ذ. محمد جناي
الإدارة بمفهومها الحديث يتوجب النظر إليها باعتبارها وحدة متكاملة شاملة، تضم في عناصرها مختلف المداخل الفكرية، وأن التركيز في هذا المفهوم ينصب على كون الإدارة عملا ذهنيا، يسعى إلى الاستخدام الأمثل والأنجع لجميع الطاقات والإمكانات المتاحة في المنظمة، وذلك بأعلى كفاءة متاحة وأقل كلفة ممكنة، ويأتي الوقت ضمن هذه الإمكانات أو الموارد المتاحة، بحيث يفترض أن يستثمر بشكل فعال، حيث إن الوقت إن لم يتم استثماره الاستثمار الأمثل، فإن الكلفة معرضة للازدياد بدرجة كبيرة.
فعقيدة المسلم المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، تحثه دوما على الاهتمام بالوقت والحرص على اغتنامه والحذر من إضاعته، ذلك أن الإسلام يقرر مسؤولية المسلم عن حفظ وقته، وقد استشعر السلف هذه المسؤولية وعملوا بمقتضاها، كما يصفه لنا الحسن البصري رحمه الله بقوله: “أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره منه على دراهمه ودنانيره”،فالاهتمام بالوقت، وإعمال العقل في استثماره والاستفادة منه، مطلب مهم في حياة المسلم، وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله: “أعلى الفكر وأجلها وأنفعها ما كان لله والدار الآخرة، فما كان لله أنواع، وذكر منها: الفكرة في واجب الوقت ووظيفته، وجمع الهم- أي: الهمة – كله عليه، فالعارف ابن وقته، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت، وإن ضيعه لم يستدركه أبدا”.
إن الوقت يمثل أحد الموارد المهمة والنفيسة لكل إنسان في هذا العالم الكبير، وهو يعد أحد خمسة موارد أساسية في مجال الأعمال، هي: المواد، المعلومات، الأفراد، الموارد المادية، إضافة إلى الوقت الذي يعد أكثر هذه الموارد أهمية، فكلما استطاع الفرد أن يتحكم في وقته بمهارة وإيجابية استطاع عندها أن يستثمره في تحقيق أقصى عائد ممكن من الموارد الأخرى؛ حتى أصبح الوقت واحد من ضمن موضوعات علم الإدارة الحديث.
والوقت كواحد من موارد الإدارة الأساسية، إلا أنه يختلف عن بقيتها في عدم إمكانية تخزينه أو إحلاله، وفي كونه يتخلل كل جزء من أجزاء العملية الإدارية، ومن ثم فإن أهميته تكمن في أنه يؤثر -سلبا أو إيجابا-، في الطريقة التي تستخدم فيها الموارد الأخرى، وقد لخص بيتر دراكر (P.Drucker) هذا الاختلاف بقوله: “إن إدارة الوقت تعني إدارة الذات، لأن من لا يستطيع إدارة ذاته لا يستطيع بالتالي إدارة وقت الآخرين”.
وقد لاحظ دراكر أن “المديرين الفعالين لا يبدؤون بمباشرة مهماتهم، بل يبدؤون بالنظر في وقتهم، وهم لا يبدؤون بمباشرة التخطيط، بل يبدؤون بمعرفة فيم يصرف وقتهم فعلا، ثم إنهم يبذلون جهدهم للتقليل من الأعمال غير المثمرة التي تمثل عبئا على وقتهم”.
فالإدارة هي عمل ووقت ، يقترن أحدهما بالآخر، وما من عمل يؤدى إلا كان الزمن مترافقا معه، وما من حركة تؤدى إلا ضمن زمن محدد نمطي، هذا الوقت لا يكشف بالحواس وإنما يدرك بالعقول .
يقول دراكر: “الوقت هو أهم الموارد، فإذا لم تتم إدارته فلن يتم إدارة أي شيء آخر”، فالإدارة الجيدة للوقت مفيدة من جهة التوفير في تكاليف المشروع ، كما أنها مفيدة في حسن استخدام الموارد الأخرى للمنظمة أيضا، ولو أننا قمنا بتحليل عناصر الإنتاج (الموارد المالية، الآلات والمعدات، المواد الخام، الوقت، الموارد البشرية) للاحظنا أن عنصر الوقت هو العنصر الإنتاجي الوحيد الموزع بعدالة بين البشر بخلاف العناصر الإنتاجية الأخرى، فعلى الرغم من هذه الأهمية الكبرى للوقت، فإنه في واقع الحال يعد من أكثر العناصر أو الموارد هدرا ومن أقلها استثمارا، سواء من المنظمات أو من الأفراد العاديين.
وثمة تعريفات متعددة لإدارة الوقت، إذ يعرفها هلمر بأنها : “تحديد ووضع أولويات لأهدافنا، بحيث يمكننا تخصيص وقت أكبر للمهمات الأساسية ووقت أقل للمهمات التافهة”،بينما يعرفها عبد العزيز ملائكة بقوله: “هي تخطيط استخدام الوقت وأسلوب استغلال بفاعلية، لجعل حياتنا منتجة وذات منفعة أخروية ودنيوية لنا ولمن أمكن من حولنا، وبالذات من هم تحت رعايتنا”.
فإدارة الوقت هي الاستخدام الأمثل للوقت، وللإمكانات المتاحة، وذلك بطريقة تؤدي إلى تحقيق الأهداف، ولن يكون ذلك إلا من خلال الالتزام والتحليل والتخطيط والمتابعة من أجل الاستفادة من الوقت بشكل أفضل في المستقبل.
وصفوة القول، وهي أن نصوص القرآن الكريم كما السنة النبوية، والسيرة، وحياة الصحابة رضي الله عنهم، كل ذلك يكاد ألا يخلو من تطبيقات الإدارة، والتوجيه إلى حسن استغلال الموارد والقدرات والقوى البشرية، إضافة إلى التأكيد على التحلي بالصفات الحسنة؛ كالصبر والاجتهاد ومغالبة الهوى وضبط النفس والحث على العمل والتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقبة.
ـــــــــــــــــ
هوامش:
(1): إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري، تأليف د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي، منشورات شبكة موقع الألوكة.
(2):إدارة الوقت ، تأليف محمد بن فوزي الغامدي، الطبعة الأولى 2018 ، مكتبة الملك فهد الوطنية للنشر -الدمام- المملكة العربية السعودية.
Source : https://dinpresse.net/?p=18100
متتبع مغربيسنتين ago
ان ادارة أو تدبير الوقت هو من أساسيات النجاح في الحياة لكن هذه العملية التدبيرية هي في حد ذاتها تحتاج ميكانيزمات تدبيرية وتخطيطية تراعى فيها الكرامة الانسانية وعدم هدر الحقوق حتى لا نسقط في الاستغلال البشع للموارد البشرية وتحويل الانسان الى بضاعة _لها مدة صلاحية محدودة _ واغراقه في الفتن والضغوطات وتقديمه على طبق من ذهب للتوجه الامبريالي .
بالتوفيق ان شاء الله