30 يوليو 2025 / 01:03

بين انفتاح المغرب وتعنت الجزائر: هل آن أوان كسر جدار الصمت

خديجة منصور

في خطاب تاريخي بمناسبة عيد العرش لسنة 2025، جدد الملك محمد السادس التزام المغرب بنهج اليد الممدودة تجاه الجزائر، مؤكدا مرة أخرى أن المملكة لا تسعى سوى إلى علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، وحريصة كل الحرص على تجاوز التوترات التي عطلت تطور المنطقة لعقود. دعوة الملك محمد السادس لم تكن مجرد رسالة مجاملة سياسية، بل كانت عرضا مسؤولا لحوار صادق، يتجاوز الخلافات الظرفية، ويؤسس لتعاون إقليمي يعكس إرادة الشعوب المغاربية وطموحها في الوحدة والازدهار.

المغرب، وهو الطرف الذي لطالما عبر عن رغبته في فتح صفحة جديدة، أثبت عبر هذا الخطاب أنه متمسك بخيار الحكمة والعقل، وواع بثقل التاريخ المشترك، وملتزم بمستقبل مغاربي متكامل، يتجاوز منطق الجفاء ويحتكم إلى منطق المصالح المشتركة، الخطاب جاء في وقت حساس، تتزايد فيه التحديات الجيوسياسية والأمنية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، حيث أضحت وحدة الصف أكثر من ضرورة إقليمية، بل باتت ضرورة استراتيجية لمواجهة التقلبات الدولية.

وفي خضم هذا الزخم السياسي، تبرز زيارة المستشار الأمريكي مسعد بولس إلى المغرب والجزائر كمؤشر إضافي على أن المجتمع الدولي بات أكثر انخراطا في الدفع نحو تسوية حقيقية. لكن هذه الوساطة لا تنطلق من فراغ، فهي تستند إلى موقف أمريكي راسخ بدعم مبادرة الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي لقضية الصحراء المغربية. وبالتالي، فإن زيارة بولس تأتي لتقريب وجهات النظر، وليس لإعادة النقاش إلى نقطة الصفر. الرسالة واضحة: لا تسوية خارج إطار السيادة المغربية، ولا استقرار دون تجاوز منطق التصلب والانغلاق.

الجزائر، من جهتها، مطالبة اليوم بتحمل مسؤوليتها التاريخية، فاستمرار القطيعة لم يعد خيارا قابلا للاستمرار في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة. صمت الجزائر الرسمي، ورفضها المتكرر لمبادرات الحوار، لم يلحق الضرر بالمغرب قدر ما أضر بالوحدة المغاربية، وأفقد الشعوب فرصة نادرة للتكامل والتنمية. أما المغرب، فماض في مساره التنموي بثقة، منفتح على الشراكات، ومدافع بثبات عن وحدته الترابية وحقه في الأمن والاستقرار.

اليوم، تبدو الكرة في ملعب الجزائر أكثر من أي وقت مضى. والمطلوب ليس التنازل، بل التفاعل الإيجابي مع دعوات صادقة ومتكررة للحوار، آخرها جاء من أعلى سلطة في المغرب، وبأوضح العبارات. أما المزايدة على نوايا الرباط أو تجاهل الرسائل المتكررة، فهو خيار لا يخدم لا الحاضر ولا المستقبل.

إن المغرب، وهو يمد يده مجددا، يفعل ذلك من موقع قوة نابعة من الشرعية، والاستقرار، والرؤية الواضحة. فهل تستجيب الجزائر لهذه اليد المفتوحة؟ أم أن التاريخ سيواصل تسجيل الفرص الضائعة؟ الجواب مرهون بشجاعة القرار وصدق النوايا.