25 يونيو 2025 / 14:16

اليمين الذي ينتصر عند الإسلاميين

نواف القديمي. باحث سعودي يقيم في تركيا

كما في كل حركة سياسية كبيرة وداخل كل جماعة إيديولوجية ثمّة اتجاهات وتباينات في مواقف متعددة لمجموعات من المنتمين إليها، بين “يمين” يمثل الأكثر محافظةً وربما تشدداً، و”يسار” يكون أقل عقائدية وأكثر مرونة. ثمّة ملاحظة متكررة يمكن تسجيلها في السلوك الداخلي وطبيعة التغيرات والانزياحات داخل الحركات والجماعات الإسلامية، هي أن الطابع الغالب في صيرورة الحركات الإسلامية ومسيرتها هو: قابليتها العالية للخضوع لليمين، الأمر الذي قد يصل في حالات إلى “القابلية للاختطاف”.. والمقصود بذلك، أن يقوم تيار يميني داخل الحركة بأخذ خطوات جريئة ومُغامرة، فتضطر بقية الحركة لمواكبته ومسايرته – أو السكوت عنه – تحت مبرر الخوف على تماسك الحركة والخشية من تعرضها للانقسام.

ففي السعودية مثلاً، خضع الإسلاميون الحركيون “أو تيار الصحوة” – خاصة بعد 11 سبتمبر – لسطوة الخطاب الجهادي المدجج بترسانة من النصوص والشواهد والفتاوى والأقيسة، وبدا واضحاً نزعة الضعف في مواجهته خلال المعارك الشرعية والفكرية التي كانت تدور وقتها في المنتديات والمواقع الإلكترونية، وكان يتزعمها أمثال ناصر الفهد وفارس بن شويل وآخرين.. وفي العراق فشلت القيادات التقليدية لتنظيم القاعدة في لجم التوحش والتسرع في التكفير وهدر دم المدنيين – حتى السنة منهم – والذي تشكل في نسخته الأخيرة تحت لافتة تنظيم داعش، والذي لم يسلم من قتاله – وربما تكفيره – حتى تنظيمات القاعدة التقليدية.. وفي سوريا أواخر السبعينيات خضعت جماعة الإخوان لسطوة نزعة المُفاصلة والمواجهة التي أخذتها الطليعة المقاتلة رغم محدودية عددها، ولم تستطع الكتل الكبيرة في الجماعة بدمشق وحلب – وكانت رافضةً للمواجهة العسكرية مع النظام – التحرر العلني من هذه المجموعة ونقد خطابها ومواقفها.. وفي مصر حيث اختلف الإخوان مع أفكار سيد قطب وردوا عليها “دعاة لا قضاة”، ولكن في المحصلة التهمت أفكار قطب الحاسمة – والتي زادها توهجاً نهايته المَلحميّة – جسم الحركة، وباتت المنهج الأكثر حضوراً في حلقاتها وأُسرها وخلاياها.. وليس آخراً ما حصل في حركة حماس بعد عملية طوفان الأقصى والتي أخذ قرارها مجموعة محدودة من دون المرور المُفترض للقرار عبر مؤسسات الحركة، فسارت جميع الحركة بقياداتها وأنصارها خلف العملية تأييداً وتبريراً، رغم معرفة الكثير منهم بكارثية تبعاتها.. مروراً بتجارب إسلامية أخرى كثيرة.

غالباً ما تشعر الأجسام الكبرى داخل الحركات الإسلامية أنها ضعيفة أمام الكتل المتشددة داخلها، والتي كثيراً ما تبدو أنها أكثر صلابة في المبدأ واستعداداً للتضحية. وحينها تتشكل لدى هذه الحركات تقاليد غير مدونة تعتبر فيها أن الرديكالي هو الأكثر شرعية وجذريّة وأخلاقيّة في مقابل المُعتدلين المتصفين بالمرونة والاستعداد للتسويات والقبول بالحلول الوسط، وهو ما يتم تفسيره عادة بكونه استعداداً للتنازل مقابل مصالح شخصية أو تقديم “السعي للنجاة” على “الإيمان بالمبدأ” والتضحية في سبيله.

ولا يعني ذلك انتفاء وجود تجارب انتصر فيها اليسار على اليمين عند إسلاميين، فحزب العدالة والتنمية المغربي كان الإصدار الأكثر مرونة في تجربة الحركة الإسلامية المغربية المتمثلة بحركة الإخوان تحت قيادة عبدالكريم مطيع.. وأردوغان ورفاقه كانوا انتصاراً للجناح البراغماتي في جماعة نجم الدين أربكان.. وليس آخراً ما فعله أحمد الشرع وبعض رفاقه الذي كانوا التمثل الأكثر انفتاحاً واستعداداً للتسويات في التنظيمات السلفية الجهادية والحركية.

لذلك، قد تنجح الأجنحة البراغماتية داخل الحركات الإسلامية في بناء تراكم طويل من العلاقات والسياسات والتصورات، ولكن كل ذلك يمكن تقويضه في “لحظة” بمُبادرات ومواقف متشددة وغير محسوبة.