11 أكتوبر 2025 / 13:19

بين حرية التعبير ومسؤولية التدبير: حين يطالب جيل “ز” بالسلطة عبر “الستوري”

محمد خياري

في زمن صار فيه “الستوري” أداة تحليل سياسي، و”الهاشتاغ” وثيقة مطلبية، فاجأني عدد من الشخصيات التي كنت أظنها تحتفظ ببعض العقل، وهي تنتظر تفاعلاً ملكياً مع مطالب ما يسمى بجيل “ز”، وكأننا في بث مباشر ينتظر فيه المشاهد أن يقول الملك “فهمتكم” على طريقة التونسي بنعلي، ثم يطرد الحكومة، ويحل البرلمان، ويمنح مفاتيح الدولة لمؤثري ديسكورد.

هؤلاء، ويا للعجب، لم يقرأوا التاريخ، ولا فهموا الجغرافيا، ولا استوعبوا أن الدول لا تُدار بمنطق “الترند”، وأن الشرعية لا تُستبدل بـ”اللايكات”، وأن المخزن، لمن نسي أو تناسى، ليس جمعية ثقافية قابلة للتفاوض عبر “الإنبوكس”.

شخصيا كتبت عدة مقالات في الشهر الأخير حاولت فيها أن أشرح لمن يريد أن يفهم، أبرزها أربع مقالات موجودة على الأنترنيت:

المقال الأول: الاحتجاج زمن الهدوء

في هذا المقال، كنت شاهداً لا محللاً. نزلت إلى الميدان، لا إلى “الستوري”، وعاينت دينامية جيل “ز” في لحظتها الصفر. لا شعارات، لا تنظيم، لا وضوح في المطالب. فقط ضجيج رقمي يختلط فيه الحماس بالفراغ، والاندفاع باللاهدف. حركة بلا جذور، بلا فكر، بلا امتداد. كأنك تشاهد مسرحية مرتجلة يؤديها هواة في ساحة فارغة، ينتظرون تصفيقاً من جمهور لا يعرف لماذا جاء.

المقال الثاني: العلاقة بين المخزن والشعب

هنا دخلت إلى قلب المعادلة. العلاقة بين المخزن والشعب ليست علاقة “فولو” و”أنفولو”، بل علاقة تاريخية محكومة بضوابط، توازنات، أعراف، ورمزية. من يظن أن المخزن سيتفاعل مع دينامية لا تعرف أصلها ولا فصلها، كمن ينتظر من جبل أن يرقص لأن فأراً مرّ بجانبه. هذه العلاقة لا تُخترق بـ”الترند”، ولا تُفكك بـ”الستوري”، بل تُدار بحكمة، بصبر، وبوعي استراتيجي لا يملكه من يكتب مطالبه على “ديسكورد”.

المقال الثالث: الأمن والدينامية

هنا كنت دقيقاً. الأمن لم يقمع، لم يبالغ، لم ينفعل. تعامل بحكمة، ببرود محسوب، وباحترافية تُحسد. ترك لهم هامشاً للفرجة، لا للاحتجاج. كأن الدولة قالت لهم: “اعزفوا ما شئتم، لكن لا تنتظروا أن نرقص”. وهذا في حد ذاته درس في فن الاحتواء، لا في فن الردع. الأمن فهم أن الحركة لا تستحق الرد، بل تستحق المراقبة، وربما بعض الشفقة.

 

المقال الرابع: النزق السياسي

كنت رحيماً، نعم. قلت لهم: هذه فرصة لصقل المواهب، لا لإسقاط النظام. فرصة لاكتساب التجربة، لا لتوزيع المناصب. فرصة لفهم أن السياسة ليست “ترند”، وأن الدولة ليست “فيديو قصير”. قلت لهم: العبوا، لكن لا تحرقوا الملعب. جربوا، لكن لا تطالبوا بالكأس. الدولة تتقن سياسة الإدماج، نعم، لكنها لا تمنح الشرعية لمن يطلبها عبر “الستوري”.

المضحك المبكي أن جزءاً من النخبة كان يعلم أن الدينامية فارغة، لكنه كان ينتظر فقط أن يصلها خراجها، لينقلب عليها كما فعل في 2011. بنكيران وأصحابه، وبعض القوى اليسارية، كانوا يراقبون المشهد كصيادين ينتظرون أن يضعف الطريدة. أما الباقي، ومنهم ذوو النيات الحسنة، فقد تأثروا بحجم الدعاية الداخلية والخارجية، وصدقوا أن جيل “ز” سيغير المغرب عبر “الترند”.

الحمد لله أن لدينا قيادة واعية، تعرف الغث من السمين، وتفرق بين الاحتجاج الحقيقي والضجيج الرقمي. قيادة لها من التقاليد ما يجعلها تقرأ المشهد بعمق، ولها من التكنولوجيا ما يجعلها تراقب كل “ستوري” دون أن ترد عليه. قيادة لا تنجر وراء العواطف، ولا ترد على “الترند”، بل تشتغل بمنطق الدولة، لا بمنطق “الترندات”.

جيل “ز”، يا سادة، لا يريد إصلاحاً، بل يريد “فيوز”. لا يطالب بالعدالة، بل بالشهرة. لا يكتب بياناً، بل يصور “ستوري”. يريد من الملك أن يرد عليه كما يرد المؤثرون على تعليقات متابعيهم. يريد ثورة بلا فكر، تغييراً بلا مشروع، إسقاطاً بلا بديل.

لكن الدولة، يا سادة، لا تُدار بـ”الترند”، ولا تُسقط بـ”الستوري”، ولا تُغير بـ”الهاشتاغ”. الدولة تُدار بالعقل، بالتاريخ، بالشرعية، وبالاستراتيجية. ومن لا يفهم هذا، فليعد إلى “تيك توك”، فهناك يجد جمهوره، لا شرعيته.