1 سبتمبر 2025 / 07:33

بين الحداثة والتقليد.. المعادلة المغربية

محمد زاوي
ينزع طرف إلى أقصى الحداثة، فيما ينزع ثانٍ إلى أقصى التقليد؛ ينشب بينهما صراع ثقافي وسجال إيديولوجي محتدم، يحول بينهما وبين إدراك “المعادلة المغربية” في التوفيق بين القديم والجديد.

هذا حال “الحداثويين” في موقفهم من المسألة الدينية، وحال “الأصولية السلفية” في موقفها من المنجَز المعرفي الغربي؛ كلاهما يتبنى موقفا مثاليا، الأول مثاله خلفه، أما الثاني ففي الضفة المقابلة.

تبني الدولة على الموجود توظفه لمصلحتها، تجعل من التقليد حداثة ومن هذه تقليدا حسب شرطها التاريخي؛ لا تراعي مثالا في الماضي ولا مثالا في الحاضر إلا حسب تأويل خاص وبتدخل يراعي مصالحها. مصالحُها شرعٌ وحداثة؛ كذلك هي شرعٌ بمقاصدها، حداثَة بوسائلها.

هناك عشرات المصالح النبيلة، تحث عليها الأديان وتدعو الناس إليها؛ إلا أنها لا تكتسب فِعليتها الواقعية إلا حسب قواعد الواقع، لتجد حقيقتُها الدينية مَجلاها في واقع الناس وأحوالهم.

ولما كانت الدولة أكثر قدرة على تقدير منحى التاريخ ومعرفة المصالح، فقد كانت أقرب إلى تصور الحقيقة الدينية واقعيا.

أما وسائل الحداثة فالدولة أدرى بها من غيرها، تعرف مدى اعتمادها وحدود استيرادها، فتأخذ بها بالقدر الذي يوافقها ليس في بنى الواقع المادي فحسب، بل في بنى الفكر والذهن أيضا. الغرض منها تقدم المجتمع واستمرار الدولة، لا أن تميل كفة هذه على المجتمع أو العكس.

هكذا هي المعادلة المغربية؛ كل ما هو حداثي فيجب أن يخضع للتقليد المغربي، وكل ما هو تقليدي فيجب أن يواكب الحداثة. التفريط في التقليد إرباك للبنية، والتفريط في الحداثة إضعاف للقدرة الاقتصادية والتقنية.

وجود طرفي التقليد والحداثة إذن ضرورة، كل منهما يضع عينه على الآخر، والغاية نوع من التوازن ينتج الخصوصية المغربية وينفخ من روحه فيها. يتعزز التقليد إذا أضر التحديث بالبنية، ويتعزز الثاني إذا أضعف الأول القدرة.

فما زلنا في المغرب في حاجة إلى “النقذ الذاتي” لصاحبه علال الفاسي، كما نحن في حاجة إلى “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” لعبد الله العروي.

خارج دائرتهما تظهر أصوات شاذة بين الفينة والأخرى، إما تدّعي وصلا بمرجعية العروي أو بمرجعية علال الفاسي؛ إلا أنها لا تعبّر في حقيقتها إلا عن حاجة اقتضت التمادي في الخطاب والإيديولوجيا حتى يتحقق التوازن من جديد وفي أقرب وقت ممكن!

هناك حاجة ملحة لتمييز دقيق بين التكتيكي والاستراتيجي؛ الأول قد يتحقق بالشذوذ عن دائرة الفاسي والعروي، أما الثاني فلا توجد له أصداء إلا في خطّيهما، حيث لا تكون السلفية إلا وطنية، ولا تكون الحداثة إلا وطنية.

وخارج دائرتهما، سلفيات وحداثويات مختلفة، يجب الوعي بخطورتها على الوعي الوطني، وإن وظِّفت لضرورة فبحذر ووفق خطة محكمة!