النزعة الإنسانية في الإسلام ومعضلة الشماتة من حرائق أمريكا

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريسمنذ 6 ساعاتآخر تحديث : الأحد 19 يناير 2025 - 8:03 صباحًا
النزعة الإنسانية في الإسلام ومعضلة الشماتة من حرائق أمريكا

منتصر حمادة
على غرار ما جرى في زلزال الحوز، هنا في المغرب، الذي ضرب الجهة في 8 ستنبر 2023، نعاين عدة تفاعلات تهم الحرائق التي تعصف ببعض الولايات الأمريكية، ولا نقصد تدخل السلطات المحلية والمركزية، فهذا تحصيل حاصل إجمالا، وإنما نقصد انخراط نسبة من الساكنة في حملات التضامن من أجل التصدي لتبعات المأساة، حيث يتم ترك الخلافات والصراعات والمرجعيات جانبا، بهدف التفرغ الجمعي لتقليل الأضرار.

نقول هذا مع وجود فوارق كبيرة في طبيعة الأضرار، لأنه في الحالة المغربية، الخسائر همت الأرواح بالدرجة الأولى، حيث تشير الأرقام شبه النهائية أن الزلزال خلَّف أكثر من 2900 قتيل و5500 جريح معظمهم بأقاليم الحوز و‌تارودانت، أخذا بعين الاعتبار الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي ضربها الزلزال، بخلاف الأمر مع ضحايا حرائق أمريكا، (دجنبر 2024 – يناير 2025)، والتي تسببت في مقتل ما لا يقل عن 27 شخصا، بحيث كانت الخسائر المادية أكبر بكثير مقارنة مع الخسائر المادية اللصيقة بزلزال الحوز

كل حدث مرتبط بمجال ثقافي مغاير عن الآخر: الزلزال ضرب منطقة في دولة تنتمي إلى محور طنجة جاكارتا، والحرائق ضربت منطقة تنتمي إلى محور مدريد أوكلاند، بكل الخصائص الثقافية والدينية والهوياتية لكل محور، لكن في مجال التضامن والتآزر، لا توجد فوارق، لأن الفطرة الإنسانية حاضرة في الحالتين معا، وتكفي إطلالة بسيطة على مجموعة من المبادرات التي عاينها المغاربة والعالم أجمع، أثناء ترجمة حملات التضامن، وخاصة تلك المبادرات الصادرة عن البسطاء، فالأحرى تلك الصادرة عن الأثرياء.

نقرأ في القرآن الكريم، أول وأهم نص ديني مقدس ومنزه في محور طنجة جاكارتا على الأقل، آية كريمة جاء فيها: “يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” (سورة الحجرات، الآية 13)، كما نقرأ أيضا آية كريمة جاء فيها “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (سورة الأنبياء، الآية 107).

من بين القواسم المشتركة بين الآيتين الكريمتين، أن المخاطبُ هنا لا يفيد بالضرورة أهل الجزيرة العربية مثلا، حيث نزل القرآن جغرافيا، ولا أهل الوطن العربي، ما دام القرآن الكريم، نزل باللغة العربية، ولا أهل العالم الإسلامي، أي أهل محور طنجة جاكرتا، ولا حتى المسلمين وأهل الكتاب، (من المسيحيين، أو النصارى بالاصطلاح القرآني الكريم، واليهود)، وإنما مجمل البشر: “أيها الناس” في الآية الأولى، و”للعالمين” (في الآية الثانية)، مع الإشارة إلى أن أهل علم التفسير، لديهم رأي يفيد أن المقصود بالعالمين هنا، الإنس والجان، وهذا مفتاح آخر للقراءات والتأويلات، يوسع من دائرة الأفق الإنساني/ الكوني للقرآن الكريم.

إذا كان الأمر كذلك، وبدهي أنه كذلك بالفعل، أي سمو النزعة الإنسانية في القرآن الكريم، فكيف لنا أن نفسر انخراط نسبة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، سواء هنا في المغرب أو الوطن العربي، في ما يشبه الشماتة بحرائق أمريكا، عبر استحضار موقف الإدارة الأمريكية في أحداث ما بعد 7 أكتوبر.

ليس هذا وحسب، بل وصل الأمر إلى اختزال الوضع هنا بتوزيع صكوك الأخلاق على المجتمع الأمريكي، باعتباره مجتمعا غارقا في الفساد والتفكك، مقابل تنزيه مجتمعات المنطقة عن السقوط في هذا المستقنع السلوكي غير السوي.

لنا أن نتخيل الحالة النفسية لمدونين يعبرون عن الشماتة من تلك الحرائق، وربما يرفع بعضهم شعارات “أمريكا، أمريكا، عدوة الشعوب”، وبالرغم من ذلك، يهرلون نحو طلب تأشيره الدخول للديار الأمريكية، قصد الاستشفاء أو السياحة أو التعليم (ما أكثر الأمثلة العملية في هذا السياق، وخاصة عند بعض الفعاليات المؤدلجة، من اليسار والإسلاميين).

كيف نقنع الجمهور الأمريكي بسمو مقاصد تلك الآيات، إذا أخذ علما بأن هناك فئات منا، تعبر عن الشماتة من تلك الحرائق؟!

نزعم بيقين كبير، أن تفاعلنا الجمعي مع تلك الحرائق، تلخص الشيء الكثير عن حالتنا النفسية غير السوية، وليس صدفة أن الأرقام الرسمية هنا في المغرب مثلا، تؤكد هذه الجزئية الذات: وقد سبق لوزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أن كشف عن أرقام مقلقة تخص الصحة العقلية والنفسية بالمغرب، معتبرا أن ما يناهز نصف المغاربة يعانون أو قد عانوا من اضطرابات نفسية في فترة ما في حياتهم).

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.