بوصوف يكتب.. “محمد بصيري ” المناضل الوحدوي، ضحية بروباغاندا البوليساريو

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس15 يوليو 2021آخر تحديث : الخميس 15 يوليو 2021 - 2:24 مساءً
بوصوف يكتب.. “محمد بصيري ” المناضل الوحدوي، ضحية بروباغاندا البوليساريو

عبد الله بوصوف ـ الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج
يمكنك أن تكذب على جميع الناس بعض الوقت، ويمكنك أن تكذب على بعض الناس طوال الوقت، لكن لا يمكنك أن تكذب على جميع الناس طوال الوقت، وهو ما ينطبق بالضبط على مآلات كل الأدبيات التي حاول مرتزقة البوليساريو تسويقها في شكل “بروباغاندا” وأعمال تزييف و”تمويه جماعي” لكسب عطف جماعي وتضامن الآخرين..؛ بالإضافة إلى ضرورة اختيار أحد المعسكرين بين الاشتراكي والليبرالي للاستفادة من حسنات اعتناق أيديولوجية دول ذلك المعسكر، وبطبيعة الحال الاستفادة من الدعم السياسي والإعلامي وأيضا المالي…

وإذا علمنا أن طبيعة التحالفات والاختيارات المغربية قد مالت الى الليبرالية؛ فإن عصابة البوليساريو ستصطف بطبيعة الحال إلى الجهة المضادة، أي المعسكر الاشتراكي والثورية والقومية، وكل المصطلحات الرنانة لتلك المرحلة…

وهو ما يبرر الآن، أن كل الانتاجات الأدبية أو الفكرية حول الصحراء المغربية التي تتبنى أطروحة الانفصاليين..؛ كانت من توقيع أقلام تنتمي إلى “يسار الحرب الباردة”، والتي استفادت من خدماتهم الإعلامية، ودور الطبع والنشر التابعة لهمه.. هذا بالإضافة إلى كتاب وإعلاميين وأساتذة وضعوا خدماتهم (كتب، تقارير، مقالات، محاضرات..) مقابل مناصب في الجامعات الجزائرية مثلا، أو رشاوي كبيرة، أو دعم مالي لمنظمات وهيئات حقوقية، أو إنقاذ شركات من الإفلاس من طرف ليبيا “معمر القدافي” وجنرالات “سوناطراك” أو غيرها من دول تشترك معها في التوجه السياسي والمصالح الاستراتيجية..

لكن نفس الكتيبة التضليلية والتي اشتغلت على عناصر “البروباغاندا”؛ كما فصلها الكاتب الأمريكي / النمساوي الأصل “إدوارد بيرنايس ” Edward L. Bernays في كتابه الذي يحمل نفس العنوان، والصادر سنة 1928، كانت تعلم أن عصابة الانفصاليين ليس لها “بعدٌ وطنيٌ” وينقصها “القائدُ الملهم” و”الزعيمُ الأسطوري” الذي ضحى بنفسه من أجل الوطن..؛ هذا رغم محاولات البعض، ومنهم Maurice Barbier الذي اجتهد في تفصيل معنى مصطلح “الأمة” على مقاس عصابة البوليساريو..؛ وهو المعنى الذي غاب عن بيانات “مؤتمرات” البوليساريو، والتي غلب عليها مصطلحُ “العامة”، والذي سينتقل إلى مصطلح “الشعب” في المؤتمر الثالث سنة 1976؛ أي بعد المسيرة الخضراء المظفرة..

فبروباغاندا “حشد العامة” ليست بالعمل السهل، بل يتطلب ذلك خلق ميكانيزمات ذهنية، واللعب على العنصر النفسي والديني..، ومؤسسات متخصصة، هذا في الوقت الذي عرفت فيه “الصحراء الإسبانية” العديدَ من الحركات وجبهات التحرير لطرد المستعمر الإسباني من الصحراء المغربية؛ كجبهة تحرير الصحراء وحركة مقاومة الرجال الزُرْق (نسبة للون لباسهم)، وجبهة التحرير والوحدة، وغيرها من الحركات الوطنية الوحدوية… حيث كانت كل الجبهات والحركات؛ بما فيها البوليساريو، تطالب بطرد المستعمر الإسباني من الصحراء المغربية، لذلك لا يمكن لحركة الانفصاليين الادعاء بحصرية التمثيل أو النضال قبل المسيرة الخضراء…

لقد دأبت كتيبةُ “صناعة البروباغاندا” على البحث والاشتغال على عناصر تجعل منها عنصر جذبٍ وحشدٍ، وتساعدها في خلق “ذاكرة جماعية” وهمية، تفيدها في إقناع “العامة” بحقيقتها، ولم تجد ضالَّتها إلا في السيد محمد سيدي براهيم بصيري.. فخلقت له هويةً مزورةً، وبأنه من مواليد طانطان أو طرفاية المغربية، وأنه فور رجوعه سنة 1966من سوريا ومصر، أصدر مجلة الشهاب، أو الشموع التي أغلقتها السلطات المغربية، لكون إحدى المقالات تضمنت “الصحراء للصحراويين” مما دفعه ذلك للذهاب إلى مدينة السمارة في الصحراء الإسبانية، حيث سيستقبل في مدينة المجاهد ماء العينين “كالمهدي المنتظر”؛ لكونه من أحفاد سيدي احمد الركيبي “قبيلة الركيبات” (عامل ديني)… وتضيف آلة “صناعة البروباغاندا” أن السيد “محمد بصيري” استغل ممارسته لتعليم القرآن بمسجد المدينة لتكوين خلية تحرير من الشباب للمطالبة بالاستقلال؛ كما سيستغل محمد بصيري “سوق موقار” بتندوف في 8 ماي من سنة 1970 لتوزيع “تسجيل صوتي” يشرح فيه مطالب حركته، وفقر السكان ومعاناتهم مع المستعمر الإسباني… ومطالبته بتنظيم مظاهرة كبرى في ساحة مدينة العيون في 17يونيو 1970، وقبلها راسل الدول الجارة؛ ومنها الجزائر، طالباً دعمَها.

لم يقف الحاكم العام الإسباني Perez de Lema مكتوف الأيدي، بل قام بتنظيم مظاهرة مضادة، بنصب مئات الخيام في ساحة العيون، ووعد باستقبال الشيوخ وممثلي القبائل من أجل الحوار، كما دعى المتظاهرين السلميين إلى الانضمام لمظاهرته السلمية التي تحضرها وسائلُ إعلام إسبانية وأجنبية، لتوثيق رغبة الشيوخ وممثلي القبائل الصحراوية في استمرار احتلال الصحراء الإسبانية…

ولم يفت كتيبة “البروباغاندا” استغلال حادث القبض على “محمد بصيري” في ذلك اليوم، والتذكير بتوفره على إمكانية الهرب من السلطات الإسبانية، لكنه رفض وربط مصيره بمصير المعتقلين والجرحى، أما القتلى فقد بلغ عددهم العشرة (عمل بطولي) …

وقد تضاربت عشرات الروايات حول مصير محمد بصيري، لكن الأكيد هو اختطافه وتعذيبه، وأنه “مجهول المصير”… لحد الساعة.

وبهذا أصبح لعصابة البوليساريو زعيمٌ اسطوريٌ، وذاكرةٌ وطنية تحتفل بها كلَّ يوم 17 يونيو من كل سنة؛ كذكرى “الوحدة الوطنية “.. كما جعلت من الأحداث المأساوية التي رافقت مظاهرة العيون في يونيو 1970 حدا فاصلا مع العمل السلمي، ولتعلن عن حملها السلاح، وختموا بيانهم السياسي في ماي 1973- أي ثلاث سنوات بعد اختفاء محمد بصيري – بأن “الحرية في فوهة البندقية”… هذه إذن هي إحدى معالم بناء الذاكرة الوطنية في إطار أكبر عملية “صناعة بروباغاندا” حول الصحراء المغربية..

لكن الحقيقة التي يجب أن يعرفها العالم حول شخصية السيد محمد بصيري، بعد أن تغيرت معادلات القوى، وبعد ثورة رقمية غير مسبوقة، تسمح بسفر المعلومات ونشرها على أوسع نطاق..، وهي الثورة التي فضحت كل تجار المواقف والكتاب تحت الطلب وصناع البروباغاندا… ـ الحقيقة ـ هي أن محمد بصيري من مواليد أزيلال وسليل “الزاوية البصيرية”، وأن اختيار طانطان كان بهدف إضفاء الأصل الصحراوي لمحمد بصيري، وأما طرفاية فهي المدينة التي استرجعها المغرب من المستعمر الإسباني بعد اتفاق Cintra سنة 1958…

الحقيقة هي، أن محمد بصيري قد سافر لمتابعة دراسته الجامعية بكل من سوريا ومصر بعد إتمام مراحلها الأولى بالمغرب وعند رجوعه إلى الدار البيضاء سنة 1966أصدر مجلة الشهاب أو الشموع.. صحيحٌ أنه تأثر بأفكار تلك المرحلة أي القومية العربية… لكنه ظل مغربيا وحدويا بخصوص قضية الصحراء المغربية..؛ وأن سبب إيقاف المجلات لورود كلمات معادية للوحدة الترابية، هو قمة في الافتراء على الأموات، بدليل أنها لم ترد في كل نسخ تلك المجلات الموجودة لحد الآن…

الحقيقة هي، أنه تمت فبركةُ العديد من الأحداث، وأولها مضمونُ مذكرة مطالب حركته التحريرية السبعة (7)، حيث جاءت متناقضة لروح التحرير من الاستعمار؛ إذ كيف يمكن لحركة تحريرية أن تدعو مثلا إلى تكافؤ الفرص والحقوق بين الأوروبيين والمحليين، ثم تطالب بنهاية استغلال الثروات المحلية بدون موافقة حركة التحرير…؟!
والحقيقة التي يعرفها الكلُّ، وهي أن الشيخ ماء العينين معروفٌ بجهاده ضد المستعمر الإسباني، وبولائه وبيعته للسلطان المغربي.. فكيف ستستقبل مدينة السمارة محمد بصيري لو كان انفصاليا…؟

الحقيقةُ الأخرى وردت في شهادة السيد لحريطاني لحسن في (كتاب مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف الجزائرية أبريل 2009)؛ وهو الذي شغل مستشارا إعلاميا للأمين العام البوليساريو، وكان مكلفا بالإعلام..؛ يعني أنه كان مكلفا بآلة “البروباغاندا”.

السيد لحريطاني قدم نفسه كمعتقل سابق على خلفية أحداث العيون ليوم 17 يونيو 1970، وقدم وصفا “للسجن الأَسْوَد” بالعيون.. وتكلم عن وجود محمد بصيري معهم في زنزانة انفرادية، لكنه لم يقدم معلوماتٍ كافيةً عن وضعه الصحي أو عن مصيره، خاصة وأن نفسَ المتحدث سرد تفاصيل تعذيبه من طرف المستعمر الإسباني، وعن مصير زملائه الآخرين في معتقل السجن الأسود … كما تحدث عن احتجاز ومصير الصحراويين الذين خربوا سلسلة إنتاج الفوسفاط وكيفية الإفراج عنهم…

السؤال الآن: ما الذي كان يمنع لحريطاني؛ وهو المسؤول الكبير في عصابة البوليساريو، من إعلان حقيقة مصير محمد بصيري؟ وإذا كانت للبوليساريو كل تلك القوة والنفوذ، فلماذا لم تعمل على إطلاق سراح محمد بصيري كغيره من المعتقلين؟ أم التضحية به والتقاعس عن مطالبة الإفراج عنه كان نتيجة لحاجة البوليساريو إلى القائد الملهم…؟

البوليساريو كانت في حاجة إلى بطل / ضحية/ محمد بصيري لتبْني على جثته رأسمالها النضالي…لذلك فالمتهم الأول في إخفاء حقيقة مصير محمد بصيري بعد إسبانيا هي عصابة البوليساريو..

الحقيقة هي، أن محمد بصيري كان مناضلا وحدويا، وبطلا مغربيا سعى إلى تحرير الصحراء المغربية من المستعمر الإسباني، إلى جانب العديد من الشباب الصحراوي الوحدوي، ووَقَعوا ضحية آلة صناعة البروباغاندا لا تحترم حرمة الأموات ولا تصون سيرة الأبطال..

إن أهل محمد بصيري في أزيلال، وبالزاوية البصيرية في جبال الأطلس، لازالوا ينتظرون ابنهم “محمد بصيري” حيا أو ميتا.. للاحتفال به كبطل وطني وحدوي، أو لإقامة خيمة العزاء على روحه الطاهرة…

أما أن تحتفل البوليساريو بذكرى اختطافه كذكرى للوحدة الوطنية، فهو عار وجُبن على جبين عصابة البوليساريو التي تعودت الاقتيات من مائدة المحتجزين بتندوف، أو تحريف مسيرات الصحراويين الوحدويين كمحمد بصيري …

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.