عبد الحميد بولمان
لقد فرض عصر التواصل الرقمي على المجتمعات عيشة رقمية وتواجدا في المواقع التواصلية بكل أشكالها وألوانها، ما دعى المصلحين والمثقفين والمربين الى التواجد في هذه المواقع، وتوجيه خطاباتهم واصلاحاتهم الى الجمهور المتموقع في الحسابات المختلفة والمتنوعة مابين يوتوب وفيسوبك ووتساب وتويتر وغيرها من وسائل النشر والتواصل، رجاء منهم في التغيير وإصلاح مافسد وتهذيب ماصلح، وهذا التواجد للفئة المصلحة في المواقع هو في خانة الوجوب الكفائي اذا قام به البعض سقط عن الباقيين، قياسا على الحكم نفسه في الواقع.
واذا أثبتنا وجود الجمهور المتلقين والمصلحين المربيين فهل هذا الإصلاح مثمر حقا ومؤثر في الواقع المعيش؟
إن النظر الاستقرائي في المواقع بعد التصفح والتنقيب هذا النظر يعطيك سمات وامارات على وجود إصلاح وصلاح في هذه المنصات الرقمية، فالكل يتغنى في حسابه الشخصي بالثقافة ويمارس فعل الصلاح والإصلاح، والكل يحب الثناء الحسن ويدفع عن نفسه العتاب الخشن، مما يشعر بوجود وعي جماعي لدى منخرطي هذه الحسابات التي تكون في غالبها شخصية رسمية، ولانتحدث عن الحسابات الوهمية المختلفة في الاغراض والغايات، بل قصدنا أن نضع مسحا شاملا حول الحسابات والصفحات الدينية والمنصات الثقافية، وبعض حسابات المثقفين المؤثرين في الرأي العام بأطورحاتهم ونظرياتهم.
يمكن القول بأننا أمام ثورة رقمية ثقافية ودينية وسياسية وخصوصا بعد ظهور فيروس كورنا Covid2019 فقد شاهدنا وعيا جماعيا نادرا ما ترى العين مثله في التصدي لهذا الوباء بكل اشكالات التصدي وأنواعها من خطابات وعظية ونقاشات سياسية وبراءات اختراع متعددة من لدن بعض الشباب في المجال الطبي التقني، وشاهدنا كذلك إبداعات في مجال التعقيم في الأحياء الشعبية والمؤسسات التعليمية التربوية.
والسؤال الذي ينبغي أن يطرح في هذا الصدد؟
مامدى تأثير الخطابات الرقمية في واقعنا اليومي المعيش، هل حقا نسير أمام صلاح مادي محسوس أم أننا أمام شخصيات ونفسيات منفصلة، فماهو مشاهد في الواقع لاعلاقة له بالمواقع، هذا السؤال هو محل الاشكال وهو الاشكال نفسه، في ظل هذا التعايش البشري الكبير في هذه الوسائل.
أرى أن ما يوجه من خطابات وما يمارس من إصلاح وتهذيب وما نراه في هذه المواقع من وعي جماعي وتثقيف ونقد يمكن أن يختبر في الواقع فهو الكفيل برده جديا أم عبثيا، حقيقيا أم وهميا زائفا، حيث إنه من السهل جدا فتح حساب ديني، أو صفحة تنوير، أو اذاعة اخبار، أو منصة حكم وتربية، ولكن من الصعب جدا أن يتحول هذا الى فعل مطبق ممارس في الواقع.
إننا كما قلت عند الاختبار المادي نرى فوضى ،وممارسات مناقضة حتى لبعض الاصلاحيين أنفسهم، المؤثرين في المواقع والمنفصمين في الواقع، مما يدفعنا الى اعادة النظر في توظيف هذه الوسائل احسن توظيف، والى الجمع بين الحسنيين والعيشتين حتى نكون أمة صالحة مصلحة في جميع أحوالها، لا أمة في الواقع وأمة في المواقع.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7851