الوباء وجفاف الإنتاج الفكري لدى مثقفينا!

دينبريس
دراسات وبحوث
دينبريس30 أكتوبر 2020آخر تحديث : الجمعة 30 أكتوبر 2020 - 1:14 مساءً
الوباء وجفاف الإنتاج الفكري لدى مثقفينا!

اعداد وكتابة ألفا دم، باحث في السوسيولوجيا ومهتم بالقضايا العقدية والفكرية
إن مما كشفه هذا الكوفيد 19، الذي ما زال منذ ظهوره يعرّي ثغرات المجتمعات ونقاط ضعفها، ويصحح رُؤى كانت مغلوطة على مختلف المستويات سواء على المستوى العلمي والتعليمي والاجتماعي والديني والسياسي لديها، وعلى مستوى مجال الفكر الذي ليس استثناء أبدا من هذه الضربة الوبائية الفاضحةـ حيث نجد الثقافة (مجال الفكر) عندنا، في ابتلاء صعب يعاني من خصاص وأزمة موضوعاتية ومن جفاف الإختراع والإبداع، إن الطاعون أثبت لنا كعادته منذ مجيئه المباغت في إعطائه دروسا غنية للشعوب، وخاصة تلك التي لم تتسلح مسبقا بالمعرفة، ولا كان البحث العلمي ولا التعليم العمومي فيها من أولوياتها الملحّة، فلقّننا من تلقيناته الصارمة ما مفاده بأن المثقفين مفلسون من المواضيع المهمة، وضائعون عن جادة رسالتهم التي وكلها إليهم العقلُ والتفكير الحر منذ فجر انبلاج المنطق في اليونان مع سقراط وأفلاطون.

ونلاحظ بأن اللايفات والكتابات في مواقع التواصل والمجلات الإلكترونية والجرائد اليومية، تتحدث عن شيء واحد؛ عن كورونا فحسب، حتى ليُتَخيل للمرء بأنه لا توجد لهذه الشعوب قضيةٌ اجتماعيةً كانت أم سياسيةً، تستحق الإهتمام وكتابةَ بضعةِ أسطر عنها، أو عملَ محاضرة إلكترونية حولها.. فكأن كل شيء لديهم على ما يرام وبحالة أفضل ما يكون، وأن كل ما ينغص هذه الرفاهية الأصيلة فيهم هو مجيء كورونا فقط.! ما يدعونا إلى طرح تساؤلات حول ماهية المثقف، ودوره بالخصوص في مثل هذه الظروف المأساوية؟ وما الفرق بين هذا الثلاثي (المثقف المفكر الفيلسوف) هل هم من طينة واحدة ولو تعددت الأسماء؟، أم أن ثمة علاقة عموم وخصوص من وجه بينهم؟ وهل من الضروري أن يكون المثقف مخلّصا أو حامل رسالة اجتماعية-سياسية ؟ وإذا كان هذا دور المثقف، فما هو دور المفكر أو الفيلسوف في مجتمعهما إذا ذهبنا إلى وجود الفرق بين الثلاثي ؟ وما هو دور كل واحد منهم على حدة ؟ هذا ما نعتزم معالجته في السطور التالية وسيكون تركيزنا على المثقف أكثر.

الغموض الذي يلف بكلمة المثقف
لدي اعتراض على الترجمة العربية لكلمة المثقف، فلماذا “مثقَّف” بفتح القاف على صيغة المفعول به، “مفعَّل”، مثل “مدرَّب” و “مزَوَّد”، وليس بكسر القاف على صيغة الفاعل(مُفعِّل) مثل “مفكِّر” و”معلِّم” و”عالم” و”خبير..؟ بحيث يكون هو المؤثر والفاعل، وليس بمستقبِل الفعل، ولا المفعول له أو عليه؟ فكأن الكلمة تحيل مباشرة على الايدولوجيا والتبعية، أي أننا أمام إنسان ليس سوى نتيجة ثانوية لما تم حشوه ـ إن صح التعبير ـ به في رأسه من معارف وقدرات، من قِبل جماعته التي ينتمي إليها، وليس أمام إنسان تقدمي ومتحرر والذي يبني ذاته وأفكاره بنفسه بشكل مستقل ! فهل يمكن القول بأن هذه الترجمة هي تبرير بنحو ما، لتأثر المثقف ـ في سياقنا العربي والإسلامي ـ بحمولة الإنتماء الجغرافي والفكري التي ما زالت تفعل وتؤثّر فيه، بينما المطلوب منه أساسا، هو أن يكون حرا ومستقلا بمعنى الكلمتين ؟

أولا من حيث الترجمة، قد أجازف بالقول بأن الترجمة العربية للكلمة هي ترجمة خاطئة، لأن المثقف يقابل في الفرنسية (être cultivé)، الذي يعني الإنسان الملم بجملة من المعلومات البسيطة عن مختلف المجالات المرتبطة بالحياة اليومية، وبأحداث العالم وتاريخه، والذي باستطاعته أن يناقش ويدخل في حوار مع كل شخص حول أي موضوع؛ في السياسة، في التاريخ، والفن وفي العلم والتيكنولوجيا..الخ، فالكلمة آتية من الثقافة أي ما اكتسبه الإنسان من محيطه من قدرات ومعتقدات ومعارف..

كما يعرفها الأنثروبولوجي التطوري الإنجليزي إدوار تايلور بقوله :إنها” الكل المركب الذي يتضمن المعارف والمعتقدات والفن والقانون والأخلاق والأعراف وجميع القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بصفته عضوا في المجتمع”(1) .وعلى هذا فسيكون من الخطأ المعيب نعتُ الإنسان الواعي المتعلم والناقد المتحرر، بذالك المفهوم الإيدولوجي الثانوي، لأنه بهذا المعنى، ما يزال في صفوف العوام، ومتأثرا ببيئته وبالحس المشترك الذي يتغذى منه مدركاتِه وقناعاتِه، ولا يزال يحمل عبء وحمولة السردية القبلية والجماعية، إنه منتوج مجلي بحت، بينما المطلوب من الإنسان المتعلم هو أن يكون متحررا من كل أشكال الثقافة والسرديات اليومية، حتى يستطيع تحرير جماعته وينهض بهم نحو الوعي والتقدم الفكري والمادي وليس أن يكون نسخة حية منهم.

وبالتالي فهذا المعنى بعيد عن مفهوم كلمة: (Intellectuel) الذي يحيل عندالغرب على الذكاء والوعي، والفهم الدقيق للتاريخ، وعلى فهم الإنسان لقضايا العالم المعاصر عموما، ولقضايا مجتمعه خصوصا. فيجب علينا كموضوعيين، أن نميز بين هذا الأخير الذي يعني لو ترجمناه للعربية “إنسان المعرفة” أو “المدرِك” أو “النابغة”.. ـ دون حصر ـ، وبين مصطلح المثقف cultivé الذي يعني اكتساب المعلومات في شتى المجالات بشكل غير معمق، كما سنوضح ذالك أكثر فيما يلي:

تعريف المثقف اصطلاحا وعمليا
المثقف اصطلاحا
يعرّف علي شريعتي عالم الإجتماع الإيراني الكلمةَ بقوله : “المثقف كلمة تطلق على فرد من طبقة أو شريحة معية تقوم بعمل عقلي.(2) ويعد منهم: المعلمون وأساتذة الجامعة والمحامون والقضاة والسياسيون وقادة الأحزاب والصحفيون والمترجمون والكتاب والشعراء والرسامون النحاتون والفنانون والموظفون الإداريون والمهندسون والأطباء.. ورجال الدين، ..والفلاسفة والمؤرخون هؤلاء جميعا هم المثقفون”(3).

إذن فالمثقف بهذا المعنى هو الشخص الذي يسعى لتغذية ذهنه بالمعلومات الضرورية وغير الضرورية إما بدافع مشروع نفعي شخصي أو عام ، وإما لمحض ترف ومتعة فكرية كما هو الحال بالنسبة للناس ذوي الفضول المعرفية، وللطبقة البرجوازية الصغيرة، حيث ان من سماتها البارزة الهوسُ بقراءة الجرائد والكتب التنموية والسياسية والفنية وأحيانا بكتب أنواع الطبخ، ولهم دراية بالسينيما ويعرفون أعمال كبار الرسامين العالميين في التاريخ، وأسماء جل عواصم بلدان العالم..

ولهم أحكام وكلام وتأكيدات حول كل صغيرة وكبرة في كل المواضيع، فهذا ـ كما سبق وقلنا ـ هو المعنيّ بعبارة (être cultivé، أن تكون مثقفا)؛ ومن هنا يمكننا ربط الثقافة بنظام الرأسمالية الذي أدى بنا إلى ظاهرة السيولة المعرفية التي نعاينها في العالم عبر المواقع التواصل الإجتماعية والنت، ولكنها معرفة مزيفة، لا يمكن أن تخلق باحثا ومفكرا متمرسا، بمقدوره تقديم قراءات موضوعية رائدة عن الواقع الإجتماعي أو السياسي الراهن، فما بالك باقتراح حلول ناجعة له، لذالك سبق أن حذر نيتشه من هذا النوع من المثقف، واعتبره نتيجةَ تربيةِ الثقافة التاريخية، التي لا تنتج البتة مثقفا (مفكرا) حرا، وأنه “هو البورجوازي الصغير صاحب الثقافة التاريخية الجمالية المتهاوية.

إنه الثرثار الكبير حول موضوعات الدولة والكنيسة والفن، إنه جهاز استشعار لآلاف الأحاسيس، وهو معدة لا تشبع ولا تعرف شيئا عن الجوع والعطش الحقيقيين”(4). والشيء ذاته هو ما سيدفع جيل دلوز لأن يبدي توجسه الشديد حيال هذا الشكل من الثقافة، حين قال مجيبا على سؤال طالبته Claire Parnet، التي استغربت من نفي أستاذه كونَه مثقفا: “أنا لا أَجدني إطلاقا مثل مثقف، ولا أعتبرني مثل شخص مثقف، لسبب بسيط؛ لأنه عندما أرى شخصًا مثقفًا أشعر بالفزع.. أنا مفزوع من شخص مثقف… إنه يعلم كل شيء!”(5).

المثقف عمليا
المثقف عمليا هو نفسه المثقف الإصطلاحي وقد تبنى أيدولوجيا معية، وصار مهموما بشؤون المواطنين وبإيصال رسالة تنويرية إلى أمته أو مجتمعه، ويكون صوت من لا صوت لهم، ومنافحا عن حقوق المواطن العادي، فلنقل هو “المصلح” الذي يستلم مهام التوعية والارشاد في حدود الوطن أو المنطقة ، وبعبارة أكثر تحديدا: “المثقف هو الشخص الذي يشتغل بمجال الفكر ينتج الأفكار ويتأثر بها، يحللها ينتقدها ويعدلها”(6).

فالمثقف بهذا المعنى هو مندوب إما من طرف نفسه بشكل تطوعي يدفعه إحساس عميق بالمسؤولية تجاه مجتمعه بوجه خاص وتجاه العالم ـ إذا تحدثنا عن المثقف الكلياني ـ ككل بوجه عام، وإما أنه مندوب من طرف قومه وجماعته ليدافع عن قيم إنسانية، ومبادئ ومُثل كونية، وينتج أفكارا تقدمية تخدم المصلحة العامة. وبهذا التعريف الجامع المانع يظهر لنا بجلاء ذالك الفرق الموجود بين المثقف عمليا، والمثقف اصطلاحا؛ لأنه، إذا كان هذا الأخير قد يصدق على كل الناس، على أي إنسان يستخدم خاصيةَ العقل الحسابي في مختلف مواقفه وحياته اليومية؛ فإن الأول لا يكون مثقفا إلا إذا أضاف إلى ذالك القيامَ بأنشطة عقلية وعملية مركزة ومنظمة لأجل صالح الخير العام، ويكون مستعدا لإفادة مجتمعه بشكل عيني، ومتفانيا في نجاح رسالته الإنسانية في موطنه، وهذا ما لخصه أونطنيو غرامشي بقوله : “إن كل الناس مثقفون ولكن ليس لكل إنسان وظيفة المثقف في المجتمع”(7).

قيمته في المجتمع
لطالما كانت شخصية المثقف منذ فجر تاريخ الفكر الإنساني محل احترام وإجلال من لدن العوام والرعايا(الرؤساء) والرعية معا، لما تتمتع به من قيمة رمزية ومادية داخل مجتمعاتها، بوصفها شخصية تتميز بسعة الرؤية ودقة النظر وقوة الحدس وبالقيام بمهمات هي عقلية بحتة ومعرفية عملية تدعو إلى الإعجاب والإنذهال بها، لذالك تم تبجيل العلماء والشعراء والخطباء والحكماء في كل مكان على ممر العصور، لكونهم أعمدة الأمم التي عليها يستقيم قوامُها ووجودُها التاريخي، وهم حاملوا تراثها المادي والرمزي ومنتجوا الحضارات ومجددوها.

ذالك “إن المثقف يعتمد في نشاطه على أسمى ما يميز الإنسان أي العقل، لذالك فإن ما ينتجه المثقف من قيم فكرية أخلاقية يمثل قيمة أسمى من أي منتوج مادي آخر، وليس صدفة أن اليونان خاصة الفيتاغوريين وَسَموا مَن يزاولون النشاط الذهني بـ”أنصاف الآلهة” وتستأنف الدلالة اللغوية اللاتينية تأكيد هذه الخاصية المميزة لشخص المثقف؛ ذالك أن اللفظ الفرنسي (intellectuel) مشتق من الكلمة اللاتينية (intelligo) التي تعني الفهم بوصفه خاصية مميزة للإنسان، بهذا، فإن مصطلح المثقف يقوم بوظيفة تصنيفية تميز بعض الناس عن غيرهم أي تميز خاصة الناس عن عمومهم وبتعبير اليونان تميز بين ‘أصناف الآلهة’ عن بقية البشر”(8)

وظيفة المثقف الرئيسية
تتجلى وظيفة المثقف العملي في القيام بأنشطة عقلية تنتج عنها قيم اجتماعية محلية وكونية تساعد في إصلاح شروط الوجود الإنساني المادية والمعنوية ، ف “تعبّر وظيفةُ المثقف عن تقسيم اجتماعي للوظائف يميز بين الوظيفة العملية المباشرة المنتجة لقيم مادية مستندة في ذالك إلى قوة عضلية أو آلية تقنية ثم الوظيفة غير المباشرة المنتجة للأفكار والايدولوجيات والمعتقدات أي المنتجة لقيم ذهنية معنوية مستندة إلى القوة العقلية (9).هذا، ويحصر المفكر الفرنسي فرانسوا دوس (François Dosse)المتخصص في “التاريخ الفكري” histoire intellectuelle، دور المثقف في ثلاثة أشكال من الأدوار:

– الشكل الأول: شخص يضع قدراته ـ بشكل تطوعي ـ في خدمة المدينة ، السياسة، الشرطة، وفي خدمة المواطنين، ففي هذا السياق، عندنا ذاك التعريف الذي يعطيه كل من دلوز وفوكو للمثقف الخصوصي.
– الشكل الثاني: هو نفاذه إلى عمق تلك القطيعة التي أصبحت دراماتية بالنسبة لديموقراطيتنا(في السياق الفرنسي) الموجودة في مجال الرؤية والتبصر؛ بين الخبراء والمواطنين..أي بين المؤسسات الحكومية وبين المواطنين.. والوحيد الذي يستطيع جعلهما متقاربين اليوم هم المثقفون.
– الشكل الثالث: هو ذاك السلوك الذي هو بوروميتيوسي (Prométhoéenne) نوعا ما؛ والذي هو إعادة فتح المستقبل؛ بمعنى أننا نتوقع منهم ـ المثقفين ـ بوجه ما (فضلا عن الإيدولوجيا وعن الإيتوبيا العينية..) أن يعيدوا فتح آفاق التفاهم ، آفاق الأمل الذي لم يعد موجودا(10).

المثقف واليسار
ظلت كلمة المثقف مرتبطة باليسار سواء في مرحلته الماركسية الكلاسكية مع ماركس وإنجلز، أو في مرحلة اليسار التقدمي الثوري، في النصف الثاني من القرن العشرين، مع أمثال سارتر، وتشي جيفارا، وفرانك فانون..، هكذا أصبح من شبه المحال أن يكون المرء مثقفا دون أن يكون حاضرا وفاعلا في حراكات الجماهير ومظاهراتها ونشيطا داخل النضال الجماعي والثوري. في هذا السياق تظهر أهمية المثقف الأساسية عند أونطونيو غرامشي الذي يقدمه كلبنة ودعامة رئيسية في إنجاج الثورة، اعتبارا منه بأن المد الرأسمالي لا يمكن مقاومته بالسياسة الإقتصادية البوروليتارية البحتة، وأنه لأجل القضاء على الرأسمالية لا بد من الإشتغال على الثقافة المضادة لها، لتحرير المجتمع من تلك الثقافة البورجوازية، فيرى: “بأن الثورة لا تتم وفقا لتحويل مادي ثوري لنظام الملكية وبذالك فهي ليست مفعولا ضروريا لتولد حتمي لأنماط الإنتاج المادي بل إن الثورة فعل تنظيمي يلعب فيه المثقف الدور الأساس.

إن أهمية المثقف عنده تستمد من أن الإنتقال الثوري لا يتحقق عبر الهيمنة المادية بل من خلال الهيمنة الثقافية الرمزية… ويميز بين نوعين من المثقفين استنادا إلى نوع الكتل الإجتماعية؛ فهناك من جهة المثقف العضوي المرتبط عضويا والمعبر رسميا عن الكتل الإجتماعية الناهضة ذات المشروع الحداثي التحرري. هذا في مقابل المثقف التقليدي الذي يقصد به غرامشي مثقف الكتل الإجتماعية التي على أهبة الأفول، وكان يقصد بهم من الناحية التاريخية أساقفة الكنيسة الكاثوليكيين المعبرين عن الموقف الثقافي والسياسي لكبار القطاع. فما يميز المثقف التقليدي هو استثماره للدين ولأشكال الثقافة السابقة على المعرفة العلمية في خضم صراعه الإجتماعي من أجل الهيمنة الرمزية (11).

كما يرفض جان بول سارتر الذي تم اعتباره النموذج المثالي للمثقف في القرن العشرين وإلى حدود اليوم، أيَّ ترسيم للمثقف وأي ارتباط له بأية سلطة مهما كانت طبيعتها، لاقتناعه بمبدأ مفاده “أن المثقف موقف وليس مهنة”، كما رأى “بأن المثقف لا يمكن أن يكون إلا يساريا مجابها لمعسكري السلطة(الدولة) والرأسمالية، وبالتالي “إن سارتر لا يتعذر عليه ـ فقط ـ تصور مثقف موال للسلطة بل يرفض أن يكون المثقف غير مبال بقضايا الظلم والتهميش الإجتماعي، فالمثقف ملزم بأن يكون ملتزما، هذا بقدر ما إن الإنسان عموما ملزم بأن يكون حرا”(12) .
إن المهمة المنوطة بالمثقف هي الكفاح الفكري والعملي اليومي من أجل تغيير الوضعية الإجتماعية المولدة للفوارق الإجتماعية ولكل أشكال القهر والتهميش كما أن مهمته هي تغيير مفهوم الإنسان عن نفسه : الإنسان ـ أساسا ـ حر. إن اختيار الحرية هو الإختيار الإنساني الممكن الذي على المثقف الالتزام به إذ ليس في وسع المثقف أن يكون كذالك وأن يختار بأن لا يختار. إن المثقف في نطر سارتر هو ذاك الذي يختار الحرية لنفسه وللآخرين.

وأن يختار ذالك يعني أن يلتزم به، وليس من الضروري لكي يقوم بذالك أن ينتسب الى هذا الحزب أو ذاك. كما أن سارتر يخشى على المثقف من السياسي؛ ففي حين يسعى الأول إلى ترسيخ القيم الكونية والعمل وفقا لها يستهف الثاني تحقيق أهداف آنية مرتبطة بالحيثيات السياسية الراهنة، لذالك ما يفتأ المثقف يجد نفسه معارضا للسياسي ومواجها له. إن موقف سارتر يجد صداه عند أعلام من بني عصره، فها هو ألبير كامو، هو الآخر، لا يرى أية مهمة للمثقف غير الدفاع ضد الظلم ولا يمكن أن يكون المثقف شاعرا أو أديبا أو رساما دون أن يناهض الظلم ويرسخ قيم العدل. فالمثقف بالمنظور اليساري هو وظيفي وهو مصلح ويمثل دعامة أساسية في تغيير الوضع البشري نحو الأفضل ونحو سياسة مثالية تضمن المساوات والرفاهية للمجتمعات والمواطنين ككل (13).
ميشيل فوكو في نقد المثقف الكلياني

رغم أن فوكو كان جنبا إلى جنب مع سارتر في معارك نقابية وسياسية عدة خلال الستينات، إلا أنه لم يكن ليوافق على كم المديح والإطراء الذي حُظي به المثقف؛ ففي خضم تعقبه لأشكال السلطة المجهرية أدرك فوكو ميكانيزمات سلطة المثقف: كيف تتولد السلطة؟ وكيف تمارس؟ فانصب نقده على المثقف اليساري الذي يستمد سلطته من ادعائه امتلاكَ الحقيقة؛ حقيقة التاريخ والإنسان والمستقبل، نبي عصره الذي هو ضمير البشرية، ويتستر على سلطته غير المرئية من خلال الإغراق في العموميات، إنه يوجه الأنظار إلى السلطات الماكروسكوبية (Macroscopique)، ويحصر الصراع في ثنائيات الدولة: الدولة/المجتمع/البورجوازية/البوليتارية. يقوم بذالك لتحريف الأنظار عن السلطة المجهرية التي يتمتع بها.

إذن “بدل المثقف الكوني بهذا المعنى يقترح فوكو مفهوم المثقف المتخصص الذي يتواجد فعليا ويحارب بشكل ملموس على جبهات محددة تتخطى الطبقات والكتل الإجتماعية الكبرى يتعلق الامر بمجالات مجهرية منسية يمارس فيها الإقصاء والتهميش: المستشفى السجن السكن جهاز العدالة”(14) . وبيار بورديو Pierre Bourdieu من جهته يستعير مفهوم المثقف المتخصص من فوكو ويعدّ أنه على جملة المتخصصين أن يشكلوا جبهة تكون بمثابة مثقف جماعي مهمته مواجهة الإيدولوجيا الليبرالية الجديدة كما تقدمها جماعات الخبراء والتقنيين الليبراليين. كما دعا المثقف لأن يمارس سياسة خلاقة تفضح مواقع التهميش وتنقض الهيمنة الرمزية التي تستند الى التقدم العلمي والتقني الهائل، كما يدعوه إلى ممارسة سياسة خلاقة.

هكذا نجد أن المثقف بمنظور التحليل الجيناولوجي Généalogique لفوكو، هو الوجه الآخر للسلطة والدولة، وأن ما يقوم به لا يعدو كونَه إلهاء العوام والرأي العام عن أهم قضاياهم الأساسية في شروط وجودهم الإنساني التي تتجلىمبدئيا في شعورهم بالرضا النفسي، وتحقيق ذواتهم عبر نشاطهم اليومي والإقتصادي المتواضع، ولكن هذا المثقف يحقق ذاته على حساب المواطنين عبر مبالغاته في إلقاء الخطابات الرنانة والعزف على وتيرة النقاشات الديالكتيكية ، وإثارة الهرج الفارغ..حول مواضيع هي سياسية بحتة، لكي يُحظى بوسام “ممثل الجماعة أو الشعب، المنقذ” ويحس بمتعة الظهور في مظهر البطولية (L’héroïsme) ويحصل بذالك على امتلاء نفسي ومكانة اجتماعية وسياسية سامية، فمن هنا ارتبط المثقف بمصطلح الفوضوي (L’anarchiste)، لذا لم يتورع نيتشه عن نعت المثقف الماركسي به حين قال: “من الذين أمقتهم أشد ما أمقت من بين رعاع اليوم !؛ الرعاع الإشتراكي ودعاة الشاندالا الذين يخربون غريزة ومتعة العامل وشعوره بالرضا بوجوده المتواضع، الذين يجعلونه حسودا ويعلمونه الحقد.. إن الحيف لا يكمن بحق في عدم تساوي الحقوق بل في المطالبة بمساواة الحقوق، أي شيء يعدّ سيئا ؟ لكنني قد قلت ذالك من قبل : كل ما يتأتى من الضعف ومن الحسد ومن الإنتقام، إن الفوضوي والمسيحي من أصل واحد!”(15) .

مما سبق نستنبط
أن المثقف مدعو لأن يكون حاضرا في القضايا الراهنة لأمته بشكل حيوي، وأن مهمته لا تنقضي أبدا ولا تتوقف، ولا هي مرهونة بظروف أو بوضع معين، طالما أنها مرتبطة بدينامية شروط الوجود الإنسانية ومتطلباتها المترامية الأبعاد واللامحدودة اجتماعيا وسياسيا وفكريا وثقافيا، فالمثقف موجود بوجود المجتمع وليس العكس أي يمكن أن يكون لدينا مجتمع بدون مثقف، ولكنه بالتأكيد لن يكون مجتمعا متطورا ومتقدما، فهو لذالك بحاجة ماسة – على الأقل – إلى المثقف الخصوصي (الجماعي) الواعي الذي يساهم على جعله مجتمعا راقيا ومزدهرا في كافة الأصعدة والمجالات، ومن ثَمّ وجب عليه أن يكون دائما على استعداد، بل أن يستبق القضايا بالتفكير والتنظير حولها بشكل قبلي، ولا ينتظرها حتى تداهمه فجأة، بل يجب أن يُعنى بظروف جماعته الراهنة والمستقبلية معا، ليبقى جديرا بمنصبه الإجتماعي الإنساني الذي انتدب له بشكل تطوعي، مقدما إياه على أية مصلحة أخرى شخصية كانت أم حزبية.

كما يقول إدوارد سعيد في هذا السياق مشددا على أخلاقيات المثقف ومحددا لصفاته الجوهرية: “وما سعيت الى اقتراحه هو وجوب بقاء المثقف أمينا لمعايير الحق الخاصة بالبؤس الإنساني والإضطهاد. رغم انتسابه الحزبي وخلفيته القومية وولائاته الفطرية، ولا يشوه الأداءَ العلني للمثقف أكثر من تغير الآراء تبعا للظروف والتزام الصمت الحذِر والتبجح الوطني والردة المتأخرة التي تصور نفسها بأسلوب مسرحي” (16، هكذا ندرك بأن أول شرط المثقف هو الدفاع عن قيم إنسانية والمساهمة في تحسين الوضع البشري في أي مكان على حسب قدراته والعقلية والفيزيقية .

تعريف المفكر والفيلسوف
بعد تعرفنا على وجوه المثقف المتنوعة، يحق لنا الآن أن نرسم حدود الإختلاف بينه وبين المفكر والفيلسوف، ثم التمييز بين هذين الأخيرين، حتى يتسنى لنا كشف طبيعة كل واحد منهم وتحديد موضوع اشتغاله.

المفكر: هو الشخص الذي ينتج أفكارا علمية ومعرفية، ويهتم بقضايا ومسائل هي بالأساس ابيستيمولوجية ومعرفية أكثر من أنها براغماتية عملية..إنه منظّر الواقع ومترصده، ويجرده بشكل موضوعي، يقول علي شريعتي : “أن المفكر بمعناه الإصطلاحي صفة لفكر إنسان ما، أما المثقف فهي صفة لعمل إنسان ما”(17)، كما ميز المثقفَ عن المفكر بأن “المفكر صفة تطلق في مجال آخر. بينما المثقف ببساطة يعني ذالك الذي يتميز بوضوح الرؤية وسعة الأفق “(18) .إذن فمهمة المفكر هو إنتاج الأفكار ذات طابع إبستيمولوجي يأخذ منحى النقد والتحليل والإستنباط .

الفيلسوف: هو الشخص الذي يبحث في علل الأولى للمسائل الوجودية معتمدا على العقل البرهاني، وأما دوره فينحصر في موضوع اهتمام الفلسفة الذي يرتكز على هذه المباحث الكيلة الكبرى الثلاث “مبحث الوجود، الأونطولوجيا، ومبحث المعرفة، (الإبستيمولوجيا) ومبحث القيم (الأخلاق)”. أو لنقلْ، إنه الذي يبحث فيما تمّ الإعتقاد بأنه صحيح ومسلم به، ولا يمكن التشكيك ولا اللإرتياب فيه، وأنه بدون أية ثغرة ولا خلل، فينصب اهتمام الفيلسوف على فضح وضرب هذه القناعة الهشة بمطرقة العقل النقدي والتوليدي عبر استخدام أدوات ومناهج عقلانية في التفكير والتحليل والإستنتاج. من هنا يمكننا طرح السؤال الأساسي في بحثنا هذا : هل المفكر أو الفيلسوف هو مثقف بالضرورة ؟ أو يمكن أن لا يكونه بأي وجه ؟

الجواب: إذا أخذنا بمفهوم المثقف الإصطلاحي سوف نتفق بدون شطط على أن كلا من المفكر والفيلسوف هو مثقف بالدرجة الأولى، طالما أنه شخص يمتلك كمّا من المعلومات عن مختلف المجالات سواء علمية وأدبية وفنية.. ولكن ما يميز بين هذين عن المثقف، هو أن المفكر قد يكون مثقفا اصطلاحيا وعمليا، ولكن ليس كل مثقف هو مفكر بالضرورة. في حين أن الفيلسوف لا يكون مثقفا أبدا، أو لا ينبغي أن يظهر في ثوب المثقف اطلاقا، لكونه متجاوزا لمرحلة الثقافة والفكر معا، ذالك لأن الفلسفة تفكير عقلاني نسقي نخبوي ليس متاحا لأي واحد، فإذا كان المثقف هو من يشتغل ضمن سياقات المَعْيرة و’النفعية’، أي حول مقولة: “ما ينبغي، أو ما الذي يجب أن يكون؟ في موضوعي السياسة والإجتماع” وكان المفكر ـ زيادة على ذالك ـ هو من يشتغل في حقل الأفكار معتمدا على الإيدولوجيا لكي يفجر منها نسقا فكريا يكون على المجتمع المعرفي والسياسي ـ الإجتماعي المعاصر أن يتبعه كحل ناجع؛ فإن الفيلسوف يختلف عنهما بأنه الذي ينظر ويعيد التأمل حول ما تم التسليم به من طرف كل من المثقف والمفكر معا، بأنه صحيح وصواب مطلق وعملي بالنسبة لصالح العام.

فالفيلسوف ليس بطبيعته بنّاء بقدر ما هو هادم للمُثل والقناعات الموجودة والراسخة لدى العوام والسواد الأعظم، فعلى مر التاريخ البشري، ما فتئ الفيلسوف يمثل مصدر إزعاج واستفزاز للجماهير وقادة السياسات وأصحاب القرارات، ومهددا لكل أنواع السرديات الدينية والثقافية.. بهذا المعنى يمنكننا وصف الفيلسوف بأنه سلبي عدمي، باعتباره طالب ثغرات واختلالات في الأنظمة العلمية والفكرية والثقافية والسياسية واللاهوتيةوجميع أشكال الإنتاج الإنسي العقلية والوجدانية، وفي نظام الكون ككل، بدون أن يتصدى مع ذالك، لأي محاولة للظهور في مظهر المصلح أو المنقذ ، لأنه شكاك ومتسائل باستمرار، وليس وثوقيا ولا دوغمائيا .

غير أن هذا، لا يعني منا القولُ بأن الفيلسوف، ليس له أي دور أو تأثير إيجابي في تغير وتطور المجتمعات عينيا أبدا، بل لم يحدث أي تقدم لحضارة ما أوتطور علمي في ثقافة ما، إلا بفضل الفلاسفة ومجهوداتهم الفكرية المتراكمة زمنيا وكميا، بيد أن ظهور بذور أعمالهم بحاجة إلى الوقت الكافي، الفيلسوف يحتاج إلى وقت ومُهلة وإلى تفرّغ وتأنّ تام حتى ينتج ويتجسد جهده واقعيا، لأن تفكيره ليس وظيفيا ولا يوميا آنيا، مثلما يفعل الخبير والمُختصّ..أو المدرب(الكوتش) في مجال التسويق في إعطاء الحلول السحرية اللامعة المحددة قبليا في ظرفيات وفترات جد قصيرة. بل إن عمله تراكمي وذو طابع كوني وكلياني، حيث أن شغله الشاغل هو أنيقارب المنطقَLe bon sens الذي هو قاسم مشترك عالمي بين جميع البشر حسب فيلسوف الأنوار، ديكارت.

لذالك من الغريب أن يتم الخلط بين الثلاثي؛ المثقف والمفكر والفيلسوف، لإن الثقافة معرفة مزيفة، والمثقف هو الإنسان الوصي على الناس، أي نبي ما بعد النبوة، ومن هنا كان متعصبا، صاحب دوغما، حيث يعتبر نفسه مخلصا، ويرى المجتمع الذي ينتمي إليه كتلة متنقلة من الخطايا المادية والبنيوية، بينما هو وحده القديس المطهر من كل ذالك التلوث الفكري والإجتماعي الذي يتنفس في بؤرته منذ نعومته أظافره، إنه وثوقي بامتياز. وعلى حد تحديد علي شريعتي لمعايير المثقف نجد أن المثقف عنده مرادف للمصلح القوموي الإيدولوجي، كونُه يجب أن يعيش ويمتلك نفس أفكار مجتمعه ومتشبعا بثقافته، لكي يبعث بالتراث المحلي ويعلي من قيمته، ويعمل على توفيقه مع روح العصر، بل وصل به الأمر للقول بأن المثقف يجب أن يكون مثل الأنبياء وأصحاب المذاهب الأربعة، وأنه بحاجة إلى الدين كما أن الجماهير هم بحاجة إلى الوعي. فالمثقف بهذا المعنى يختلف تماما عن المفكر والفيلسوف ؛ لأن المفكر – كما قلنا – هو الشخص الذي يشظب من خلال تأملاته وكتاباته ما منع عنه سياسيا واجتماعيا، كما يقول عادل حدجامي : “المفكر عندنا هو الذي يفجر في الثقافة ما مُنع منه سياسيا”(19).

والفيلسوف هو الآخر بعيد جدا عن هذين حيث إنه الذي يحاول العيش خارج ‘أحكام الخير والشر’ وأنه ضد الثقافة باعتبارها العدوّة الأولى للتفكير الحر، إنه إنسان هامشي، يعيش على هامش المجتمع والثقافة، فإذا كان المثقف يقدم نفسهعلى أنه نبي المجتمع ومخلصه المنتظر بشدة، فإن الفيلسوف أبعد الناس عن فكرة المخلص والبطل القومي أو الأممي، يقول نيتشه: “إن آخر ما يخطر لي أن أعد به هو “إصلاح” البشرية” (20)، الفيلسوف يفقد صلاحيته وماهيته الفلسفية حينما يصبح إيدولوجيا أو حزبيا أو مصلحا ذا انتماء متماهٍ مع أي توظيف مؤسساتي محدد اجتماعيا أو سياسيا وحتى فكريا، لذالك الفلاسفةُ لم يقتربوا أبدا من السلطة، بل عاشوا حياتهم متنازلين عن ألق الأضواء وضجيج المدينة، “لقد عاش جيدا ذاك الذي اختبأ جيدا”يقول ديكارت، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا، بأن جميع الفلاسفة الذين ارتموا بأنفسهم في أحضان الإيدولوجيا والسياسة وقدموا أنفسهم كمصلحين بالمعنى الأخلاقوي،تشوهت أعمالهم وسمعتهم العلمية وإنتاجهم المعرفي بشكل مريع، وهذا يكاد يكون قاعدة شاملة طوال تاريخ الفلسفة، يمكن أخذُ هايدغير، وجان بول سارتر كمثالين حيّين لذالك، أو حتى أفلاطون صاحب ‘الجمهورية’، وكانط في النسخة الدوغمائية المتعصبة للقانون الأخلاقي، والذي لم يخلُ أعماله من العنصرية والميز العرقي والجنسي. ما يعني في النهاية أن الفيلسوف عكس المثقف تماما، الذي يجب أن يكون عضويا وملتزما ومنيميا وحاضرا دوما.. ولعل هذا الطبع العصيّ الموجود في الفيلسوف هو ما جعل، وما زال يجعل حلمَ أفلاطون في أن يكون لدينا “حاكم فيلسوف، أو فيلسوف حاكم” حتى يستقيم شأنُ الدولة والمواطنين، حُلما بعيد المنال وشبهَ مستحيل .

فإذا أدركنا هذا الفرق الجوهري بين المثقف والمفكر والفيلسوف بشكل موضوعي، انساغ لنا الآن طرحُ هذا السؤال الغائي: هل نحن ـ في سياقنا العربي الإسلامي ـ لدينا مثقفون، مثقفات، أو مفكرون، مفكرات، وفلاسفة بالمعنى الصحيح للكلمات، الذين هم واعون بأدوارهم الهامة والحساسة في العمل على دفع عجلة تطور مجتمعاتهم في كافة الميادين، كل من زاويته العملية المعينة، ومجاله المعرفي الخاص؟ أم أن كل ما لدينا هو مدوّنون وناشطون في الفضاءات الإلكترونية المجانية، ومهرجون ـ إذا جاز التعبير ـ داخل مواقع التواصل الإجتماعي فحسب، بدل الميدان والواقع الإجتماعي الجدير بالدرس والرصد بشكل تجريبي، والذين يصكون أسماعنا ويضبضبون أبصارنا بمواضيع مستهلكة وسطحية متكررة.. بديهية، ناسين أو غير مدركين للقضايا الجذرية الكبرى التي تهم المواطنين والشعوب، في الإجتماع والسياسة وفي ميدان الفكر والمعرفة العلمية، التي مجتمعاتنا بحاجة إليها، هذه الشعوب التي لم تستطع لحد اليوم الولوجَ في الحداثة من بابها الواسع، لعدم فهمهم لها فهما دقيقا، ولسسب موقفهم المتوجس والمتبلد تجاهها.. الشيء الذي من المفروض أن يكون موضوع اشتغال المثقف، المفكر، الفيلسوف، الأوّلي الرئيسي، وأهم نقطة يركّز عليها بكل طاقاته الذهنية والعضوية، لو كان فعلا مدركا للقضية الإنسانية الكبرى، ولواجبه الأخلاقي في عصرنا هذا المضطرب كثيرا ؟
ــــــــــــــــــــــ
المراجع والمصادر:
(1) – Primitive Culture: Researches Into the Development of Mythology, Philosophy, Religion, Language, Art, and Custom, 2 vols, London, J.murray 1871, p, 1 .
(2) ـ علي شريعتي، مسؤولية المثقف، ترجمة إبراهيم الدسوقي شتا، الطبعة الثانية 2007، دار الأمير للثقافة والعلوم، بيروت-لبنان،ص 50
(3) ـ المصدر السابق، ص 51
(4) – نيتشه فيردريك، محاسن التاريخ ومساويه، ترجمة، رشيد بوطيب، الطبعة الأولى 2019 منتدى العلاقات العربية والدولية، الدوحة-قطر، ص 88.
(5)ـ جيل دلوز في برنامج وثائقي بعنوان L’Abécédaire de Gilles Deleuzeمع Claire Parnet : https://youtu.be/D9s4ub2tjLA ، النص الفرنسي :Je me vis pas du tout comme un intellectuel, et je me vis pas comme quelqu’un cultivé pour une raison simple; ce que quand je vois quelqu’un cultivé je suis effaré… je suis effaré quelqu’un de cultivé!
(6) ـ موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفية، مؤلف جماعي،الطبعة الأولى 2017، منشورات المتوسط، ميلانو-إيطاليا، ص 422
(7)ـ غرامشي أونطونيو، دفاتر السجن، ترجمة عادل غنيم، الطبعة 1994، دار المستقبل العربي القاهرة-مصر، ص 25 .
(8) – مسؤولية المثقف، م س ، ص 423 .
(9) ـ موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفية، م س، ص 423
(10)ـ فرانسوا دوس، انظر : https://www.franceculture.fr/societe/les-trois-roles-de-lintellectuel-par-francois-dosse
(11) ـ موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفية م.س، ص 426
(12) ـ موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفية م س، ص 425
(13)ـ م س ، 424-425
(14) ـ ن س م ، ن ص .
(15) ـ فيردريك نيتشه، نقيض المسيح، ترجمة علي مصباح، الطبعة الأولى ،2011 ، منشورات الجمل بيروت-بغداد، ص 134
(16) ـ إدوارد سعيد، صور المثقف، ترجمة غسان غصن، الطبعة الأولى 1996، دار النهار، ص 14
(17) ـ مسؤولية المثقف، م س، ص 53
(18)ـ م س، ص 51
(19)ـ عادل حدجامي، في ندوة فكريية حول”الدولة المدنية بين التحديث السياسي والتحديث الثقافي”، بفندق إبيس، الرباط، 06 ديسمبر 2019 .
(20)ـ فيردريك نيتشه، هذا هو الإنسان، ترجمة علي مصباج، الطبعة الأولى 2003 منشورات الجمل، ص 8 .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.