9 أبريل 2025 / 09:44

بالأرقام: كل ما يمكن أن تعرفه عن المسلمين في بريطانيا اليوم

أصدر المجلس الإسلامي البريطاني تقريا حديثا حول تعداد “المسلمين البريطانيين بالأرقام”، الذي حلل بيانات تعداد المملكة المتحدة لتسليط الضوء على تفاصيل السكان المسلمين، وتركيبتهم السكانية، والتحديات التي يواجهونها.

ويشكل التقرير، الذي خُصصت له ملخصات دقيقة من مجلس المسلمين في بريطانيا، وثيقة مرجعية بالغة الأهمية لرصد التحولات الديمغرافية والاجتماعية التي تمس الجالية المسلمة في البلاد.

بلغ عدد المسلمين في المملكة المتحدة 4 ملايين، ما يمثل 6% من إجمالي السكان البالغ عددهم 67 مليون نسمة، ورغم أن المسيحيين لا يزالون يشكلون أكبر مجموعة دينية بنسبة 46.5%، فإن التنامي السريع لعدد المسلمين – الذي ارتفع بـ1.2 مليون بين 2011 و2021 – جعلهم يشكلون ثلث الزيادة السكانية الإجمالية في العقد الأخير، بمعدل نمو يفوق جميع الأقليات الدينية الأخرى مجتمعة.

ويعكس هذا النمو الديمغرافي عدة عوامل متشابكة: نسبة النساء في سن الإنجاب، الهجرة بغرض الالتحاق بالعائلة، الطلاب الدوليين، الحركة العمالية داخل الاتحاد الأوروبي قبل البريكست، وتسويات العمل القادمة من خارج أوروبا، بالإضافة إلى موجات اللجوء الناتجة عن الصراعات والتغيرات المناخية.

ويشير التقرير إلى تحول جوهري في بنية المجتمع المسلم، حيث ولأول مرة تصبح الأغلبية من المسلمين بريطانيي المولد بنسبة 50%، وهي نسبة أعلى في مدن مثل برادفورد (65%)، والسال (61%)، وأولدهام (59%).

وتبرز التركيبة الإثنية للمسلمين الغالبية الآسيوية البريطانية (2.6 مليون، أي 66%)، مع حضور لافت أيضا للمسلمين البيض (234 ألفا) والسود (429 ألفا) والعرب (أكثر من 296 ألفا)، مما يجعل المسلمين مرآة مصغرة للتنوع البريطاني، هذا التنوع يوازيه عامل حيوي آخر: الشباب، فمتوسط عمر المسلم في بريطانيا 29 سنة، مقابل 44 عاما في باقي السكان.

وتبلغ نسبة المسلمين تحت سن 24 سنة نحو 46%، مقارنة بـ29% فقط من عموم السكان، وفي الفئة العمرية ما بين 5 و15 سنة، يشكل الأطفال المسلمون 10% من التلاميذ، ما يعادل تقريبا ضعف نسبتهم السكانية العامة.

ورغم هذا الزخم الشبابي الذي يمكن أن يشكل “عائدا ديمغرافيا”، فإن تحديات الاندماج والتهميش لا تزال قائمة، حيث يعيش 40% من المسلمين في أكثر الأحياء حرمانا، وهي نسبة لم تتغير منذ 2001، بينما يقطن 6% فقط في الأحياء الأكثر رفاها، كما أن ربع الأسر المسلمة تعاني من الاكتظاظ السكني، مقابل 1 من كل 15 أسرة بريطانية، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بأزمة السكن ونقص المعروض من المنازل المناسبة للأسر الكبيرة أو متعددة الأجيال.

من جهة أخرى، يظهر التقرير تقدما نسبيا في التعليم، إذ ارتفعت نسبة المسلمين الحاصلين على مؤهلات جامعية إلى 33%، وشكلت النساء نصف طلاب التعليم العالي. وبين سن 16 و24 عاما، انخفضت نسبة من لا يحملون أي مؤهل دراسي من 21.8% إلى 11.7% خلال 20 سنة، بينما تضاعفت نسبة الحاصلين على شهادات عليا، غير أن هذا التحسن التعليمي لم يُترجم دائمًا إلى حراك اجتماعي ملموس، فمثلا، 6.5% فقط من المسلمين يعملون في المهن العليا، مقارنة بـ17.8% من الهندوس و16.7% من اليهود.

ولا تزال المرأة المسلمة، رغم دخولها المتزايد لسوق العمل، تواجه تحديات مضاعفة، فقد ارتفعت نسبة مشاركتها الاقتصادية من 39% إلى 42.3% بين 2011 و2021، لكنها لا تزال أقل بكثير من المعدل الوطني البالغ 56.2%. كما أن 27% من النساء المسلمات يصنفن ضمن “غير النشيطات اقتصاديا” لأنهن يعتنين بالبيت والأسرة، وهو ما يكشف قصورا في السياسات الاجتماعية والدعم الموجه لهذه الفئة.

وفي مجال الصحة، ورغم أن 85.4% من المسلمين أفادوا بأنهم يتمتعون بصحة جيدة، إلا أن الصورة تختلف جذريا لدى كبار السن، خصوصا النساء، فحوالي 30% من المسلمات فوق 65 عاما يعانين من صحة “سيئة” أو “سيئة جدا”، مقارنة بـ13% فقط من باقي السكان في نفس الفئة العمرية، وتتباين هذه النسبة بين المناطق، حيث تسجل أعلى المعدلات في تاور هامليتس (40.5%)، ما يسلط الضوء على التفاوتات الإقليمية والتمييز الصحي المرتبط بالعرق والدين.

أما على صعيد الهوية والانتماء، فيؤكد التقرير أن 94% من المسلمين المولودين في بريطانيا يعرفون أنفسهم على أنهم بريطانيون، وهي نسبة تتجاوز حتى الأقليات الدينية الأخرى، كما أن 99% من هؤلاء يتحدثون الإنجليزية كلغتهم الأولى أو بطلاقة، ويبلغ عدد الناخبين المسلمين في بريطانيا قرابة 2.8 مليون، موزعين على 32 دائرة انتخابية تزيد فيها نسبتهم عن 20%، وهو ما منحهم وزناً متزايدا في الانتخابات العامة الأخيرة.

ومع ذلك، يبرز التقرير ثلاث قضايا حساسة تتطلب معالجات فورية: ارتفاع نسبة المسلمين في السجون (18% من نزلاء السجون في 2021، مقابل 6% فقط من عموم السكان)، تنامي الأسر ذات العائل الوحيد والتي غالبا ما تكون برئاسة نساء، وتفاقم العزلة الاجتماعية بين كبار السن.

وتوصي الوثيقة بضرورة تطوير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، وإنشاء دور رعاية حساسة ثقافيا ودينيا، إضافة إلى تعزيز دور المساجد كمراكز اجتماعية ذات طابع شمولي.

إن التحولات العميقة التي يشهدها الوجود المسلم في بريطانيا – من التوسع الديمغرافي إلى التقدم التعليمي، ومن التحديات السكنية والصحية إلى ازدياد الشعور بالانتماء الوطني – تفرض على صناع القرار تبني سياسات قائمة على معطيات دقيقة لا على الصور النمطية، فالمسلمون لا يطلبون امتيازات خاصة، وإنما عدالة في توزيع الفرص والخدمات، والمجتمع البريطاني ككل هو المستفيد من تصحيح الاختلالات التي يرصدها هذا التقرير.