محمد عسيلة*
يشهد الجدل حول مصير اللاجئين السوريين في ألمانيا تصاعدًا كبيرًا بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث دعا سياسيون، وعلى رأسهم حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، إلى ضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
هذه الدعوات جاءت مع تصريحات مثل تلك الصادرة عن عضو البرلمان الأوروبي أليكس يونغبلوث الذي سأل عن خطة “ترحيل جماعي” للاجئين السوريين من أوروبا.
في المقابل، تدعو أحزاب أخرى، مثل الاتحاد المسيحي الديمقراطي، إلى نهج أكثر تدرجًا يتضمن تقييمًا للوضع الأمني في سوريا. من جهة أخرى، تحذر أحزاب مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر من أن العودة القسرية قد تعرض حياة اللاجئين للخطر وتؤثر سلبًا على السلم الاجتماعي في ألمانيا.
من الناحية الاقتصادية، أنفقت ألمانيا مليارات اليوروهات منذ عام 2015 على استقبال اللاجئين السوريين وإدماجهم في المجتمع. تشمل هذه التكاليف توفير السكن، التعليم، الدورات اللغوية، الرعاية الصحية، وبرامج التدريب المهني. ورغم هذه الجهود، فإن تحديات اندماج اللاجئين السوريين ما زالت قائمة، مع وجود نسبة ملحوظة ممن لم يتمكنوا من الاندماج الكامل في سوق العمل، مما يثقل كاهل النظام الاجتماعي والاقتصادي الألماني.
في هذا السياق، تبرز مقارنة ملفتة مع تجربة مغاربة العالم الذين استقروا في ألمانيا منذ خمسينيات القرن الماضي. رغم أن ألمانيا لم تستثمر ربع ما أنفقته على إدماج السوريين في دعم اندماج المغاربة، إلا أن المغاربة أثبتوا أنفسهم كفاعلين اقتصاديين واجتماعيين. عمل المغاربة في قطاعات البناء والصناعة والخدمات وساهموا في إعادة بناء الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الثانية. كما أن أبناء الجالية المغربية اليوم يشغلون مواقع متقدمة في مختلف القطاعات المهنية، بدءًا من الهندسة والطب إلى ريادة الأعمال والتعليم.
إضافة إلى ذلك، لم يكن المغاربة عبئًا اقتصاديًا، بل على العكس، قدموا قيمة مضافة من خلال تحويلات مالية كبيرة إلى وطنهم الأم والمساهمة في الاقتصاد الألماني. الأهم من ذلك، هو قدرتهم على تحقيق اندماج ثقافي واجتماعي دون التخلي عن هويتهم. بَنَوا المساجد والمراكز الثقافية التي عززت قيم التسامح والانفتاح، وربوا أجيالًا جديدة استطاعت أن تنخرط بشكل فاعل في المجتمع الألماني، دون أن تكون مستهلكة فقط بل منتجة ومساهمة في تنمية البلاد.
تجربة مغاربة العالم تُظهر بوضوح أن الاستقرار النفسي والثقافي يلعب دورًا حاسمًا في نجاح أي عملية اندماج. المغاربة، بفضل هذا الاستقرار، لم يكونوا بحاجة إلى استثمارات ضخمة لتحقيق الاندماج، بل اعتمدوا على العمل الجاد والالتزام واحترام قيم المجتمع المضيف.
أما بالنسبة للاجئين السوريين، فإن القرارات المتعلقة بمستقبلهم لا يجب أن تُبنى على حسابات سياسية قصيرة النظر. عوضًا عن ذلك، يمكن لألمانيا الاستفادة من تجارب تاريخية، مثل تجربة المغاربة، لإعادة صياغة سياسات الهجرة والاندماج بشكل يضمن الاستفادة من الطاقات والكفاءات الجديدة، مع الحفاظ على استقرار المجتمع وتجنب الاستقطاب السياسي.
تبقى قضية اللاجئين السوريين اختبارًا حقيقيًا للسياسات الألمانية، حيث يتعين تحقيق توازن بين الاعتبارات الإنسانية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه، يُبرز هذا النقاش قيمة المغاربة كنموذج يُحتذى به في كيفية تحويل الهجرة إلى قصة نجاح تخدم المصالح المشتركة للجميع.
ـــــــــــــــــ
* استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا
المصدر : https://dinpresse.net/?p=21952