بين عقلية الوفرة وعقليّة الشّح: مقارنات أولية

22 نوفمبر 2025

د. عماد فوزي شعيبي

عقل الوفرة، هو النبلاء، أي الكرم إلى العطاء. عقل لا يتسوّل ولا يعيش عالة.. بل يفيض. عقل النبلاء..يتسع للجميع. عقل النبلاء عُلْويٌّ لا ينظر إلى أسفل قدمه. مسكون بالرفعة. يكبُر بالآخرين. يحب الكبار ويستخدم الصغار والوضعاء

لا يتعامل عقل الوفرة مع مبدأ إما.. أو ، ويرى في قاعدة (كلاهما.. و..) فرصة. عقل الوفرة يحافظ على الموجود ويحاول تطويره. عقل الوفرة يستبعد الموجود غير المناسب ويوفر الفرصة للكفاءات. وللوصول إلى ذلك لنفكر دوماً بما لدينا وليس بما ينقصنا. عندئذ سينمى مالدينا وسيُغطّي ويفيض على ما ينقصنا، لأن ما نُركّز عليه ينمو.

لنفتح لأنفسنا وللآخرين ولا نُغلق خشيّة إملاق بكل ما سبق.  الوفرة تملأُ العالم، لكن الشُحّ في الأنفس والعقول

 

عقل الشُح والنُدرة: (Scarcity mentality)

هو عقل من يتذرع بالحرص على المال العام كي يملأ الدولة بالكوادر المتدنيّة العلم.  هو عقل من يعتقد أن أفكاره كافية للإدارة عقل شح من لا يستفيد من خبرا تالآخرين. من يعتقد أنه عندما يرسم هرماً من الولاءات متوسطة أو منخفضة الذكاء لأن ذلك سينعكس عليه. الندرة شيء والشح شيء آخر: الندرة قد تجمع الناس لتجاوزها نحو الوفرة وهي مُحرك للتاريخ إلى عتبة الاقتتال على الندرة.

الندرة في الحراك القيادي والوظيفي يتحول إلى عقل شح يمنع دخول دماء جديدة. وبالتالي يقود إلى التكلس والانهيار. أن تؤمن أن الخير والفرص محدودة (اللقمة واحدة إما أن تأكلها أنت أو يأتي احد غيرك يأكلها)؛

هو عقل الذين ينشغلون فيما ينقصهم يزداد نقصهم. والذين يُقتّرون بالمال والحب والعطاء.. ينعكس عليهم مزيداً من النقص. قانصو الذات والسكينة عقلهم عقل شُح

هنالك أشخاصٌ يؤذونك في طاقة حياتك وهم على الترتيب: الحسّاد، المتجسّسون، الحشريون، المستفِزون، المتسلّطون الأنانيون، المُحتالون، المُبتزون عاطفيّاً، المُستعطفون، ذوي عقل الشُح، الجائعون لكل شيء.

هي أن تؤمن أن الخير والفرص محدودة (اللقمة واحدة إما أن تأكلها أنت أو يأتي احد غيرك يأكلها)؛ ولابد أن يكون هناك واحد خسران. فالحياة كلها صراع وتنافس.

– يخافون أن ينجح الآخرون.

يخافون أن يمدحوا الآخرين.

– لا يشارك في معلومات ولا معرفة، لأنه يظن أن غيره إذا نجح فهو خاسر.

– يخافون أن يعلم الناس كيف نجح وكيف تطور؛ يعني يخاف الناس أن تأخذ مكانه.

الذين يفكر بعقلية الوفرة :

– تجده هادئا مطمئناً.

– لا تهدده نجاحات الآخرين، بل يطري على نجاحاتهم ويثني عليهم.

– يشارك الناس تجاربه ومعرفته ومعلوماته.

 

مقارنات:

عقل الوفرة يخوض معركة الصراع بهدف الفوز بينما عقل الشُح يخوضه بهدف عدم الخسارة. عقل الوفرة قاعدته أنا أصنع التاريخ بينما عقل الشح قاعدته أنا أدير الموجود. لابد أن يكون هناك واحد خسران. فالحياة كلها صراع وتنافس.

ولا يقتنعون بمبدأ رابح / رابح. عقل الشُح يشتكي مما ينقصه بينما عقل الوفرة يستثمر مالديه.

يركز عقل الوفرة على الفُرص فيقتنصها بينما عقل الشُح يتثبّت على المُعيقات.

عقل الوفرة يلتزم بشكل كامل بما يريد أن يُحققه لا يتزحزح عن هدفه ولكنه ليس كعقل الشُح ينتظر الصدفة أو مساعدة الآخرين

يعمل عقل الوفرة كما لو أنه وحده ولكن بعقلية تسخير كل الممكنات لصالح هدفه. ويشكو عقل الشح من عدم مساعدة الكل له.

عقل الوفرة صُلب. عقل الشُح عنيد. الصُلب يرى الموجودات ويستثمرها بكل دقائقها بينما عقل الشُح لايرى إلا ما يُريد بغض النظر عن الموارد

عقل الوفرة يعمل على حلم كبير. عقل الشُح يلتهم كل الأحلام.

عقل الوفرة يحلم أن يكون بالمقدمة وأن يستثمّر الإمكانات لما هو أكبر مما هي فيها. عقل الشح يبدد الامكانات. عقل الوفرة أكبر من مشاكله بينما عقل الشح يرى مشاكله أكبر مشاكل الارض ويرى أن أحداً لم يعيش مشاكل كمشاكله. عقل الوفرة عقل من يستمع. عقل الشُح يتكلم ويُقاطع و لا يستقبل أفكاراً من الآخرين. وأن تؤمن أن هناك فرصاً تكفي الجميع وخيرًا يكفي الجميع في هذه الدنيا. فلست بحاجة أن تخسر أحداً أو تؤذي أحداً حتى تكسب أنت. فهناك خير يكفي الجميع.

عقل الوفرة يبني للأجيال القادمة مهما كلفه الأمر. عقل الشُحّ يأكل الأخضر واليابس، بجشعِ أنا ومن بعدي الطوفان.

عقل الوفرة دائم التصحيح لأخطائه. عقل الشُحّ يتمترس عندها. عقل الوفرة دائم التقدم.. عقل الشُحّ دائم التدهور.

غالباً ما يفكر الحاسد بعقلية الندرة، فهو ينظر إلى الفرص التي تأتي للآخرين وكأنها الفرصة الأخيرة، أو أنها سبب في ضياع فرصته، فيبدأ بالحسد والبغض. بينما من يفكر بعقلية الوفرة فهو يسأل الله الرزق الوفير والبركة للجميع. ومن يفكر بعقلية الندرة يظن أن نجاح الآخر هو تهديد له فتجده يركز على المفقود ويعيش في وحل اليأس والإحباط.

أما من يفكر بعقلية الوفرة فهو يرى أن الفرص كثيرة وموزعة بالتساوي والعدل بين جميع البشر ويركز على الموجود بالشكر والاستثمار فيظهر له المفقود.

إن من يفكر بعقلية الوفرة تجد الحياة والعمل معه متعة وطمأنينة فهو يسعى لمنفعة الجميع. بينما صاحب الندرة تجده يسعى لصالح نفسه وحسب، إنه أناني الطباع بخيل العواطف والعطايا.

وباختصار:

هناك شخصيات تفكر بعقلية “الوفرة” فترى كل شيئا حولها متعددا وكثيرا، وآخرون أشغلتهم “الندرة” فتجدهم في قلق دائم وتوتر.

ومن يفكر بعقلية “الوفرة” يرى دائماً أن الفرص كثيرة ومتكررة، أما من يفكر بعقلية “الندرة” فهو يرى أن ضياع الفرصة يعني ضياع مستقبله.

وأحياناً وبلا أن نشعر قد نبدأ التفكير بعقلية الندرة والحل هنا أن نرفع من مستوى روحانياتنا، ثم ندعو لأنفسنا وللآخرين بالبركة وننشغل بالعمل لأنفسنا لا بالنظر بما لدى الآخرين، وهاتان العقليتان لا تنطبقان على عالم الأعمال فقط، بل في كل مجالات الحياة.

عقل الوفرة هو التفكير من خارج الصندوق. عقل الشُحّ هو التفكير داخل الصندوق (Inside the Box)

عقل الشح من داخل الصندوق هو نمط التفكير التقليدي الذي يعني قبولاً للتفسيرات السائدة حول مشكلة ما والحلول المتعارف عليها للتعامل معها.

يعبر عقل الشُح عن هذا المنهج في الحياة اليومية ببعض التعبيرات من قبيل أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وأن ما هو قائم هو “الممكن” أو “المتاح” ً

عقل الشُحّ في التفكير يُؤدي إلى قتل الأفكار الجديدة التي يمكن أن تقدم تفسيرات أو مخارج أفضل ما هو متعارف عليه، أو على الأقل معدلة لها.

التفكير خارج الصندوق هو يعني محاولة تجنب ما هو تقليدي في التعامل مع أي مشكلة وابتكار حلول جديدة في التعامل معها. فهو كطريقة للتفكير لا يتوقف عند ما هو قائم وما هو متاح، بل يتحدى الأفكار السائدة أو النمطية الحكم والتقليدية (Conventional Wisdom) التي تكون مسيطرة على الناس.

ولا يفترض هذا المنهج أن كل الطرق التقليدية السائدة هي طرق خاطئة، إذ أنها قد تكون الأكثر ملاءمة للتعامل مع مشكلة ما، ولكنه يطرح تحدياً أمام أصحاب الأساليب التقليدية لإثبات فعالية تلك الأساليب.

هذا المنهج يسمح بإعادة التفكير فيم يتم التعامل معه كمسلمات أو حلول مستقرة مع بذل جهد أكبر لتبرير الاعتماد عليها، مما يكسبها شرعية أكبر كحل للمشكلة.

إنه العقل الذي لا يسير مع ما درج عليه الناس.

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...