خالد الشرقاوي السموني ـ مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية
الخطاب الملكي أمام أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة يوم الجمعة 14 أكتوبر 2002، أكد من جديد الأهمية القصوى لقطاع الاستثمار، لأن هذا الورش الكبير مازالت تعترضه عراقيل تحول دون تحقيقه للإقلاع الحقيقي الذي يطمح إليه الجميع.
و ما استوقفني في الخطاب الملكي ما قاله جلالة الملك محمد السادس: ” وبما أن الاستثمار هو شأن كل المؤسسات والقطاع الخاص فإننا نؤكد على ضرورة تعبئة الجميع، والتحلي بروح المسؤولية، للنهوض بهذا القطاع المصيري لتقدم البلاد “.
فمنذ أزيد من 20 سنة و الملك محمد السادس يولي أهمية بالغة للاستثمار، لما له من دور كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، والنفاذ إلى الأسواق العالمية وزيادة القدرة التنافسية وتوفير فرص الشغل وبناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة.
وما فتئ العاهل المغربي يوجه تعليماته للحكومات المتعاقبة من أجل العمل على تبسيط الإجراءات وتحسين مناخ الأعمال ووضع خارطة طريق وتصور شمولي للسير في جذب الاستثمارات. وفي هذا الصدد، اتخذت الحكومة عدة خطوات لإعادة النظر في التشريعات المنظمة للعملية الاستثمارية بهدف الاستفادة من الفرص المتاحة لزيادة النمو الاقتصادي، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتبني سياسة الانفتاح الاقتصادي .
فقد سبق للعاهل المغربي في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من البرلمان، يوم الجمعة 13 أكتوبر 2000، أن دعا الحكومة إلى إحداث شباك وحيد للاستثمار على صعيد كل جهة و إقليم من أجل حفز الاستثمار وتسهيله و تفعيل دور الجهة في الإقلاع الاقتصادي.
بعد ذلك بسنتين، وجه الملك رسالة إلى الوزير الأول في موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار، يوم 09 يناير2002، أكد فيها على إنعاش الاستثمار والنهوض به باعتباره وسيلة فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعلى دوره الحيوي كمحفز أساسي للنمو ولا سيما في دعم مشاريع المقاولات الصغرى والمتوسطة.
بعد مرور حوالي 20 سنة ، على الخطاب الملكي أمام أعضاء البرلمان في أكتوبر 2000، لم يحقق المغرب تقدما ملموسا في مجال الاستثمار نظرا لمجموعة من العراقيل القانونية و الإدارية، يعلم الملك محمد السادس عن إحداث “صندوق محمد السادس للاستثمار”، في خطابه السامي أمام البرلمان يوم الجمعة 09 أكتوبر 2020.
هذا الصندوق الذي يجسد المثال الحي على الاهتمام الملكي بتشجيع الاستثمار نظرا لما له من أدوار في النهوض بالاقتصاد الوطني و تحقيق التنمية المستدامة، والذي ينتظر منه أيضا أن يؤدي دورا رياديا في دعم قطاعات الإنتاج والمشاريع الكبرى في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص، حيث يستهدف قطاعات عدة من بينها السياحة والفلاحة والبنيات التحتية والصناعة والأنشطة ذات المؤهلات القوية، والابتكار، وغيرها.
أكثر من ذلك، في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة يوم الجمعة 08 أكتوبر 2021 ، دعا العاهل المغربي إلى وضع ميثاق جديد ومحفز للاستثمار، وتبعا لذلك، أعدت الحكومة مشروع القانون الإطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار المعروض حاليا على البرلمان للمصادقة.
هذا الميثاق، الذي يجب أن يشكل دفعة قوية و ملموسة على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية ، وجعل المملكة وجهة دولية للاستثمارات، والمساهمة في إحداث مزيد من مناصب الشغل وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
هذا مع العلم، أن العاهل المغربي ترأس جلسة عمل، ببوزنيقة يوم 16 فبراير 2022، خصصت للميثاق الجديد للاستثمار حضرها رئيس الحكومة و بعض الوزراء، وذلك في إطار التوجيهات الملكية المتضمنة في خطاب افتتاح البرلمان شهر أكتوبر 2021 الداعية إلى اعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار في أسرع وقت.
وبناء على ما سبق ، نستنتج ، مما لا ريب فيه، أن جلالة الملك محمد السادس يراهن اليوم و بإلحاح، على قطاع الاستثمار، کرافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص الشغل وموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية. بل أن مصير تقدم بلادنا مرهون بالنهوض بالاستثمار والإقلاع به.
وهذا لن يتأتى إلا برفع كل العراقيل والصعوبات ومظاهر الفساد الإداري و تجاوز العقليات القديمة للمسؤولين الإداريين و المنتخبين التي لا زالت تعرقل الاستثمار في بلادنا و تحول دون تحقيقه لإقلاع حقيقي.
ومن أجل تحقيق إقلاع حقيقي للاستثمار، ينبغي:
– الرفع من فعالية وجودة خدمات المراكز الجهوية للاستثمار،
– الالتقائية بين مشاريع القطاعات الحكومية المعنية و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية والقطاع الخاص فيما يتعلق بتدبير ملف الاستثمار ،
– تقوية ثقة المستثمرين في بلادنا برفع كل العراقيل الإدارية مع تبسيط المساطر و الاجراءات،
– تشجيع المقاولات الوطنية حتى تكون هي الرافعة الأساسية للاستثمار ،
– دعم المستثمرين والمقاولين، خاصة الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة ،
– إعطاء عناية خاصة للمستثمرين من أبناء الجالية المغربية بالخارج ، والذين يعانون من تعقيد المساطر الإدارية و القضائية ،
– الولوج إلى التمويل و إلى الطاقات المتجددة، والولوج إلى العقار،
– تحقيق عدالة مجالية مع توجيه الاستثمار إلى الجهات الأكثر فقرا،
– التعاقد بين الحكومة و القطاع الخاص و القطاع البنكي للنهوض بالاستثمار الوطني. للإشارة فإن الخطاب الملكي أمام أعضاء البرلمان حدد الإطار العام لهذا التعاقد، حيث يهدف إلى تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026.
ولذلك، فإن الحكومة ملزمة الأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات في مشروع قانون المالية لسنة 2023. كما أن البرلمان مطالب هو كذلك في إطار وظيفة التشريع و التقييم و المراقبة أن يواكب هذا المشروع المالي الضخم لتحقيق إقلاع حقيقي الاستثمار الوطني. فالنهوض بالاستثمار شرط أساسي لتقدم بلادنا.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=18852