د. صلاح الدين المراكشي
د.صلاح الدين المراكشي إمام ومرشد في المستشفيات والسجون الفرنسية
لا يختلف اثنان على أن الشباب في المغرب، كما في كثير من البلدان، يواجهون تحديات كبيرة تثقل كاهلهم: بطالة متزايدة، وغلاء معيشة خانق، وصعوبات في التعليم والتكوين، إلى جانب انسداد الأفق أمام طموحاتهم.
هذه قضايا عادلة ومطالب مشروعة، تستحق كل الاهتمام من الدولة والمجتمع، عبر توفير فرص العمل، وإصلاح المنظومة التعليمية، والصحة، وفتح أبواب الأمل أمام الطاقات الشابة التي هي عماد المستقبل.
غير أن ما يؤلم هو أن بعض هذه المطالب تُرفع بأسلوب خاطئ يفقدها قيمتها، إذ تتحول أحياناً إلى احتجاجات تنزلق نحو العنف والتخريب، كما حدث مؤخراً في بعض مدن المملكة ومنها مدينتي سلا، حين أقدم بعض الشباب هداهم الله على تكسير سيارات وممتلكات عامة وخاصة، شملت محلات تجارية ووكالات بنكية. مشهد صادم يطرح السؤال الجوهري : هل يمكن للعاقل أن يبرر المطالب العادلة بوسائل غير عادلة؟ وهل يُطلب الإصلاح بالفساد؟
لقد تزامن وجودي بالمغرب مع ظرف شخصي أليم، هو وفاة صهري – رحمه الله –، وخلال هذه الزيارة فوجئت بمشهد آخر لا يقل إيلاماً : سيارات تُخرب، وأرزاق تُهدر، وأناس أبرياء يُظلمون بعدما ضاع جهد سنين من العمل والتعب في لحظة غضب عابرة.
لقد آلمني ما رأيت، وزاد يقيني أن التخريب لا يمكن أن يكون طريقاً إلى العدالة، بل سبباً في ضياعها.
من حق الشباب أن يُسمع صوتهم، وأن يطالبوا بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، لكن الوسيلة لا تقل أهمية عن الغاية. فالاحتجاج إذا خرج عن سلميته وتحول إلى عدوان على الممتلكات، فقد رسالته وأضرّ بأصحابه أكثر مما نفعهم. الحقوق لا تُنتزع بالقوة العمياء، بل بالوعي، والحوار، والمطالبة في إطار القانون.
لقد وضع الشرع الحنيف قاعدة كبرى: “لا ضرر ولا ضرار”. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاعتداء على أموال الناس وأعراضهم فقال: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» (رواه مسلم). وجاء في القرآن الكريم: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56].
فأي مبرر إذن يمكن أن يجيز تدمير الممتلكات، وإرعاب الناس، وإهدار أرزاقهم؟ إن ذلك لا يُعد نضالاً، بل هو إفساد في الأرض، يخالف الشرع والقانون، ويتنافى مع الأخلاق والذوق السليم.
قد تكشف مثل هذه الأحداث عن فجوة بين جيل عاش حياة من الكفاح والبناء (جيل الآباء)، وجيل نشأ في عالم سريع التحولات (جيل الشباب). لكن هذه الفجوة لا تُعالج بالتخريب، بل بالحوار المسؤول، وفتح قنوات للتواصل، وتمكين الشباب من التعبير عن معاناتهم في أجواء حضارية وقانونية.
إن القانون المغربي يضمن حرية التعبير والاحتجاج السلمي، لكنه في الوقت نفسه يحمي الممتلكات العامة والخاصة. ومن ينزلق إلى العنف والتخريب، فإنه لا يعبر عن قضيته بل يسيء إليها، ويضع نفسه تحت طائلة القانون، ويخسر تعاطف الرأي العام الذي قد يتفهم مطالبه المشروعة لو عبّر عنها بطرق سلمية.
لقد اجتمع في قلبي حزنان: حزن الفقد على وفاة صهري، وحزن ما رأيت من صور العبث والتخريب التي لا يرضاها دين ولا يقبلها عقل. إن المطالب العادلة ممكنة ومشروعة، لكنها تضيع حين تُرفع بوسائل غير عادلة.
نسأل الله تعالى أن يحفظ بلدنا المغرب من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن ينصف شبابنا في قضاياهم، ويلهمهم رشدهم، ويجعلهم طاقة بناء وإعمار لا وسيلة هدم ودمار، ويغرس في قلوبهم حب الخير، والغيرة على الوطن، والحرص على ممتلكاته العامة والخاصة. إنه ولي ذلك والقادر عليه.