المعركة الفرنسية ضد “الانفصالية” الإسلاموية تصطدم بوعد الحرية

دينبريس
2021-02-08T08:20:05+01:00
ترجمات
دينبريس8 فبراير 2021آخر تحديث : الإثنين 8 فبراير 2021 - 8:20 صباحًا
المعركة الفرنسية ضد “الانفصالية” الإسلاموية تصطدم بوعد الحرية

أوليفييه روا – مفكر فرنسي
ترجمة: عثمان أمكور
منذ بداية أكتوبر لسنة 2020، أي قبل قيام الإرهابي بقتل المدرس رفقة ثلاثة أشخاص في كنيسة في مدينة نيس الجنوبية، شنَّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حملة على “الانفصالية” الإسلاموية في فرنسا. وذلك بإعلانه عن انتهاج منهج قائم على الرقابة الصارمة للجمعيات الدينية والثقافية، وحظر التعلم المنزلي إلا لو كان الحائل صحياً.

ستسعى الحكومة الفرنسية بتقديم مشروع قانون يهدف إلى “تعزيز اللائكية”، وهي النسخة التي تميز العلمانية الفرنسية، بالإضافة إلى “توطيد مبادئ الجمهورية” في أوائل ديسمبر 2019. هذه المقترحات تستند على افتراضين. الافتراض الأول هو أن الإرهاب الجهادي يتغذى من انتشار الإسلاموية أو “السلفية” المنتشر في الضواحي الفقيرة. والافتراض الثاني قائم على أن طريقة مكافحة هذا الانتشار قائم على الترويج أو حتى فرض “قيم الجمهورية”.

الافتراض الأول مهم بشكل خاص لأنه يقوم بتبرير استهداف “الانفصالية” الإسلاموية وحدها، وليس الجماعات الدينية الأخرى أو الحركات المنشقة عن العلمانية، مثل القومية الكورسيكية. قد يؤدي ذلك إلى قرارات تتراوح بين منع الدول الإسلامية من إرسال الأئمة إلى فرنسا، إلى منع الأطباء من تقديم شهادات البكارة. قد يتطلب الأمر أيضًا استحداث خدمات عامة للإبلاغ عن “بوادر التطرف المبكرة” وهو ما قد لا يتجاوز إظهار الولاء للإسلام بالصلاة في الأماكن العامة. فضلًا عن توسيع قدرة الدولة على حظر المنظمات التي قد ينظر لها على أنها معادية للجمهورية، حيث حث ماكرون على توسيع مكافحة برامج التطرف الحالية.

هذه المقترحات تثير سؤالين محوريين: ما الصلة بين الإسلاموية والعنف الإرهابي؟ وما “القيم الجمهورية” التي تريد الحكومة تعزيزها وحمايتها؟

تُظهر الدراسة التي قمت بها عن المعنيين بالهجمات الإرهابية السابقة التي وقعت على الأراضي الفرنسية، أمراً يخالف وجهة النظر السائدة حتى الآن، حيث أرى أن مرد تطرفهم غير راجع لـ”الحاضنة السلفية” داخل المساجد والمدارس الدينية في الضواحي التي تعاني من الحرمان. ولكن أرى أن معظم هؤلاء المتطرفين ينتمون لمجموعات صغيرة من الأصدقاء والأقارب، التي تتسم غالباً بالطابع الجرمي المنحرف. استخدموا الشبكة العنكبوتية للعثور على النصوص وبواعث الإلهام مع ذكر إشارات هامشية من مبادئ الشريعة الإسلامية. إنهم ينتمون لهامش الحياة الإسلامية ولا ينتمون لمركزها.

هل يمكن للإجراءات المقترحة الآن منعُ وقوع هجمات إرهابية في فرنسا منذ تفجير مترو باريس عام 1995؟ الجواب حسب ما يبدو هو النفي.

الافتراض الثاني وراء مشروع القانون، وهو إعادة تعزيز “قيم الجمهورية” باعتبارها أمراً محورياً لمحاربة الإسلاموية، وهو ما يجعلنا نطرح سؤالين آخرين: ما هذه القيم بالتحديد؟ وماذا يعني فرضها على مجتمع يفترض أنه داعم حرية الرأي والمعتقد؟

صحيح أنه كان هناك نمو في فرنسا على مدى العقدين الماضيين لما أسميه “الأصولية الجديدة”. أعني بهذا تحويل الأشكال التقليدية للإسلام إلى نظام من الأعراف الجلية التي لها تأثير على الحياة الاجتماعية بما في ذلك ارتداء الحجاب، والدعوة إلى تناول المأكولات “الحلال” أو رفض مصافحة النساء.

ترسخت الأصولية الجديدة في بعض المناطق الأكثر حرمانًا في فرنسا حتى مع تعمق الانقسامات الاجتماعية. وقد أدى ذلك أيضًا إلى ظهور حركات احتجاج غير دينية، مثل السترات الصفراء. ولكن ما البديل الذي يجب أن تجسده “قيم الجمهورية”؟

لم يتم ذكر هذه القيم في قانون 1905 الذي أنشأ الفصل بين الكنيسة والدولة. كانت قيم الجمهورية في ذلك الوقت تجسد القيم المسيحية المحافظة العلمانية؛ حيث لم يكن للمرأة الحق في التصويت كما كانت المثلية الجنسية مجرمة.

من الواضح أن قيم الجمهورية التي يشير إليها الرئيس ماكرون هي القيم الليبرالية التي تنتمي لستينيات القرن الماضي؛ حيث المساواة بين الجنسين مع وجود كل من الحرية الجنسية والتعليم المختلط وما إلى ذلك. ولكن كيف تختلف هذه عن قيم الدول الأوروبية الأخرى؟

ما الذي يمكن اعتباره فرنسياً على وجه التحديد في القيم التي اختار الرئيس الدفاع عنها هل اللائكية (laïcité) أم العلمانية (secularism)؟ من شأن مشروع القانون أن يقلل بشكل فعال من إظهار العقيدة الدينية، وليس الإسلام فقط داخل الحياة العامة، وغالبًا ما سيكون هذا الأمر على حساب القيم الليبرالية (حرية الدين والفكر والكلام) التي يَقصِدُ حمايتها.

إن طرح هذه الأسئلة، من خلال عدسة العنصرية كما يفعل بعض النقاد هو أمر خاطئ. العديد من المسلمين العلمانيين هم أنصار النضال من أجل قيم الجمهورية. على العكس من ذلك، يشعر العديد من الكاثوليك المحافظين بعدم الارتياح بشكل متزايد للتأويلات الحالية للائكية. وعلى الرغم من أنهم غالبًا ما يكونون معاديين للإسلام، فإنهم يرفضون فكرة ما يسميه ماكرون “الحق في الكفر”. وبالتالي، فإن القضية الحقيقية هنا تتمحور حول بقايا الحرية الدينية في جمهوريتنا العلمانية.
مركز_نماء_للبحوث_والدراسات

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.