زعيم الخيرالله
تشارلس دارون تحدثَ عن التطور في كتابه “أَصل الانواع” ، ويقصد بالتطور، التطور من نوعٍ الى نوع آخر. وهذه فَرَضِيَّةٌ لم تُؤيدها الوقائعُ ، ولم يُعَززها سِجّل المتحجرات. وهنا لابُدَّ لي أنْ أُعَرِّجَ على مقولةِ ” معارضة الدين للعلم ” ، هل هي مَقُولَةٌ صحيحةٌ أم لا؟ ويمكن الاجابةُ عن السؤالِ بتحديد مستويات العلم ؛ اذ لايمكننا القولُ بمعارضةِ الدين للعلم بشكل مطلق وفي كل مستويات العلم والدين .
العِلمُ لهُ مستوياتٌ :
1- مستوى الفرضيَّة : فالعلم في مستوياته الاولى يبدأُ بالفروض ، وهذه البداية من العلم هي بدايَةٌ فلسفيَّةٌ ؛ اذ انَّ ادوات العلم هي الملاحظةُ والتجربةُ وكل ادوات الرصد التي يستخدمها العلماء . في هذا المستوى يمكن أن تتعارضَ فَرَضِيَّةٌ علميَّةٌ مع فَرَضِيَّةٍ دينيَّةٍ .
2- مستوى النظريَّة: والنَّظَريَّةُ هي -ايضاً- فرضيَّة اختبرت مراراً وتكراراً وعززتها التجاربُ وأَكَّدَتها الملاحظاتُ. ، أَو هي التفسير الافضل لما نشاهده ، أو هي الطريقةُ التي نُفَسِّرُ بها الحقائقُ . فالنظريَّةُ هي طريقةُ تفسير ، وطريقةُ التفسير قابلة للصواب والخَطَأ . ففي هذا المستوى يمكنُ أن تتعارضَ نظريَّةٌ عِلمِيَّةٌ مع نَظَرِيَّةٍ دينِيَّةٍ .
3- مستوى القانون: القانون العلمي : هو عبارة عن تعميم علميٍّ يستندُ الى رَصدٍ وملاحَظَةٍ تجريبية للسلوك الفيزيائي . وهذهِ القوانينُ عبارة عن استنتاجاتٍ تستندُ الى تجاربَ عِلمِيَّةٍ تمت على فترةٍ زمنيَّةٍ طويلةٍ فاصبحت مقبولة بشكل عام ضمن المجتمع العلمي. التعبير بأصبحت مقبولة ، يعني انها مقبولة في المجتمع العلمي لا أنها اصبحت حقائق علمية لاتقبل الجدل . فالقانون العلمي يمكن ان يراجع وتجرى عليه تعديلاتٌ علميَّةٌ ن كما حدث لقوانين نيوتن ؛ وبالتالي يمكن ان نجد تعارضاً بين قانونٍ عِلميٍّ وقانونٍ دينيٍّ.
4- مستوى الحقيقة: الحقيقة كما عرَّفَها الجُرجانيُّ : هي الشيءُ الثابتُ قطعاً ويقيناً . يقال: حَقَّ الشيءُ اذا ثبت، وهو اسمٌ للشيء المستقر في محله. ” التعريفات للجرجاني ،ص 89. والعلم على مستوى الحقيقة لايمكن ان يتعارض فيها العلم والدين ، فلاتتعارض حقيقةٌ علميَّةٌ مع حقيقةٍ دينيَّةٍ ؛ لان كلا الحقيقتين مصدرها واحدٌ وهو الحق سبحانه وتعالى.
التطورُ الداروينيُّ
التَّطَوُّرُ من نوعٍ الى نوعٍ آخرَ الذي قال به دارونُ ، هو مجرد افتراضٌ ، لم تسندهُ الوقائعُ ، ولاسجّلات الحفريات ؛ ولذا فنظريةُ التطور ظلَّتْ نظريةً وافتراضاً علميّاً ، ولم تصبح حقيقةً عِلميَّةً ، وانما تمَّ الترويجُ لها تجنباً من الوقوع في التفسير الدينيِّ للخلق .
التطور في مفهوم القرآن الكريم
هل تحَدَثَ القُرآنُ عن التطور؟ وهل التطور الذي قررهُ القرآنُ هو التطور الدارويني ، التطور من نوعٍ الى نوعٍ ؟ ام ان التطور الذي يمثِّلُ حقيقةً قررها القُرآنُ الكريمُ ، هو التطور داخل النوع الواحد لامن نوعٍ الى نوعٍ آخر.
من الايات التي تحدثت عن التطور داخل النوع هي :
(مالكم لا ترجون لله وقد خلقكم أطوارا) . نوح: الآيات:13-14.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخالقين* ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ* وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طرائق وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافلين). الاحقاف: الايتان:12-14.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ). الاعراف: الاية: 11.
(خْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ).الزمر:الاية:(6) .
هذه الآياتُ التي عرضتها ، كلها تقرر التطور في داخل النوع الواحد ، وهو التطور داخل النوع الانساني. الآية الثامنة والثلاثون من سورة الانعام تؤكد هذه الحقيقة التي أثبتها القُرآنُ الكريمُ وهي حقيقة التطور داخل النوع الواحد لا التطور من نوعٍ الى نوعٍ :(وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ). الانعام:الآية:(38).
الآيَةُ الكريمةُ تتحدثُ عن كلِّ الكائنات البرية والبحرية ( التي عبّرت عنها الايةُ ( وما من دابة في الارض) ) ، والكائنات الجويَّة التي عبر عنها :(ولاطائرٍ يطيرث بجناحيه)، وقوله تعالى : ( الا اممٌ أمثالُكم ) اي انها اممٌ مستقلةٌ ، وبلغةِ دارون ( انواعٌ امثالكم) ، اي انها انواعٌ مستقلة حدث لها التطور في داخل انواعها .
البعض استدلَّ على نظرية دارون وتطور الانواع بقوله تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ).الانعام:الآية:(133) ، على اعتبار ان الانسان نشأض من كائنات أُخرى ، ولكن بالرجوع الى اللغة وتحديد كلمة قوم نجد ان هذه الكلمة مختصَّةٌ بالناس ولاتشمل الحيوانات والكائنات الأُخرى.
القُرآنُ الكريمُ تحدث عن التطور الارتدادي الذي هو الانتكاس من الانسان الى الحيوان وهو مايعبّر عنه بالمسخ كعقوبةٍ للعصاةِ من بني اسرائيل : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).الاعراف: الآية: (65) . أو كما في قوله تعالى: ( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ).المائدة: الآية:(60).
المسخ كان عقوبةً لبعض المتمردين من بني اسرائيل ، وهو تطور ارتدادي اي: هو انتكاس من درجةِ الانسانية الرفيعة الى دركة الحيوانيّة الهابطة . البعض لايتحمل المسخ فحاول تأويل الآية قائلاً ان المسخ في الآيةِ هو مسخ أخلاقٍ لامسخ خلقةٍ . هذا ما أحببتُ اثارته وما استنتجته من الآيات الكريمة ان التطور في داخل النوع ولاتوجد آية تثبت ان التطور من نوعٍ الى نوعٍ آخرَ.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20215