24 أكتوبر 2025 / 10:30

باحثان مغربيان يرصدان في مؤلف موسوعي مسار المسيرة الخضراء من 1975 إلى 2025

إعداد الدكتور أمين انقيرة
صدر حديثا عن المركز الثقافي الكنتي بالعيون مؤلف وطني موسوعي في مجلدين بعنوان “المسيرة الخضراء ومظاهر التلاحم بين الملك والشعب: خمسون عاما من الرقي والازدهار”، من إعداد الباحثين المغربيين الدكتور أمين انقيرة والدكتور ياسين بن روان.

وقد افتتح المؤلف بإهداء موجه إلى أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تأكيدا لروح الوفاء والولاء التي طبعت فصول هذا العمل التوثيقي الكبير، الذي يرصد محطات ملحمة المسيرة الخضراء باعتبارها لحظة مفصلية في تاريخ المغرب الحديث، ومثالًا خالدًا على تلاحم العرش والشعب.

يرصد الكتاب كيف شكّلت المسيرة الخضراء، التي أعلن عنها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه يوم 6 نونبر 1975م، تجسيدا فعليا للعهد المتجدد بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي، على غرار ثورة الملك والشعب.

ويبرز الباحثان أن المغاربة ظلوا عبر الأجيال متشبثين بالبيعة الشرعية، ومحبين للجناب النبوي الشريف ولأسباطه من الشرفاء العلويين، معتبرين حبهم للعرش امتدادًا لحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم.

يستعرض الكتاب الخطاب الملكي الذي أطلق منه الملك الحسن الثاني المسيرة الخضراء من مدينة أكادير، مستهلا إياه بالآية الكريمة: “فإذا عزمت فتوكل على الله”، التي جسّدت عمق التوجه الإيماني في مسار القرار الوطني.
وبيّن الخطاب الملكي أن التوكل على الله لا يعني ترك الأخذ بالأسباب، بل الجمع بين الإيمان والعمل، وهو ما عبّر عنه الملك الراحل بقوله: “فعلا شعبي العزيز لقد عزمنا وعزمنا جميعا… قررنا أن نسير بمسيرة سلمية خضراء، معتمدين قبل كل شيء على إرادتنا وإيماننا.”

ويحلل المؤلفان أبعاد هذا التوجه الديني والسياسي في بناء وعي جماعي يقوم على السلم والإرادة المشتركة.

يبيّن الكتاب أن المسيرة الخضراء كانت نموذجا فريدا في التعبئة الشعبية السلمية، إذ شارك فيها 350 ألف متطوع ومتطوعة من بينهم 35 ألف امرأة، في مبادرة جسدت مبكرا مبدأ مقاربة النوع ودور المرأة كشريك أساسي في بناء المغرب. وقد جعل هذا البعد من المسيرة مدرسة في الوطنية والوحدة، إذ عبّر الملك الحسن الثاني عن رمزية المشاركة بقوله: “غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، وستلمسون رملاً من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز.”

يحلل المؤلفان القيم الدينية والإنسانية التي انبثقت من المسيرة، في مقدمتها دلالة اللون الأخضر الذي يرمز إلى البركة والنماء، وإلى الانتماء النبوي الشريف، ودلالة التوكل التي عبّرت عن الإيمان بالحق المغربي في صحرائه، ودلالة الطاعة التي جسدت التزام المغاربة بإمارة المؤمنين وطاعة أميرهم في السلم قبل الحرب. كما توقف البحث عند وصية الملك للمشاركين بعدم إظهار العداء تجاه الإسبان، والدعوة إلى السلم والتسامح، إذ قال طيب الله ثراه: “صافحه وعانقه واقتسم معه مأكلك ومشربك… فلو أردنا أن نحارب لما أرسلنا الناس عزلا، بل جيشا باسلا، ولكننا لا نريد قتلا ولا سفك دماء.”

يبرز المؤلفان أن القيم الوطنية والإنسانية التي رافقت المسيرة الخضراء شكلت أساسًا للتماسك الاجتماعي المغربي، حيث تجسدت روح التضامن والإيجابية في استجابة شعبية قلّ نظيرها، فكانت المسيرة درسا في الوطنية، ومثالا على السلم المنظّم الذي قدّمه المغرب للعالم باعتباره نموذجا للحكمة السياسية والرؤية الحضارية.

ويؤكد الكتاب أن الخطب الملكية السامية منذ سنة 1975 إلى سنة 2024م وثّقت لمسار وطني متكامل يقوده الملوك العلويون، بدء من الملك الحسن الثاني مرورا بالعهد الزاهر للملك محمد السادس نصره الله، الذي رسّخ الدور المركزي لمؤسسة إمارة المؤمنين في توحيد الأمة وصيانة الدين وسياسة الدنيا، وترسيخ قيم الوفاء للوطن والملك.

توزّعت فصول الكتاب السبعة على محاور شاملة:

تناول الفصل الأول مفهوم إمارة المؤمنين ودورها في حفظ الملة والدين.

خصّص الفصل الثاني للسيادة المغربية على الصحراء من خلال الوثائق السلطانية، مبرزًا التراكم التاريخي للبيعة من عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله إلى جلالة الملك محمد السادس.

ركّز الفصل الثالث على الملك الحسن الثاني مبدع المسيرة الخضراء، مستعرضًا جذورها في القرآن والسنة والسيرة النبوية، والخطاب الذي ألقاه من أكادير إيذانًا بالانطلاق.

أما الفصل الرابع، فخصّص لبيان مظاهر التلاحم بين الملك والشعب عبر المسيرة، مبينًا أثر البيعة في تحقيق الأمن الروحي والتنمية المستدامة.

وتناول الفصل الخامس الصحراء المغربية في العهد المحمدي الزاهر، من خلال النموذج التنموي الجديد وخطب الملك محمد السادس بين 2000 و2024.

وناقش الفصل السادس البعد الدولي والسياسي للقضية الوطنية.

فيما خصّص الفصل السابع لآفاق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والرياضي في الأقاليم الجنوبية.

اختُتم الكتاب ببرقية ولاء وإخلاص مرفوعة إلى السدة العالية بالله جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تأكيدا لعمق الوفاء الوطني، ودعاء باستمرار المسيرة التنموية تحت قيادته الرشيدة.

وقدّم لهذا العمل فضيلة الدكتور سيدي حبيب الله الكنتي، رئيس المركز الثقافي الكنتي بالعيون، الذي أبرز أهمية الاحتفاء بالمناسبات الوطنية والدينية، معتبرا هذا المؤلف مرجعا توثيقيا ومعرفيا في دراسة المسيرة الخضراء ومسار البناء المغربي الحديث.

واختتم الباحثان بتأكيد أن المسيرة الخضراء ليست حدثا تاريخيا فحسب، بل إرث مغربي خالد يجسد القيم الوطنية والدينية في أبهى صورها، ويستمد من إمارة المؤمنين قوته واستمراره، لتظل الصحراء المغربية عنوانا للوحدة والوفاء، ومجسدا للعهد المتجدد بين العرش والشعب في ظل القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.