نبيل بلعطار ـ دكتور في علم الاجتماع السياسي وباحث في العلوم القانونية والهندسة الاجتماعية والإستراتيجية
يعرف المغرب دينامية متطورة شملت مجموعة من القطاعات الحيوية، منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده الحكم، حيث حظيت المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بعناية دستورية، وربط مباءئ حقوق الإنسان و الحريات العامة بما هو اجتماعي، اقتصادي، ثقافي، ديني، بيئي، كوني، مما عجل بصناعة قوانين جديدة مواكبة لتطور المواثيق الدولية، ودسترة العديد من المؤسسات والمجالس الفاعلة في المجال الحقوقي و التنموي لتوطيد مبادئ الاستقلالية و تطوير مجالات التدخل وفق معايير وطنية و دولية.
قراءة تحليلية لدستور 2011 نجد أن المشرع المغربي عمل على الاهتمام بالحقوق الفردية والجماعية توافق مع التزام المغرب بالمواثيق الدولية، وقد خصص الدستور بابا كاملا خاصا بالحقوق الفردية و الجماعية، لاغرو أنه تم توظيف مفهوم الحريات 42 مرة مما يثير الاهتمام القوي لدستور المملكة الذي سمي بدستور الحقوق بإمتياز تماشيا مع الخصوصيات الوطنية و الدولية.
وفي إطار ترسيخ دولة الحق و القانون، و تكريس ثقافة الديموقراطية التشاركية، أدمج الدستور مبادئ وضمانات حقوقية إنسانية أقرها القانون الدولي، لحقوق الإنسان 10 دجنبر 1948، كما عمل على دمج بالنتيجة الأسس الثقافية و السياسية و الحقوقية، ودسترة توصيات هيأة الإنصاف و المصالحة، التأكيد على الحق في الحصول على المعلومات، وتمتع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها، وفتح مجال مشاركتهم في الانتخابات.
والملاحظ في الدستور الجديد هو دعم حقوق جديدة مواكبة لأجيال حقوق الإنسان في تطور على الصعيد الوطني و الدولي كالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية من أجل ضمان مناخ سليم للاستثمار، وتحقيق العدالة الاجتماعية للجميع، كما عمل المشرع على ملائمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية، وترجيح المقتضيات الدولية على القوانين المحلية وفق شروط محددة.
وحفاظا على احترام حقوق الإنسان و الحريات العامة بالمغرب من أي تطبيق أو اعتداء أو المساس بكرامة الإنسان و حريته، عمل المشرع على خلق مجموعة من المؤسسات التشريعية و القضائية و فعاليات المجتمع المدني المختصة لجعل مكانة حقوق الإنسان في تطور دائم و مستمر لمباشرة تطبيق احترام مبادئ حقوق الإنسان في جميع الميادين.
ومن أهم المؤسسات: المجلس الوطني لحقوق الإنسان – المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان- مؤسسة الوسيط – الهيأة المكلفة بالمناصفة و محاربة جميع أشكال التميز – هيئة الإنصاف و المصالحة، مجلس الجالية المغربية بالخارج، مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء – لجنة العدل و التشريع وحقوق الإنسان بالبرلمان – مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة.
بالإضافة إلى الحماية القضائية في مواجهة الإدارة عن طريق المجلس الدستوري، و المحاكم الإدارية، ولتقوية استقلالية القضاء ثم إنشاء رئاسة النيابة العامة و مؤسسة السلطة القضائية، لضمان المحاكمة العادلة وفق مساطر محددة و أجهزة مستقلة في كل أطوار المحاكمة.
وفي ظل هذا الزخم الحقوقي الضخم المتنوع و المتعدد الأهداف، من أبرزها : التأطير والمواكبة وإشاعة العدل والإنصاف، و التنسيق على المستوى الوطني و الدولي تم البحث عن المردودية الحقوقية، لترسيخ مبادئ الحكامة الإدارية و السهر على جودة الخدمات العمومية تم إدماج الفئات الهشة في حظيرة المجتمع، والاستفادة من جميع الحقوق المكفولة وطنيا ودوليا، وتنظيم المغرب مجموعة من التظاهرات و المنتديات الحقوقية والريادية أو مؤتمرات دولية من أجل مكافحة التطرف الديني والإرهاب، فقراءة لكل هاته المؤسسات الفاعلة في صنع سياسة حقوقية لها أبعاد وطنية و دولية، تأكد على الدور الرائد لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله و أيده، في رسم هندسة حقوقية متميزة ومتمكنة في رفع التحديات الحقوقية على المستوى الوطني و دولي، و هو ما ترجم بإعتراف دولي واسع الصدى والأهمية، و في ظروف حساسة، بانتخاب المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سنة 2024.
من خلال قراءتي لمنح المغرب شرف رئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ليس بالأمر السهل فهو نجاح للدبلوماسية المغربية و التطور الحقوقي بالمغرب من خلال عدة مظاهر:
– ثقة المنتظم الدولي في المملكة المغربية من خلال تدبير مجموعة من المحطات التاريخية الدولية.
– نجاح المغرب في تسويق صورة إيجابية في كل الميادين، و أبرزت عن مغرب ينمو، يتطور وينصهر في المنتظم الدولي.
– تطور مفهوم الدولة الاجتماعية من خلال الأوراش الاجتماعية الجديدة التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله من أبرزها : الدعم الاجتماعي المباشر لتحسين ظروف الطبقات الفقيرة و الهشة. تعميم التأمين الصحي الإجباري الأساسي لتأهيل المنظومة الصحية واستفادة كل مكونات المجتمع من هذا العرض الصحي المعتمد على الرعاية و الدعم. كما تم تفعيل مقتضيات الفصل 31 من الدستور في الحق في السكن من خلال وضع مقاربة إنسانية جديدة في دعم القدرة الشرائية للأسر عن طريق مساعدات مالية مباشرة، يستفيد منها المغاربة المقيمين بالمغرب أو بالخارج الذين لا يتوفرون على سكن.
– ضبط النفس من طرف المملكة المغربية في عدة مواقف حفاظ على السلم الدولي و احترام لقرارات الأمم المتحدة و توصياتها.
– نجاح المؤسسات الفاعلة في حقل حقوق الإنسان في تسويق سياسة حقوقية ذات توجهات ورهانات تصاعدية.
– تطور التشريعات الوطنية و الترسانة القانونية واعتبارها نموذجا لدعم دولة الحق و القانون.
من خلال المبادرات الاجتماعية و الإنسانية التي تكرس مفهوم حقوق الإنسان واقعيا، جعلت الأمم المتحدة تختار المغرب رائدا عالميا في رسم سياسة وطنية ودبلوماسية حقوقية أثرت على السياسة الحقوقية الدولية، وجعلت المغرب يجدد الالتزام بحماية حقوق الأفراد و الجماعات و أن ثقافة حقوق الإنسان و حماية الحريات العامة أصبحت ركيزة أساسية في السياسة العمومية إسوة مع تطور مفهوم الدولة الاجتماعية و أبعادها و انسجامها مع المنتظم الدولي.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20842