ماهر فرغلي
أصبحت الأممية الإسلامية والوسطية والاتحادات الدعوية ومكاتب التنمية البشرية هي الواجهات اللامركزية التي تشتغل الإخوان من خلالها الآن، وهي نفسها التي تعمل عليها أحزاب كبرى ودول مثل تركيا، وترى أنها تضمن لها السيطرة الفعلية حال توجهها ناحية الشرق، ومن ثم أصبحت الجماعة هي العمود الفقري لهذا المشروع، وأصبح الاستغناء الفعلي عنها هو محض الخيال.
وفق ما قاله القيادي الإخواني الجزائري عبد الرازق مقري، فإن الإسلاميين في الوطن العربي يفتقرون إلى الأدوات الفكرية التي تسمح لهم بالتعامل مع تناقضات الحكم، لأن ممارسة الدعوة غير ممارسة السياسية، ومن ثم وجوب التأسيس لمسار نظري جديد.
وهكذا رأى مفكرو الجماعة أن العمل المباشر بصيغة تنظيم يختلط فيه العمل السياسي بالدعوي والاقتصادي التمويلي يؤدي في الأغلب للصدام مع مؤسسات الدولة التي يعمل بها التنظيم، وفي الأغلب يؤدي إلى فقده الشرعية، ومن ثم فإن الصيغة اللامركزية وبواجهات لا تحمل اسم الجماعة، يجعلها بعيدة عن كل أشكال الوصاية أو التبعية، وتعمل من خلاله طاقات فكرية وعلمية وثقافية تؤمن بمبادئها وأهدافها في مختلف المحافل الدولية.
ويؤدي العمل من خلال هذا النهج إلى إكساب العمل مستقلين لا يحبون العمل من خلال تنظيم صارم، وكذلك منشقين لا يجدون أنفسهم منسجمة مع قياداتهم الحزبية سياسيا أو تنظيميا، ما يعني أن هذه الشبكة الجديدة تخلق فضاء بديلا، يتخلى عن المواجهة والصدامية داخل التنظيم، وكذا لا يصنع تنظيماً موازياً وخفياً تخشاه الدول، وفي هذه الحالة يصبح سلوكها محمودا، مهما كان مصدره عن عجز أم قناعة.
إن هذه الحركية الجديدة تكسب الجماعة القدرة على المناورة والعمل في كل الأقطار وأحلك الظروف، حيث تستطيع بسهولة الهروب من النشاط داخل التنظيم إلى منتديات الأممية والوسطية والتنمية البشرية.
وتتحرّر الجماعة وفق ما سبق من الالتزام الحزبي، فضلا عن مشاكل أخرى تتعلق بمناهج العمل ومناهج التغيير، وتضمن بسهولة ويسر أن يتم تصنيفها ضمن محور الاعتدال الدعوي والفقهي والعقدي، حيث تتموقع داخل الوسطية ومنتديات الفكر والحضارة والدعوة.
بالنظر إلى تلك الحركية الجديدة سنجد أن لها فائدة كبرى تتعلق بأنه إذا تم تطويق الحواضن والملاجئ وتم تجفيف مصادر الدعم والتمويل، فإنه من الصعب توقع انهيار القاعدة الفكرية والعقائدية للجماعة، وكذا القضاء بشكل تام عليها، لأنها تحرك وفق الأممية الإسلامية ومنتديات الوسطية المقبولة سياسياً.
وإن ضربنا المثل خليجياً سنجد أن الجماعة رغم الحصار لا تزال تمتلك العديد من المؤسسات العاملة بدول الخليج التي تعمل بواجهات غير إخوانية، ففي السعودية الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومؤسسة النهضة لجاسم سلطان بالدوحة، وفي الكويت يعمل التنظيم الإخواني عن طريق الأمانة العامة للقرآن الكريم، والأمانة العامة للجان الخيرية، وجمعية بشائر الخير، ومركز شباب الإصلاح، وجمعية العون المباشر، ونماء للذكاة والتنمية المجتمعية، ومنظمة النصرة العالمية للرسول، وجمعية النجاة الخيرية، والهيئة الخيرية الكويتية، وبيت التمويل الكويتي، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، ومؤسسة النصر العالمية، والحملة الدولية لإسعاف بيت المقدس، وحملة كلنا مريم العالمية.
وبالنظر إلى أساليب العمل الإخواني الحركي والتنظيمي بالخليج سنجد التالي: أن الجماعة تعمل عن طريق خلق تيار عام (مثال قطر) يعمل من خلال بعث الصحوة، وتعمل الإخوان عن طريق مؤسسات سياسية ودعوية وتمويلية وفق شرعية قانونية (مثال الكويت).
كما تعمل وفق مشروعية سياسية وقانونية من أجل التوازن الطائفي (مثال البحرين)، ووفق مؤسسات دعوية فقط (مثال السعودية).
أما في الإمارات فإنها تعمل خارجياً فقط وفق منظمات حقوقية، ولا تستطيع العمل من الداخل، مثل اليمن التي تعمل بها وفق حزب سياسي.
من هنا سنجد أن جماعة الإخوان في تنظيمها الخليجي تنتشر بهدوء انتشرت، وتخترق شرائح المجتمع الخليجي في بعض الدول، وتتقزّم في دول أخرى، وهذا يحدث خاصة في بعض النخب التجارية والقبلية والحكومية، عن طريق خطة مركزها الحركي الحقيقي أن تكون الجماعة بالخليج هي رافعة تمويلية للتنظيم العالمي، لا تصطدم بالسلطات، عن طريق تبني المنهج الإصلاحي.
لقد تجاوزت الجماعة في دول الخليج العربي مرحلة التأسيس الفكري والتنظيمي، إلى أن تكون لها مؤسسات خارجية عالمية تساهم في وقف تقهقر التنظيم الدولي، وتساهم في تنامي التنظيم وتوسّع قاعدته العالمية.
كما تساهم هذه المؤسسات في دعم التنظيم فكريًا وتنسيقيًا وربطه مع التنظيمات الإخوانية الأخرى في الخارج. وعقد الحوارات والمؤتمرات العالمية، وعرض الجماعة نفسها على أنها “حركة معتدلة” عن طريق المنتديات سالفة الذكر.
في بعض الدول الخليجية مثل قطر والإمارات وجدت الجماعة نفسها أمام ثلاثة خيارات: إما العودة إلى العمل السري، أو البحث عن إطار رسمي يجسد وجودا رسميا للحركة، أو تحويل الحركة إلى تجمع فكري في المجتمع، ونظرا للتكلفة الباهظة للخيار الأول، وعدم إمكانية الخيار الثاني؛ فقد اختارت بعد مداولات ومراجعات معمقة أن تصبح “تجمعا فكريا الروابط فيه قائمة على العلاقات الاجتماعية”، وأن تقوم بعمل مؤسسات فكرية نهضوية داخليا، ومؤسسات عالمية تدعم الجماعة.