عبد السلام أندلوسي ـ أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل
الحلقة السادسة: الدعوة إلى تحويل زاوية إمرابضن برأس كبدانة إلى مدرسة قرآنية
بعدما استعرضنا في الحلقة الماضية بعضا مما ذكرته المصادر التاريخية عن جنادة كبدانة، وفي مقدمة هذه المصادر وأبرزها “معلمة” / موسوعة المؤرخ الدكتور سيدي حسن الفكيكي، الذي أشار إلى أنها بُنيت على يد القبيلة وبمساهمتها، استجابة لأوامر عليا من السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله، الذي أسند رئاستها إلى جدنا الشريف سيدي البشير ابن محمد ابن أحمد ابن محمد ابن الطاهر ابن أحمد ابن محمد ابن عبد الله ابن عبد الرحمان ابن سليمان.
لا بد في هذه الحلقة أن أثير الانتباه، في مرحلة أولى، إلى بعض مما عشته أنا شخصيا، حينما كنت أزور جدي، والد والدي، الشريف سيدي محمد (1912-1997) ابن أحمد ابن محمد الهادي ابن عبد الرحمان (1)، مطلع الثمانينات.
لقد كان أفراد من عامة الناس في بلدة رأس كبدانة ينادونني، في المسجد أو في السوق، بـ”أيا مرابض” (بسكوت فوق الميم والضاد)، تماما كما تتم المناداة على شخص بصوت مرتفع: “أأأأ محمد”، أو “أأأأ سعيد”، أو “أأأأ فلان”.
كنت أقيم رفقته، رحمة الله عليه، في الزاوية (زاوية إمرابضن)، التي يطل موقعها على البحر، ويطلق عليها سكان المنطقة بالريفية “الظهر” (بشد وسكون الضاد)، أي المرتفع أو التلال. وكانت هذه الزاوية مقصدا لعابري السبيل والغرباء بقصد الاستضافة(2).
إنها ذاكرة تاريخية لرأس كبدانة، ذكرتها العديد من المصادر التاريخية، ومن ضمنها، وفي مقدمتها، موسوعة المحقق الفرنسي أوجست مولييراس (Auguste MOULIERAS)، حول الريف المغربي الشرقي، في كتابه المغرب المجهول، الذي أصدره من وهران عام 1885(3).
ما زلت أتذكر أن جدي (والد والدي، رحمة الله عليهما)، الشريف سيدي محمد بن أحمد بن محمد الهادي بن عبد الرحمان بن محمد بن البشير بن محمد، كان يعزو تشبثه بالاستقرار في هذه الزاوية، رغم قدرته على بناء بيت جديد، إلى استمراره على نهج أجداده، وفي مقدمتهم الشرفاء: سيدي عبد الرحمان، وسيدي محمد، وسيدي البشير، وسيدي محمد، المرابطون الكبدانيون، الذين كانوا جميعا يرون في موقع الزاوية الطبيعي المرتفع، المطل على البحر، عاملا مساعدا على القيام بالواجب الديني والوطني، ألا وهو رصد كل ما يجري على الشاطئ، وكل ما يتحرك باتجاه جزر شافارينا الخاضعة للاحتلال الإسباني.
وبذلك، كان هؤلاء الشرفاء جميعا قادة أجلاء، مرابطين في سبيل الله، وفي سبيل حوزة الوطن، على عهد سلاطين الدولة العلوية الشريفة.
هذا قليل مما لا يعرفه البعض عن زاوية إمرابضن / المرابطون، من رابط الجيش، أي لازم الثغر وموضع المخافة، ولازم تخوم العدوّ، ومثال ذلك: “مرابطة الدولة على طول حدودها تزيد من فاعلية قوّاتها”.
ويقول تعالى في محكم تنزيله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا”.
وقد فسر الحسن البصري، رحمه الله، هذه الآية بقوله: “أُمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم، وهو الإسلام، فلا يدعوه لسراء ولا لضراء، ولا لشدة ولا لرخاء، حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم”.
والمرابط في سبيل الله تعالى هو من يحبس نفسه للجهاد، ويستعد للقاء العدو، ويحرس مقدسات الإسلام، ويحمي ثغور بلاد المسلمين، وهو ما يعني أن الرباط في سبيل الله مقرون بأداء مهمة الحراسة وحماية أملاك ومقدسات المسلمين في سبيل الله.
ــــــــــــــــ
القرآن الكريم، سورة آل عمران، آية 200.
(1) الشريف سيدي عبد الرحمان الإدريسي، دفين قصبة جنادة، المعروفة لدى سكان المنطقة بلالة جنادة.
(2) Auguste Mouliéras، المغرب المجهول، الجزء الأول، اكتشاف الريف، ترجمة وتقديم د. عز الدين الخطابي (2007)، منشورات تفراز ن أريف، مطبعة دار النجاح بالجديدة، ص 176.
(3) مبشر وعالم أنثروبولوجيا فرنسي، عضو جمعية الجغرافيين والأركيولوجيين بوهران، من مواليد 22 ديسمبر 1855 في تلمسان (الجزائر)، وتوفي في 26 يناير 1931 في بلدية Le Perreux-sur-Marne التابعة لمقاطعة Val-de-Marne بجهة إيل دو فرانس.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23337