إدريس عدار
لقد أصبحت خطوات التحالف “القومجي” الإخواني بالمغرب واضحة أمام أعيننا من كثرة رصد آلاعيبهم، نذكر أن عبارة قومجي نعني بها هنا شكلا من الانتماء القومي المزيف، تكشف عنه حالة سوريا التي تنكر لها قومجيونا، مع الاحتفاظ بشيء من المجاملة المناسباتية التي لا نجد لها اثرا هنا. ولهذا جاءت سلسلة “قوميون في المشرق وهابيون في المغرب” لفضح هذا التحالف الغريب الذي يصعب مقاربات إلا في إطار الكتلة التاريخية التي اكتشفها ويحمان متأخرا، كتلة القبيلة وتوزيع الأدوار ، كتلة الدكاكين التاريخية.
كانت حركتهم الأخيرة توحي لنا، بخلاف الرأي العام الذي اعتادوا على استحماره، بأن شيئا ما سيقع. وبالفعل، فقد تبين اليوم أنها تسخينات بهلوانية للمشاركة فيما يسمى المؤتمر العربي العام “متحدون ضد التطبيع”، حيث سيتحدث أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، في مداخلة (طبعا ليست تدخلا) حول تجارب في مكافحة التطبيع. هي مداخلة بما تعنيه الكلمة من مراوغات ومناورات كلامية لا تبني فعلا على أرض الواقع، لكن تساهم في “تدكين” النضال من أجل فلسطين، ومحاولة الهيمنة على الشارع والسيطرة عليه، والحيلولة دون أي فعل مقاوم مختلف وخارج دائرة إخوان التوحيد والاصلاح.
لكن هذا الشارع لم يعد اليوم ممكنا بالشكل الذي كان، وتكلفته كبيرة، والإخوان لن يستطيعوا الخروج وبالتالي فرسان “القومجية” لن يخرجوا، لهذا، يتم اليوم التعويض بأشكال أخرى حتى يستمروا في الحضور، هذا الحضور ليس المستهدف به هو الداخل، ولكن الهدف هو الاستمرار في تسويق “الذات” المنحطة في الشرق. هؤلاء الذين احتكروا الشارع وحاربوا أي شراكة خارج مخططهم، لم نعهدهم إلا أصحاب صراخ. اليوم تحولوا إلى مناضلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولعبة البيانات الموجهة للتنظيمات الخارجية، حيث قامت بحركات لم نسمع بها هنا في الداخل، لكنهم يوحون لمن في المشرق، بأنهم يقومون بمبادرات حقيقية في الداخل، كيف يمكن مواجهة “التطبيع” من خلال الواتساب؟
لقد تم التهييء المسرحي قبل المشاركة في المؤتمر الذي ينعقد السبت 20 فبراير 2021. البداية كانت من إدارة مايسترو “القومجية” خالد السفياني، الذي رفع دعوى قضائية في محكمة النقض لإبطال اتفاقية إعادة العلاقات بين المغرب و”إسرائيل”، مسرحية لم تخفف من صدمة من يرسل لهم رسائل فارغة لا تقدم ولا تؤخر، ولما لم يجد ذلك نفعا، فكروا وقدّروا واستقر رأي ثلاثي التحالف (السفياني، ويحمان، هناوي) على تجميد عضوية حزب العدالة والتنمية من مجموعة العمل من أجل فلسطين، طبعا لاتفاق كواليسي متفق عليه مع العدالة والتنمية لأنه طلب ملح لقيادتها، ولكن الإبقاء على عزيز هناوي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، كاتبا عاما للمجموعة، والإبقاء على تنظيمات أخرى تابعة للعدالة والتنمية أو التوحيد والإصلاح داخل المجموعة.
وقد حاولنا فهمها عن طريق الرياضيات فأخفقنا، فحزب العدالة والتنمية هو “مجموعة” جزئية من المجموعة الكلية التي تسمى مجموعة العمل، وكل عضو في المجموعة الكلية نال العضوية عن طريق المجموعة الجزئية، وعندما تفقد المجموعة الجزئية انتماءها للمجموعة الكلية يصبح كل عنصر فيها خارجا من هذه الأخيرة. المجموعة الجزئية “العدالة والتنمية” أصبحت خارج المجموعة الكلية، لكن العنصر “هناوي” العضو في المجموعة الجزئية هو من أمضى خروجها. أخرج المجموعة الجزئية التي ينتمي إليها من المجموعة الكلية وبقي هو في هذه الأخيرة. ما أخرج العنصر “هناوي” من المجموعة الجزئية، هو نفسه الذي أخرج مجموعات أخرى صغيرة من المجموعة الجزئية وتركها مالكة الانتماء للمجموعة الكلية.. لا يمكن لأي منطق أن يقبل هذه التخريجة.
تجميد عضوية حزب العدالة والتنمية ليس سوى محاولة لتبييض سكوت هؤلاء عن “التطبيع الإخواني”.. لم تصدر عن المجموعة أية إدانة للحزب، بل قالوا ينبغي أن نلتمس لهم الأعذار، لأن سعد الدين العثماني، الأمين العام للحزب، كان مضطرا للتوقيع رفقة مايير بن شبات.. من اضطره؟ كيف يكون مضطرا من يرفل في نعيم الحكومة؟ حزب استفاد من خيرات لم يحلم بها نتيجة قيادته للحكومة، ويحاول التخلص من تبعاتها. والغريب أن الحزب الذي جمدوا عضويته في مجموعة العمل، شكل هو أيضا لجنة مركزية مهتمة بالقضية الفلسطينية.
تجميد العضوية هو العمل الذي يمكن أن يقدمه السفياني وويحمان للمشارقة، بعد أن فشلت محاولتهم في تبرير موقف العدالة والتنمية حليفهم الاستراتيجي. سيقدم ويحمان ما أسماه تجارب في مناهضة التطبيع، نسمع تهريجا متكررا، وادعاءات كثيرة، ولكن الحقيقة هي تجاربهم في السكوت عن “التطبيع الإخواني” على مدار سنوات طويلة.
وكان الحزب الإسلامي استقبل في مؤتمره السابع المنعقد يومي 14 و15 يوليوز 2012 عوفير برونشتاين، مستشار إسحاق رابين، وهو المؤتمر الذي عرف حضور خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس حينها، ولما تم الكشف عن هويته، قال قادة الحزب إنهم استضافوه بصفته رئيس المعهد العالمي للسلام.. غير أنه خرج يوم 3 شتنبر من السنة ذاتها على “راديو بلوس” ليقول إن رئيس الحكومة المغربية عبد الاله بنكيران، والأمين العام في نفس الوقت لحزب المصباح، كان يعلم بجنسية عوفير الإسرائيلية. كان بنكيران حينها رئيسا للحكومة وأمينا عاما للحزب الإسلامي. وقال الناشط الاسرائلي في الحوار الاذاعي المذكور، إنه تشرف بلقاء بنكيران، وقدم له نفسه على أساس أنه فرنسي- اسرائيلي. لم نسمع حينها كلمة واحدة للسفياني ولا لويحمان..
وأفتى أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، ذو الهوى القطري الإخواني، بجواز زيارة المسلمين إلى المسجد الأقصى، انسجاما مع الدعوة القطرية إلى ذلك تمهيدا لصفقة القرن، التي يراد منها تصفية القضية الفلسطينية وعلى رأسها قضية القدس الشريف.
ويكفي أن شهد شاهد من أهلها وهو سعيد بن ناصر الغامدي، العضو القيادي بالاتحاد، أن فتوى الريسوني زلة في طينة التطبيع وتماهياً غير مدروس مع دعاة التطبيع مع إسرائيل. كما (بادر) بعض أعضاء الاتحاد إلى إصدار موقف من فتوى الريسوني، وذلك من باب رفع العتب فقط لأنهم منسجمون مع الموقف القطري.
وغلف الريسوني فتواه البئيسة بتعليلات خطيرة من قبيل أن زيارة بيت المقدس هو دعم للمقدسيين، مع العلم أن علماء المسلمين ورجال الدين المسيحيين حرموا زيارة بيت المقدس في ظل الاحتلال.
شخصيا لم أستغرب فتوى الريسوني بل اعتبرتها منسجمة مع ما يتبناه، ولن يكون هو أحسن من مرسي صاحب برقية التهنئة لشيمون بيريز، ولم أستغرب كذلك ردة فعل أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، فهو من دون حركة التوحيد والإصلاح، الدراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية عموما لن يكون شيئا. مواقفه منسجمة تماما معهم. انحاز في حوار صحفي مع صحيفة الأسبوع إلى “ثورة النصرة وداعش” في سوريا، وهو يحاول اليوم ان يحتوي على الموقف هو ومن حوله بعد ان خاب املهم في سقوط سوريا ليدخلوا مع الاخوان فاتحين. والشيء نفسه يقال عن ولي نعمته في “العمل القومي” خالد السفياني، الذي قال بدوره بأن ما يجمعه مع الاخوان في العدالة والتنمية هو أكبر من سوريا. لا يهم الآن الموقف من سوريا وما جرى فيها، ولكن يهمنا أن نعرف طبيعة “القوميين” في المغرب. فهم مع الإخوان ضد الدولة القومية.
ولمزيد من التلبيس صرح ويحمان بأن “العلامة” الريسوني ضد زيارة القدس، ووصف العلامة هنا ليس زائدا، ولكنه من صميم التبليغ. حتى نقتنع بالنتيجة التي سيصل إليها، وهو أن هناك لبسا وسيعملون على اللقاء بالريسوني للاستيضاح منه. لم نعهدهم يسألون الناس عن موقفها. ولكن عدونا على الخروج بسرعة للاحتجاج. غير أن هذه المرة كان الحمل ثقيلا وأكبر منكم وعملية الصراخ في الشارع ليست نزهة. ماذا ستقول لعزيز هناوي، الكاتب العام لمرصده، وهو ابن التوحيد والإصلاح؟ هل سيقبل منه أن ينتقد المفتي الكبير؟ هل بمكنته التطاول على واحد من رموز الإسلاميين كما فتح فمه حتى بانت أضراسك وهو يتحدث عن واحد من زعماء القوميين؟ فكم مر الآن من الوقت وما زال ويحمان لم يسأل الريسوني عن فتواه؟
هذه بضعة نماذج تبين إلى أي مدى يمكن لويحمان ومن معه أن يناهضوا التطبيع؟ هم اليوم يسعون لاختزال القصة كاملة في العثماني، وقد سبق ودعمه بن كيران الذي وصفه معن بشور، أحد رموز القوميين في المشرق، بالرجل الوطني.. وقد اتصل بالعثماني قبيل أشهر وهنأه على موقفه من القضية الفلسطينية. عندما كنا نقول إن هؤلاء مجاهدون بالمراسلة لم يصدق أحد. اليوم حاولوا أن يجدوا له ألف عذر. ولما اشتد الخناق عليهم قاموا بتجميد عضوية الحزب في مجموعة العمل كإجراء مسرحي بهلواني لم نعهده لدى هؤلاء الذين نسفوا أنشطة متضامنة مع الشعب الفلسطيني حينما تكون خارج اسوار دكاكينهم..
انتهت مسرحيتهم ولم يبق سوى أن يقول المخرج لقد خرجتم عن النص ليعلن بنفسه عن النهاية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13580