حول مستقبل غزة والوحدة الفلسطينية إلى الواجهة. بعد عامين كاملين من الصراع المدمّر، أعلنت حركة حماس وإسرائيل وقفًا شاملًا لإطلاق النار برعاية مصرية ودولية، لتُطوى صفحة من أكثر النزاعات دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني.
لم يخرج من هذه الحرب منتصر حقيقي، إذ خسر الجميع؛ فالحرب لم تُنتج سوى مزيدٍ من الدمار والمعاناة، وتركت وراءها واقعًا إنسانيًا واقتصاديًا بالغ القسوة. تعود جذور هذا المشهد إلى عام 2006، حين فازت حركة حماس بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، لتبدأ بعدها مرحلة من التوتر مع حركة فتح انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007، وبقاء الضفة الغربية تحت إدارة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس.
هذا الانقسام، الذي دام ما يقارب العقدين، أضعف الموقف الفلسطيني أمام العالم ومزّق المشروع الوطني إلى سلطتين متوازيتين لا تتفقان على استراتيجية موحدة. في ظل الحصار الذي فُرض على غزة منذ 2007، ركّزت حماس على البعد العسكري، بما في ذلك مئات الكيلومترات من الأنفاق التي استخدمتها كدرع لحماية مقاتليها وردعًا في مواجهة التحديات الأمنية، بينما يرى آخرون أن هذا الخيار استنزف الموارد المدنية وعمّق معاناة السكان. خلال السنوات الماضية تكررت الحروب على القطاع، وتوالت محاولات الوساطة دون أن يتحقق اختراق سياسي حقيقي، إلى أن جاءت هذه الحرب الأخيرة التي أعادت النقاش الداخلي والدولي حول مستقبل غزة والكيان الفلسطيني ككل.
وبينما تعلن دول عديدة اليوم اعترافها الرسمي بفلسطين كدولة مستقلة، يبقى السؤال العملي هو ما إذا كان هذا الاعتراف كافيًا في ظل غياب وحدة داخلية تجمع الفلسطينيين على مشروع واحد. فالمعضلة الجوهرية لم تكن عسكرية بقدر ما كانت سياسية؛ إذ إن غياب التفاهم بين غزة والضفة هو ما جعل القضية الفلسطينية تتراجع وتضعف أمام العالم. واليوم، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وبعد كل هذا الدمار والخسائر، السؤال الذي يطرحه الجميع: هل تكون هذه النهاية المريرة بداية جديدة لوحدة وطنية حقيقية تعيد بناء البيت الفلسطيني من الداخل، أم سيستمر الانقسام ليبقى الشعب الفلسطيني منقسمًا؟