الولاء التاريخي لأعيان وشرفاء وعلماء وفقهاء الريف المغربي للملوك العلويين (7)

نموذج فرقة أولاد الحاج بالريف الشرقي

دينبريس
دراسات وبحوث
دينبريس17 فبراير 2025آخر تحديث : الإثنين 17 فبراير 2025 - 2:26 مساءً
الولاء التاريخي لأعيان وشرفاء وعلماء وفقهاء الريف المغربي للملوك العلويين (7)

عبد السلام أندلوسي ـ أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل

الحلقة السابعة: البشير ونجله محمد قائدان من قواد الدولة العلوية الشريفة

1 ـ أوامر من السلطان المولى محمد الثالث بن عبد الله تقود القائد البشير بن محمد بن أحمد المرابط الكبداني إلى محاصرة ثغر مليلية

منذ وفاتها عام 1504م، سار ملوك الإسبان على نهج وصية الملكة إيزابيلا الكاثوليكية ضد المغرب، فكان حلم تنصيره هدفا استراتيجيا يراودهم. ولذلك، كان مخطط التوسع في المغرب، انطلاقا من شماله، دوما على رأس قائمة اهتمامات كل الملوك الذين تعاقبوا على حكم إسبانيا. وعلى هذا الأساس، كانت أطماعهم موجهة دوما صوب جزر إكبدانن، نسبة إلى منطقة كبدانة، منذ احتلالهم لمليلية عام 1497، وذلك لمجموعة من الاعتبارات الأساسية، لعل من ضمنها وأبرزها أهمية هذه الجزر من حيث الموقع الاستراتيجي الذي يساعد على رسو البواخر بشكل طبيعي.

وخلال القرن السابع عشر، ولتحرير مليلية، قام المغاربة الريفيون من أبناء رأس كبدانة (رأس الماء / قابوياوا/ كابو دي ياغوا Cabot de Agua) بعدة أعمال عسكرية تتفاوت خطورتها وأهميتها. وواصل هؤلاء المجاهدون الأشاوس حملتهم عدة مرات في القرن الثامن عشر أيضا. فلقد حوصرت في السنة الخامسة عشرة (1715) وفي السنة السابعة والعشرين (1727) من هذا القرن.

وعلى الرغم من أن الفرنسيين اهتموا بدورهم بأهمية موقع جزر كبدانة، منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر، مثلما ينقل الدكتور حسن الفكيكي عن تقارير مجموعة دو كاستري الفرنسية، فإن جولات البحرية الإسبانية تواصلت بعرض مياه الناحية الشرقية، فظهر أول رسم لهذه الجزر عام 1733. كما ظهرت أول نية لاحتلالها في التقرير المعد لفليب الخامس عام 1735 (1).

وخلال هذا القرن، كانت دول الغرب، وفي مقدمتها إنجلترا، فرنسا وإسبانيا، لا تزال تحفظ للمغرب هيبته في مجال البحر، من ملاحة تجارية وقوة عسكرية بحرية. ففي ذروة إقلاع الازدهار الأوروبي، تمكن المغرب من تحرير مدينة الجديدة عام 1768، وهو ما انتبهت له إسبانيا، التي استشعرت الخطورة التي بدأت تتهدد احتلالها لمليلية، فوجهت كامل عنايتها واهتمامها للسيطرة على هذه المدينة.

أما الحصار الأكبر، فقد شهدته مليلية سنتي 1774 و1775 على يد السلطان مولاي محمد الثالث بن عبد الله، الذي قام يوم تاسع شتنبر من السنة الأولى بمهاجمة مليلية وسبتة معا. إلا أن سيطرة الأسطول الإسباني على البحر ضمنت تموين المدينتين، بالإضافة إلى نجاحه في الحيلولة دون وصول الذخيرة والعتاد إلى المغرب من الخارج، مما أدى إلى فشل هذه المحاولة. وفي عام 1786، “أصدر الملك الإسباني كارلوس الثالث أوامره بوضع خطة عسكرية طويلة الأمد لاحتلال هذه الجزر” (2)، وذلك بهدف إحداث مرسى لإيواء السفن الكبرى التي لا يسعها مرسى مليلية أثناء هبوب الرياح الشرقية القوية. وتمكن القبطان طوفينو من إعداد تقرير مفصل نتيجة دراسة عسكرية هادفة انتهت بوضع خريطة مفصلة للجزر الثلاث (3).

وفي هذه الفترة، سطع نجم قبيلة كبدانة بحركة مقاومة الوجود الإسباني في مليلية، إذ لم يتوانَ سكانها عن المساهمة إلى جانب حكام قلعية، وكانت كبدانة بدورها محط أنظار مليلية، لا سيما فيما يتعلق بجزرها. وكان في مقدمة رجال رأس كبدانة جدنا، رضي الله عنه وأرضاه، الشريف سيدي البشير بن محمد بن أحمد المرابط الكبداني، الذي ينتمي إلى جماعة المرابطين ذات الأصل الإدريسي المستقرة بفرقة أولاد الحاج برأس كبدانة، المعروف اليوم برأس سيدي البشير (4).

وبصفته مقدَّما (5) لكبدانة وجنادتها، وبأوامر من السلطان سيدي محمد الثالث بن عبد الله، قاد البشير الكبداني مرات عدة المجاهدين من أبناء كبدانة لمحاصرة ثغر مليلية بهدف تحريره. لكن بعد رفع الحصار، مثلما يؤكد الدكتور حسن الفكيكي، أصبح من أشد المعارضين لسياسة مهادنة الإسبان، واتجه نشاطه الجهادي إلى إبعاد السفن الإسبانية المتجولة بين مليلية ورأس كبدانة، ومنع وصولها إلى جزر كبدانة، المعروفة بجزر الشفارين (6).

وقد تمكن من الاستيلاء على سفينة غنمها من بحارة مليلية، وأخرى لقرصان جزائري أخذها بالقرب من “قالة كونسيتيس”، ويدعوه الإسبان بالوحش الرهيب. وازدادت شوكة هذا الموقف قوة، تحت يافطة الجهاد (7)، بعد انضمام خمسي بني شكر، برئاسة الطالب علي الشكري، ومزوجة، بقيادة المقدَّم محمد بن أحمد المقدَّم الرتبي (8)، إلى حلف كبدانة بزعامة المرابط الشريف سيدي البشير بن محمد بن أحمد (9).

وقد ساهم هذا الحلف الجديد في استمرار حملات الشريف سيدي البشير بن محمد بن أحمد المرابط الكبداني في مهاجمة السفن الغربية، والإسبانية بشكل خاص، مما ترتب عليه عدد من الشكايات التي وجهتها الحكومة الإسبانية إلى باشوية طنجة، مطالبة بالعمل السريع لإيقاف الهجومات، الأمر الذي تجاهله السلطان سيدي محمد بعد استنفاد المحاولات الدبلوماسية.

وبذلك، أصبح الجهاد قاعدة سار عليها هؤلاء المجاهدون. وهكذا، يظهر أن الشريف سيدي البشير تزعم حركة جهاد ضد الإسبان. وعلى الرغم من اختفائه عن الأنظار حوالي سنة 1794م (10)، مثلما يشير الفكيكي، فإننا نقدر أنه اختفى عن الأنظار، حتى لا نقول إنه تُوفي، في حدود 1800 فما فوق (ما بين 1805 و1810)، بدليل أن أحد رفاقه في حركة الجهاد، ويدعى المقدَّم أحمد أبو محمد الرتبي، يشير الفكيكي إلى أنه تُوفي عام 1802.

ــــــــــــــــ

هوامش الحلقة 7

(1) حسن الفكيكي (1997)، المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلية (1697-1859م)، المجلد 39، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ص 392.
(2) معرفة، الجزر الجعفرية، https://www.marefa.org، تاريخ زيارة المصدر: 9/6/2023، الساعة 11:00 صباحًا.
(3) حسن الفكيكي، المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
(4) المصدر نفسه، ص 344.
(5) المقدَّم هو رئيس المجاهدين، وهو المشرف على العمليات الجهادية.
(6) حسن الفكيكي، مصدر سابق.
(7) أنظر: حسن الفكيكي، ص 341.
(8) بحسب ما ذكره الدكتور حسن الفكيكي، في الصفحة 346 من كتابه المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلية (1697-1859)، فإن محمد الرتبي هو مقدَّم قصبة رتابة، ينتمي إلى أسرة رتابة القلعية التي استقرت بهذه القصبة ببني أنصار. عاصر القائدين الطاهر وعمر القيطونيين، وقام بعدة عمليات جهادية من أجل تحرير مليلية. كما شكَّل، إلى جانب جدنا المقدَّم سيدي البشير بن محمد بن أحمد المرابط الكبداني، ومقدَّم بني شيكر الطالب الشكري، حركة ضد التواجد الإسباني في مليلية. تُوفي عام 1802.
(9) المصدر نفسه، ص 342.
(10) المصدر نفسه.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.