بعض من مقدمات اعتناق الإسلام في أوروبا: نماذج تطبيقية

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريسمنذ 5 ساعاتآخر تحديث : الأربعاء 12 مارس 2025 - 2:40 مساءً
بعض من مقدمات اعتناق الإسلام في أوروبا: نماذج تطبيقية

منتصر حمادة
تروم هذه المقالة التوقف عند بعض الأسباب أو قل الأبواب التي قد تساعد المتتبع على قراءة ظاهرة اعتناق الإسلام في الساحة الأوروبية.

من بين الأسباب، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، تبعات النهل من العدمية والفوضوية والتشاؤم (الإحالة مثلاً على جيل ما بعد 68)؛ التأثر بمعاملة مسلمين هناك، لا يرفعون شعارات إصلاحية، ولا علاقة لهم أساساً بخطاب دعوي أو إسلامي حركي أو شيء من هذا القبيل، وإنما يعملون بقاعدة “الدين المعاملة”؛ قراءة نصوص إسلامية مباشرة، دون المرور على الوسائط الفكرية والإعلامية وغيرها، من قبيل قراءة النصوص القرآنية أو تأمل التجربة النبوية أو بعض النصوص التراثية، وخاصة الصوفية؛ إضافة إلى أسباب أخرى، ونحيل هنا على كتاب صدر في الموضوع منذ مدة، للباحث صالح عبد الرزاق، بعنوان “اعتناق الإسلام في الغرب” أسبابه ودوافعه” (صدر في 2010، وسبق أن حررنا عرضاً في بعض مضامينه، وإن لم يكن شاملاً في حصر جميع الأسباب، فهذا أمر صعب، ولا أحد يدعي الكمال، ولكن يُحسبُ للمؤلف أنه طرق باب الاشتغال البحثي على الموضوع، بصرف النظر عن مرجعيته الإيديولوجية)

لا نتوقف في هذه المقالة عند أهم أو معالم هذه الأسباب، بقدر ما يهمنا التوقف عند معالم المداخل التي يتم عبرها اعتناق الإسلام، بمعنى آخر، لنفترض أننا اختزلنا جميع الأسباب في سبب واحد، جامع مانع، فإننا أمام محطة ثانية، عنوانها طبيعة التديّن الإسلامي الذي يعتنقه هذا المتديّن المسلم الجديد.

وإذا حسمنا في أهم هذه المداخل (السؤال الثاني)، يمكن حينها الانتقال في سؤال ثالث، وعنوانه مخارج هذا الاعتناق أو تأثيره على الواقع الإسلامي هناك، سواء مع المواطنين الأوروبيين غير المسلمين، وهم أهل الدار/ الوطن، أو مع الجاليات المسلمة، وأغلبها من أصل مغاربي في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا.. أو من أصل تركي ومغاربي في ألمانيا.

من باب تبسيط الخوض في هذا المقام الثاني المؤرق، يمكن الجزم أن هناك ثلاثة أو أربعة مقامات من اعتناق الإسلام في الساحة الأوروبية، ونوجزها في ما يلي:

ــ هناك مقام خاص بالنخبة، سواء كانت سياسية أو بحثية أو إعلامية أو فنية أو رياضية أو غيرها، على قلته مقارنة مع باقي المقامات، ويمكن ذكر لائحة عريضة من الأسماء، منها المغني البريطاني كات ستيفانس (يوسف إسلام)، السفير الألماني السابق مراد هوفمان، مغني الراب الفرنسي عبد المالك، الناشط الجمعوي الإسباني منصور إسكوديرو، الباحث إريك جوفروا، أحد رموز الاشتغال الأوروبي على سؤال التصوف، وأسماء نخبوية أخرى.

ــ هناك ثانياً مقام خاص بما قد نصطلح عليه العامة، أي حالة فردريك أو كارتين، التي اعتنقت الإسلام، دون أن يكون فردريك محسوباً على النخبة، أو لأن كارتين تزوجت مسلماً الذي يقيم في أوروبا، واعتنقت تديّن العامة، أو قل تديّن البسطاء، وهو التديّن الأقرب إلى الفطرة السليمة.

ــ وهناك ثالثاً، التديّن الحركي، أو تديّن الخطاب الإسلامي الحركي، وخاصة تديّن الحركات الإسلامية، (السلفية الوهابية، الإخوان، “الجهاديين”، التشيع الطائفي.. إلخ)، ويمكن أن نضيف في هذه الخانة، من باب التصنيف الإجرائي، تديّن الطرق الصوفية، ونقصد اعتناق الإسلام عبر بواب التصوف الطرقي، أو التصوف الفردي.

بعد استحضار مُجمل هذه المداخل التي اعتنق عبرها غير المسلم، الإسلام، حينها، ننتقل إلى السؤال الثالث سالف الذكر، وجاء في صيغة استفسارية: ما هو تأثير هذا الاعتناق على أواضع أو أحوال المسلمين هناك؟ وهل يمكن أن يكون إضافة نوعية أو يكون باباً من أبوبا إثارة مشاكل، تبقى الجاليات المسلمة في غنى عنها، خاصة مع تصاعد أصوات خطاب الإسلاموفوبيا، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية؟

تكمن أهمية الشق الثاني من هذا السؤال، إذا استحضرنا السياق التاريخي الذي تمر منها القارة الأوروبية والعالم بأسره، أي سياق ما بعد “أزمة كورونا” الذي يتميز بتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وغيرها، وفي مثل هذه الأحداث، كما جرى في أحداث تاريخية سابقة، نعاين عودة الديني (وليس عودة الدين، لأن الدين قائم أساساً).

وبمقتضى عودة الديني هذه والتي تهم التفرعات الثلاثة للديانات التوحيدية: اليهودية والمسيحية والإسلام، سنعاين، من باب تحصيل حاصل، موجات جديدة من اعتناق الإسلام في الساحة الأوروبية، ومن هنا بعض أسباب تحرير هذه المقالة، موازاة مع سبب آخر وسابق، نحيل عليه في خاتمة المقال.

واضح أنه لا يمكن توقع مشاكل ميدانية كبيرة مع أهل المقام الأول والمقام الثاني، أي أهل النخبة والعامة الأوروبية التي اعتنقت الإسلام، وبيان ذلك كالتالي:

ــ أقصى القلاقل التي يمكن أن تصدر عن أهل المقام الأول، أي المقام النخبوي، تهم الاشتغال النظري في قضايا تهم الخطاب الإسلامي (الفقه، التصوف، فلسفة الدين، قضايا الاجتهاد..إلخ)، وهذه قضايا نظرية تهم النخبة المسلمة في العالم بأسره، وقائمة منذ قرون، ولا تخرج نتائجها عن قاعدة “البقاء للأصلح”، رغم كثرة اللغط والهرج والمرج السائد في المنطقة والعالم الإسلامي، سواء بسبب تطفل الإيديولوجيات الدينية والمادية، أو بسبب تقاعس أداء العديد من المؤسسات الدينية في المنطقة العربية على الأقل (مؤسسة القرويين، مؤسسة الأزهر، مؤسسة القيروان).

ــ أقصى القلاقل التي يمكن أن تصدر عن أهل المقام الثاني، أي مقام العامة، تبقى حالات فردية، ولا تثير الكثير من الإثارة الإعلامية والبحثية والسياسية وغيرها، بل غالباً ما يتم حصر أسبابها وتداعياتها في الشق العائلي الصرف، مادامت بعيدة عن أي ارتباطات بمشاريع دينية إيديولوجية، سواء كانت دعوية أو سياسية أو قتالية، وبالتالي، تبقى هذه القلاقل، حالات عابرة، بما يُحيلنا على مأزق القلاقل التي فرضت نفسها في سياق استحضار السؤال الثالث سالف الذكر.

بقي أمامنا إذن، مدخل اعتناق الإسلام عبر بوابة مشاريع دينية، من قبيل المشروع الإسلامي الحركي، أو عبر باب التصوف، في شقيه النظري والمؤسساتي أو قل الطرقي.

نبدأ بهذا الأخير، أي العمل الصوفي، حيث يجب التفريق بين اتجاهين اثنين، وإن كانت النتيجة في مرحلة ما بعد اعتناق الإسلام شبه متقاربة: نتحدث عن معتنق الإسلام عبر بوابة التصوف الطرقي، أي عبر بوابة الانتماء إلى طريقة صوفية ما، أو عبر بوابة التصوف الفردي، الذي يرفع شعار “ما بعد الطرقية”، بمعنى تبني الخيار الصوفي، بشكل فردي، دون الانتماء التنظيمي إلى طريقة صوفية ما، وغالباً ما يكون ذلك تحت تأثير أحد أعلام التصوف (الششتري، ابن عجيبة، ابن عربي، الغزالي، عبد القادر الجيلاني.. إلخ)، ونذكر من هذه الأسماء اليوم، إريك جوفروا سالف الذكر، أو إدريس أبركان، متخصص في علوم الأعصاب، محاضر ومستشار للعديد من الحكومات في العالم (يُحاضر بين الفينة والأخرى في المغرب).

وإجمالاً، لا نسمع عن قلاقل تصدر عن هؤلاء، بخلاف السائد من الصنف أو التيار الثاني، أي التيار الإسلامي الحركي، وهذا هو المحور الثاني من مقامات الاعتناق.

معلوم أن تأمل خطاب العديد من رموز التخويف من الإسلام، يجعلنا نستحضر حضور ما يصدر عن أتباع الإسلاميين بشكل عام، وقد تزايدت حدة الأسباب المغذية للاتجاهين خلال العقدين الأخيرين: الخطاب الإسلامي الحركي يغذي الخطاب المعادي للإسلام، والعكس صحيح، والنتيجة، اتضح أنهما يتسببان للمسلمين وغير المسلمين في قلاقل كانوا في غنى عنها (يكفي أن نستحضر، على سبيل المثال لا الحصر، عدد الأوربيين الذين اعتنقوا الإسلام وشدوا الرحال إلى سوريا والعراق خلال حقبة ما بعد اندلاع الثورة السورية بينما لن نجد فاعلين اعتنقوا الإسلام عبر التصوف ضمن هؤلاء؛ وعلى صعيد آخر، ليس صدفة أن الباحثة الدنماركية شيرين خانكان، كانت صريحة في كتابها الهام “المرأة مستقبل الإسلام”، عندما أكدت أن خطابها الإصلاحي، النظري والعملي، يروم المساهمة في رد الاعتبار للمرأة المسلمة هناك، والتصدي أيضاً للخطاب الإسلامي الحركي والخطاب الأوروبي الذي يعادي الإسلام على حد سواء)

في هذه الجزئيات الدقيقة، رغم أنها تهم أقلية إيديولوجية أساساً، تتضح بعض القلاقل التي يمكن أن تصدر عن معتنقي الإسلام عبر البوابة الإيديولوجية.

صحيح أننا نتحدث عن أقليات، على غرار السائد في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، أي إن الإيديولوجيات الإسلامية الحركية متواضعة الحضور، مقارنة مع عامة وخاصة المسلمين، ولكن الإشكال مع القلاقل التي تصدر عنها (مواقف تحرض على العنف، تشدد وغلو، اعتداءات.. إلخ)، أنها توظف من غلاة اليمين في السياسة والفكر والإعلام، هناك في أوروبا، بما في ذلك غلاة التخويف من الإسلام، بينما غالبية المسلمين، لا علاقة لهم أساساً بهذه الإيديولوجيات: إنها الأقلية المشاغبة التي تشوش على الأغلبية المسالمة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.