الولاء التاريخي لأعيان وشرفاء وعلماء وفقهاء الريف المغربي للملوك العلويين (2)

نموذج فرقة أولاد الحاج في الريف الشرقي

دينبريس
2025-01-14T22:21:34+01:00
دراسات وبحوث
دينبريس14 يناير 2025آخر تحديث : الثلاثاء 14 يناير 2025 - 10:21 مساءً
الولاء التاريخي لأعيان وشرفاء وعلماء وفقهاء الريف المغربي للملوك العلويين (2)

عبد السلام أندلوسي ـ أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل
الحلقة الثانية:
كنا في الحلقة الماضية قد توقفنا عند رواية أوجست مولييراس (1) Auguste MOULIERAS، التي ذكر فيها قصة الشاب القلعي الذي استضافه جدنا (2) في زاوية إمرابضن، والتي قصدها الشاب لحفظ القرآن الكريم. حدث ذلك في عهد القائد بوصفية (3)، الذي كان يعمل تحت إمرة السلطان العلوي الشريف مولاي الحسن الأول.

يقول سيدي حسن الفكيكي في المعلمة: هو الحاج امحمد بوصفية الكبداني، من فرقة أولاد الحاج (4)، قائد السلطان مولاي الحسن الأول ما بين 1889 و1892م. ولاه على أربع فرق من مجموع الفرق التسعة الكبدانية، إثر مقتل القائد عمر هرفوف الكبداني. وهي: أولاد الحاج، أولاد داود، بني قياطن، والزخانين. وقد نافسه في قيادته القائد الفقيه محمد بن أحمد الكبداني، قائد الفرق الخمس الباقية (الهدارة، لحظارة، الشراويط، البراكنيين، البوعلانيين).

ومن أهم المهام التي أوكلت له مراقبة تجارة التهريب بين القبائل والإسبان بجزر كبدانة (الشفارين)، لما كان يُهرَّب إليها من الحبوب والأبقار من بني بويحيى، وأولاد ستوت، وبني يزناسن، وسهل تريفة. مركز الحراسة يقع في رأس كبدانة في جنادة.

وعاصر القائد بوصفية حرب بني يزناسن ضد كبدانة سنة 1885م إلى نهايتها سنة 1902م، بسبب رفض القائد الحاج محمد بن البشير ومسعود اليزناسي إدخال كبدانة في الحلف الموجه ضد قبيلة بني بوزكو. ومن أهم الدعوات التي تلقاها بوصفية سنة 1893م، حين أمره السلطان بالالتحاق بجنادة (قصبة فرخانة)(5)، على حدود مليلية، قرب جمعة سيدي ورياش، لمؤازرة أخ السلطان مولاي عرفة، لمساعدته على فض النزاع القائم بين قلعية وجنود مليلية، حيث هدم الريفيون برجا بناه الإسبان مرتين، وانتهى الخلاف باتفاق يوم 24 أبريل 1895م.

وهكذا يظهر أن كبدانة كانت خلال هذه الفترة تحت إمرة هذين القائدين، المنتمين إلى فرقة أولاد الحاج. وهو ما يشفع بالقول إن شيوخ وفقهاء وحكماء وكبار هذه الفرقة كان ولاؤهم الكامل للسلطان العلوي، وكانوا يحظون بثقته الكاملة لحكم هذا الثغر، والسهر على أمنه وحراسته.

وبالعودة إلى قصة الشاب الذي نزل بزاوية إمرابضن لحفظ القرآن الكريم وعلومه، يظهر أن الفترة المعنية بهذه القصة تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر. وتشفع هذه المعطيات بافتراض أن هذه الفترة هي الحقبة التي عاش فيها جدنا الرابع، الذي استضاف هذا الشاب بالزاوية، الشريف سيدي عبد الرحمان، نجل وحفيد، على التوالي، للقائدين الشريفين سيدي محمد ابن البشير، وسيدي البشير ابن محمد ابن أحمد.

ويصف أوجست مولييراس أهالي زاوية إمرابضن قائلا: “إنهم حكماء في تصرفاتهم، مجدون في عملهم، وغير سائبين، ويقدسون كل ما له صلة بالدين، قريباً كان أو بعيدا، ويقدمون ذبائح كثيرة لجلب الفقهاء المشهورين إلى الزاوية. ويُستقبل كل طالب بالحفاوة في مساجدهم العديدة”.

بالمقابل، تقدم روايات بعض أفراد العائلة، متقاطعة مع معطيات واردة في مصادر تاريخية جيدة الاطلاع، معلومات عن شخصيتين مهمتين تنتميان إلى هذه السلالة الشريفة، وهما على التوالي: الشريف سيدي البشير (6) بن محمد بن أحمد المرابط الكبداني، ونجله محمد بن البشير بن محمد (7) بن أحمد المرابط الكبداني (1720/1800).

ففيما عاصر الأول كلا من المولى محمد الثالث ابن عبد الله (1757/1790)، والمولى سليمان (1797/1822)، وفترة من حكم السلطان المولى إسماعيل (1672/1727)، عاصر الثاني (8) فترة حكم السلطان المولى الحسن الأول (1873/1894)، وفترة من حكم المولى سليمان (1797/1822).
ـــــــــــــــــ
هوامش الحلقة الثانية:
(1) أصدر Augueste MOULIERASعام 1883 “المغرب المجهول”، من وهران، والكتاب ترجمه إلى العربية عز الدين الخطابي (2007)، منشورات تفراز ن أريف، مطبعة دار النجاح بالجديدة،
(2) يتعلق الأمر بجدنا، الرابع، الشريف سيدي عبد الرحمان، حفيد ونجل، على التوالي، القائدين سيدي البشير، ومحمد إبن البشير. راجع شجرة العائلة، الحلقة الأولى، دين بريس، 6 يناير 2025 الساعة 7و 22 مساء،
(3) يخبرنا Augueste MOULIERAS أن وصول الشاب القلعي إلى زاوية كبدانة لحفظ القرآن الكريم ودراسة علوم الدين كان في فترة زمنية حكم فيها القائد بوصفية كبدانة. وفي عددها الصادر في شتنبمر 1923 نشرت جريدة “إل تيليغراما ديل ريف” خبرا ذكرت فيه أن أعيان كبدانة تقدموا للسلطان بمقترح تعيين حاكم جديد لكبدانة بعد وفاة القائد بوصفية. وتفيد هذه المعطات أن الأخير توفي في حوالي ال 85 من عمره، أي أنه من مواليد حوالي 1838 ( حوالي 1840).. أي أن حكمه لكبدانة كان تقريبا ما بين 1870 ما فوق إلى حدود 1923، تاريخ وفاته. و نقدر أن القائد الشريف بوصفية هو أحد أبناء عمومتنا، أو أحد أحفاد أجدادنا المذكورين في شجرة العائلة. راجع الحلقة الأولى، دين بريس 6 يناير 2025.
(4) تجمع المصادر والمراجع التاريخية على ولاء مشاييخ وعلماء وفقهاء ووجهاء وأعيان هذه الفرقة لسلاطين الدولة العلوية الشريفة. وتؤكد الوثائق العدلية التي يعود تاريخها إلى مطلع القرن العشرين على انتساب آبائنا وأجدادنا إلى هذه الفرقة الشريفة.
(5) جنادات : هي قصبات بناها سلاطين المغرب، تنتشر بعدد من المواقع الاستراتيجية للمملكة. من ضمنها مثلا : جنادة جمعة جبل ماورو ببني سعيد الريفية على مجرى واد كرط. وجنان الحارثي بمراكش، وجنادة رأس كبدانة / رأس الماء، وجنادة فرخانة. وهي بحسب ما نقله سيدي ح. الفكيكي في ” المعلمة” عن المرحوم المؤرخ محمد إبن عزوز حكيم، قصبة تقع بقرية فرخانة بقبيلة مزوجة المجاورة لمليلية، بناها السلطان المولى إسماعيل سنة 1108/1696.
(6) ازداد البشير إبن محمد إبن أحمد حوالي 1720 واختفى حوالي 1800، كما سنوضح ذلك لاحقا، ف 1800 ليس سنة وفاته وإنما سنة اختفائه،
(7) تذكره المصادر التاريخية باسم : محمد إبن البشير إبن أحمد، بينما تذكر والده البشير ب: ألبشير إبن محمد إبن أحمد. مما يبرزشهرة وأهمية شخصية الشريف سيدي أحمد إبن محمد إبن الطاهر، الذي تجمع حوله روايات كبار السن من عائلتي الوالد والوالدة، على أنه أول مل حل برأس كبدانية قادما إليها من زرهون.. ولعل هذا ما يفسرمخاطبة السلطان المولى الحسن الأول، في رسالة مخزنية مؤرخة ب27 يوليوز 1884، للقائد الشريف سيدي محمد إبن البشير ب: “خديمنا محمد إبن أحمد الكبداني”، بصفته قائدا لقبيلة كبدانة. راجع محمد أحميان(2015)،الطريق البحري للهجرة الريفية نحو الجزائر – خلال النصف الثاني من القرن 19 وبداية القرن 20،المجلة الجزائرية في الأنتروبولوجيا والعلوم الاجتماعية، 69-70، ص : 61/104. أنظر كذلك الهامش رقم 6 المرفق أعلاه،
(8) ظهر وسطع نجمه عام 1840، وتفيد المعطيات أنه عاصر بعضا من فترة حكم المولى سليمان، وكذا فترة حكم المولى الحسن الأول ما بين 1873 و و1894، ومما يؤكد هذا الطرح، رسالة مخزنية بعث بها إليه السلطان المولى الحسن الأول في 27 يوليوز 1884. أوردها الأستاذ المؤرخ سيدي محمد أونيا (2014)، في دراسة بعنوان:”رسائل مخزنية حول حركة الهجرة والتهريب بين سواحل الريف والجزائر سنة 1301هـ1884/م”، الريف وإشكالية التنمية، الرباط، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ص171/180. وقد استند عليها زميله سيدي محمد أحميان (2015) جاء فيها :”(…) خديمنا محمد بن أحمد الكبداني.. وبعد، فقد بلغ لشريف علمنا أن بابورات وردت من وهران حاملة للمسلمين الذين كانوا يخدمون بالوسطة ورامت إنزالهم بمرسي بني شكر وبنو بوغافر وبني سعيد فمنعتها العسة من ذلك وطردتها فطلعت مع الساحل لنواحي بادس. وعليه فنأمرك أن تكون على بال منها وتجعل العسة الكافية القوية بمراسي ايالتك وتضبط أمرها بجعل مقدمين عليها من أهل النجدة والفائدة والحزم المفيد …. إلخ . في 4 شوال عام 1301هـ “.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.