أحمد عصيد
الفكرة التي عبر عنها راشد الغنوشي ثم أعاد الإعلان عنها زعيم حزب جزائري، والتي مفادها إمكان بناء اتحاد مغاربي بدون المغرب، هي هذيان سياسي يفصح عن تضخم إيديولوجي ونفس انتقامي غير مبرّر، كما يبين عن مقدار عجز هؤلاء الزعماء عن التخطيط للمستقبل والتفكير بموضوعية، ففكرة الاتحاد المغاربي مبنية على البحث عن سبل تقوية الدول المغاربية عبر إنجاح تجاربها الديمقراطية داخليا ثم توحّدها الاستراتيجي من خلال شراكات كبرى وأشكال تعاون تعتمد على قدراتها المختلفة وثرواتها التي تتكامل فيما بينها، والمغرب في هذه الرهانات ذو دور رئيسي غير قابل للتجاوز.
كما أن الغنوشي يُقصي المغرب من الوحدة المغاربية ـ وهو الدولة المستقرة والقائمة منذ آلاف السنين ـ ويُدمج ليبيا التي لم تستطع حتى الآن استعادة الدولة بعد سقوط نظام القذافي، بسبب المليشيات المسلحة والتدخلات الأجنبية، وكأنه لم ينتبه إلى أن الطبقة السياسية الليبية تعقد منذ سنوات اجتماعاتها بالمغرب الذي يريد إقصاءه من الوحدة المغاربية.
من جانب آخر تجاهل هؤلاء أن الجزائر سعت منذ أزيد من أربعين سنة إلى إقامة دويلة غريبة بجنوب المغرب، ولا نعتقد بأن هذا يساهم في تقوية اتحاد مغاربي من أي نوع، فالوحدة لا تتم عبر مزيد من تقسيم وتفتيت الدول القائمة.
هذا دون الحديث عن تسمية “المغرب العربي” نفسها التي اعتمدها هؤلاء والتي تتعارض مع حقيقة وتاريخ مجتمعات المغارب، ما حذا بالمغرب إلى حذف تلك التسمية الاختزالية من دستوره سنة 2011 وتعويضها بـ”الاتحاد المغاربي” و”المغرب الكبير”.
ولا يبدو أّن السيد الغنوشي يتصرف برعونة وانعدام حكمة في السياسة الخارجية فقط، بل إن سعي الكثير من القوى السياسية لإسقاطه من رئاسة البرلمان داخل تونس يدلّ على أنه يُشيع نفس الفوضى في بلده أيضا، ما يجعل تصريحاته حول المغرب فاقدة لأية مصداقية.
إن بناء اتحاد مغاربي قوي بحاجة إلى سياسيين حكماء يراعون حسن الجوار ويعطون الأولوية للمصالح المشتركة على الرغبة في الانتقام وتصفية الحسابات الضيقة.
المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13664