محمد عسيلة
تشهد الساحة المغربية اليوم نقاشًا وطنيًا خصبًا حول مراجعة مدونة الأسرة، وهو نقاش يعكس بوضوح مستوى النضج المجتمعي الذي حققته الأمة المغربية. هذا النقاش، بما يحمله من تعددية في وجهات النظر والتفاعل المجتمعي، يُبرز حيوية المغرب كدولة قادرة على التوفيق بين الثوابت الدينية والوطنية ومتطلبات التطور المجتمعي.
وسط هذه الدينامية، تبرز مؤسسة إمارة المؤمنين كحاضنة لهذا الحوار وكضامنة لاستمرار الشرعية وحماية استقرار المجتمع، وهي ميزة فريدة تُميز الأمة المغربية عبر التاريخ.
إن إمارة المؤمنين في المغرب ليست منصبا سياسيا، بل هي مؤسسة دينية ودستورية تمتد جذورها إلى عمق التاريخ المغربي. هذه المؤسسة تتسم بخصوصية استثنائية جعلتها ركيزة أساسية في بناء الأمة المغربية. فمنذ تأسيس الدولة المغربية، ظلت إمارة المؤمنين صمام أمان للمجتمع، تجمع بين مسؤولية الحاكمية السياسية والتوجيه الديني، مما أرسى نموذجًا فريدًا في العالم الإسلامي.
وعليه، لإمارة المؤمنين أدوار في تحقيق التوازن والاستقرار منها:
1. حماية الثوابت الدينية والوطنية
بفضل إشرافها على الشؤون الدينية، تضمن إمارة المؤمنين الالتزام بالقيم الإسلامية المعتدلة التي تنبذ الغلو والتطرف، وتعزز التسامح والوسطية. هذا الدور يعزز الوحدة الروحية والدينية بين أفراد المجتمع، ويوفر أرضية صلبة للتوافق حول القضايا الاجتماعية الحساسة، كإصلاح مدونة الأسرة.
2. التوفيق بين الشريعة والتحديث
يُشرف جلالة الملك محمد السادس نصره الله، بصفته أمير المؤمنين، على مواءمة أحكام الشريعة الإسلامية مع المستجدات المجتمعية، بما يضمن أن تكون القوانين معاصرة دون المساس بجوهر الدين. ف “لا أحرم حلالا ولا أحلل حراما” مقاربة ملكية حسمت كل المناورات المبتذلة ضد أي إصلاح يهم مصلحة المجتمع المغربي. هذا التوفيق بين الشريعة ومتطلبات العصر هو الذي مكّن المغرب من إرساء منظومة تشريعية تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
3. ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي
في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه المنطقة، تظل إمارة المؤمنين صمام أمان للحفاظ على استقرار المغرب ووحدته. ونحن نعيش سقوط منظومات ومركزيات وأنظمة بالأمس القريب، نرى المغرب تحت القيادة الرشيدة قد ربح كل الرهانات والتحديات ضد وحدته الترابية وضد كل الثوابت. هذا الدور يتجاوز الأبعاد الدينية ليشمل توجيه النقاشات المجتمعية الكبرى وضمان أن تكون مسارات الإصلاح نابعة من روح التوافق الوطني.
إن إصلاح مدونة الأسرة الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس نصره الله يعكس بجلاء التزام إمارة المؤمنين بحماية الأسرة المغربية، باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع.
ويتجلى دور إمارة المؤمنين في:
• قيادة النقاش الوطني:
عندما يطرح جلالة الملك توجيهاته لإصلاح مدونة الأسرة، فإنه لا يتحدث فقط كقائد سياسي، بل كأمير للمؤمنين، يحرص على أن يكون الإصلاح متوازنًا، يحترم الشريعة الإسلامية ويستجيب لتطلعات المجتمع المغربي.
• التأطير الديني والقانوني للنقاش:
في ظل وجود تيارات متعددة تتباين رؤاها حول مدونة الأسرة، تمثل إمارة المؤمنين المرجعية العليا التي تضمن أن يكون النقاش مستندًا إلى القيم الإسلامية ومبادئ الدستور، بعيدًا عن التشنج أو التسييس.
• ضمان حقوق المغاربة في الداخل والخارج:
التعديلات المقترحة، مثل السماح لمغاربة العالم بالزواج دون حضور شاهدين مسلمين في بعض الحالات، تعكس وعيًا عميقًا بالسياقات المختلفة للمغاربة في الداخل والخارج، وهو ما يؤكد مرونة التشريعات المغربية ضمن الإطار الديني.
كما أن النقاش حول مدونة الأسرة، بما يحمله من زخم فكري وتعدد في الآراء، هو شهادة على النضج الديمقراطي للمجتمع المغربي. فالتفاعل مع قضايا الأسرة لم يعد محصورًا في النخب، بل أصبح شأنًا مجتمعيًا يعبر فيه الجميع عن رؤاهم.
لكن هذا النقاش يحتاج إلى تأطير يضمن الحفاظ على قيم الاحترام المتبادل ويجنب المزايدات أو شيطنة الأطراف المختلفة. وهنا يأتي دور إمارة المؤمنين لضبط الإيقاع وحماية روح الحوار البناء.
إن خصوصية إمارة المؤمنين تكمن في قدرتها على الجمع بين الشرعية الدينية والتحديات المجتمعية. في وقت تعاني فيه دول عديدة من أزمات الشرعية السياسية أو التطرف الديني، يمثل المغرب نموذجًا يُحتذى به، حيث استطاعت إمارة المؤمنين:
1. الحفاظ على الوحدة الوطنية رغم التنوع الثقافي واللغوي.
2. إدارة التحولات المجتمعية بسلاسة، بما يضمن استقرار المجتمع.
3. تقديم نموذج إسلامي معتدل يُسهم في تعزيز الحوار الحضاري.
إن النقاش حول مدونة الأسرة هو دليل على حيوية المجتمع المغربي، وامتداد طبيعي لمسيرة الإصلاحات الكبرى التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
في قلب هذا الحراك، تظل إمارة المؤمنين المؤسسة الحاضنة للتوافق الوطني، الضامنة للاستقرار، والموجهة للتطور بما يحفظ قيم المجتمع ويصون مصالحه.
إنها ميزة فريدة تميز الأمة المغربية وتجعلها نموذجًا في الاستقرار والتلاحم بين الأصالة والتحديث. ومن واجبنا الحفاظ والتشبت بإمارة المؤمنين كصمام أمان وثابت من ثوابت ديننا وثقافتنا وتديننا المغربي المتفرد والمنفرد والذي نُحسد عليه بين الأمم.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22343