منتصر حمادة
رغم الاختلافات التي تبدو جلية لأول وهلة في معرض الحديث عن الجمهورية الإيرانية الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن هناك الوجه الآخر للعملة، وهو موضوع هذه المقالة.
1 ــ صحيح أننا بداية إزاء الحديث عن دولة وطنية حديثة، في مقابل حركة إسلامية، محسوبة على حركات “الإسلام السياسي”، أي حركة إسلامية منخرطة في العمل السياسي بهدف تحقيق وتفعيل مشروعها المجتمعي.
2 ــ نحن أيضاً إزاء دولة تقود المشروع الإسلامي الشيعي في المنطقة، أو ما اصطلح عليه العاهل الأردني منذ عقد ونيف بمشروع “الهلال الشيعي”، مقابل حركة إسلامية مصنفة في خانة المجال الإسلامي السني.
3 ــ وأخيراً، نحن إزاء دولة تُطبق الرؤية الشيعية لنظام الحكم، والتي تتعامل مع الإمامة باعتبارها معتقداً دينياً لا يحتمل النسبية أو المراجعة، وتحقق هذا المشروع مباشرة بعد إسقاط نظام الشاه في يناير 1979، بينما الأمر مختلف مع جماعة الإخوان المسلمين، والتي بالكاد ساهمت في إدارة الحكم، مع التجربة المصرية في الفترة الممتدة بين يناير 2011 ويونيو 2013، أو ساهمت في تدبير العمل الحكومي في كل من التجربة التونسية والمغربية، إزاء الأحداث نفسها التي مرت منها المنطقة العربية حينها، أي أحداث 2011. [التي توصف بأحداث “الربيع العربي” عند الأقلام الإخوان والأقلام اليسارية وأقلام “يسار الإخوان” وتيارات أخرى، مقابل وصفها بأنها أحداث “الفوضة الخلاقة” عند أغلب الأقلام التي دافعت عن الدولة الوطنية ضد مشاريع التقسيم].
هذا عن بعض الفوارق الجلية، والتي يروق للمشروعين معاً التركيز عليها أو تسليط الضوء عليها أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، ونقصد أنه ليس من مصلحة المشروع الإيراني والمشروع الإخواني في آن، تسليط الضوء على القواسم المشتركة، مقابل التركيز أكثر، في معرض الحديث عن هذه الثنائية، أي التركيز على الفوارق.
نأتي إذا إلى بعض هذه القواسم المشتركة، ولن نستشهد قط هنا بأي كلمة من أحد أشهر الكتب التي اشتغلت على هذا الموضوع، أي كتاب “أئمة الشر: الإخوان والشيعة”، بالرغم من أن مؤلفه هو قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين، أي الكاتب ثروت الخرباوي، وهو الكتاب الذي يُسلط الضوء على بعض كواليس وخفايا العلاقات السرية بين مؤسس الجماعة حسن البنا وقائد الثورة الإيرانية الخميني، وذلك بدهي أو منطقي، مفاده أن عنوان الكتاب يتضمن حكماً مباشراً على المشروعين، أو حكم قيمة، من المفترض أن يقوض قراءة النقاد للعمل، وهذا أقل اعتراض يمكن أن يصدر عن الأقلام الإيرانية والأقلام الإخوانية، لذلك سوف نترك مضامين هذا العمل جانباً، ونركز على قراءة ذاتية، من وحي ما نعاين في الساحة.
نعتقد أنه من شأن تسليط الضوء على مجمل أو بعض هذه القواسم، المساهمة في تنوير الرأي العام نفسه من أهداف هذه المشاريع وغيرها، من قبيل المشاريع الإيديولوجية والسياسية اليسارية والقومية والاشتراكية والشيوعية وغيرها، إلا أن مجمل هذه الاتجاهات الإيديولوجية المغايرة، تراجع وزنها التنظيمي موازاة مع تراجع أفقها النظري، بخلاف الأمر مع المشروعين الإيراني والإخواني، بما يحيلنا على أولى القواسم المشتركة، أي قاسم المرجعية الدينية.
1 ــ نقصد هناك أنه سواء تعلق بالمرجعيات اليسارية والقومية والاشتراكية والشيوعية وغيرها، فهذه مشاريع إيديولوجية مادية المرجعية في نهاية المطاف، مادامت لا تنهل من الدين وبالتالي لا تنهل من المقدس، بخلاف الأمر مع المشروعين الإيراني والإخواني، حيث حضور نزعة القداسة بشكل كبير، سواء في مضامين أدبيات المشروعين معاً، أو في تعامل الأتباع مع القيادات والرموز.
نقول هذا ونحن نأخذ بعين الاعتبار تعامل أتباع المشروع الإيراني، داخل وخارج إيران، مع شخصية الخميني، إلى درجة أنه يلقب بـ”روح الله”، أو تعامل أتباع جماعة “العدل والإحسان” المغربية مع شخصية عبد السلام ياسين، مؤسس الجماعة، وفي الحالتين معاً، يكاد يقترب التعامل نفسه من مرتبة القداسة إن لم يكن كذلك بالفعل. بل وصل الأمر في حالة ما يصدر عن أتباع من الجماعة نفسها، والحديث عن أقلام بحثية، بمعنى من المفترض أن تأخذ مسافة من مقام التبجيل والتقديس، إلى درجة وصف عبد السلام ياسين بأنه “الإمام المجدد”، وواضح أنه لا يمكن أن نتوقع أي نقد أو اعتراض من هذه الأقلام عن بعض ما يصدر عن الشيخ نفسه.
وليس صدفة أيضاً في السياق نفسه، أن موقعاً رقمياً أطلقته الجماعة في فرنسا، يُعنى بتعريف الإسلام لغير المسلمين، يتضمن خانة مخصصة للتعريف بإحدى أشهر الشخصيات الإسلامية، ومعلوم عند عامة وخاصة المسلمين، أنه إن كانت هناك شخصية مسلمة واحدة، تحظى بإجماع الجميع، أو قل نسبة كبيرة من الإجماع، عند السنة والشيعة، فهي بالقطع الشخصية النبوية، والحال أننا نجد في ذلك الموقع، شخصية مؤسس الجماعة، ويلس المقام النبوي الشريف.
2 ــ من بين القواسم المشتركة أيضاً معضلة ممارسة التقية، مع فارق بسيط في التأصيل، حيث إن تلك الممارسة تحظى بما يُسمى “التأصيل الشرعي” عند الشيعة، بينما لا نجد أي تأصيل لها في المجال السني، وهو الأغلبية في محور طنجة جاكارتا، لأن نسبة الشيعة إجمالاً، تتراوح بين 9 و11 في المائة من المسلمين، وسبب عدم التأصيل للتقية عند المسلمين السنة، وهم الأغلبية، هو أن ممارستها تسمى النفاق، وهذا سلوك من أخطر ما يمكن أن يصدر عن المسلم (بعد ممارسة التكفير)، كما تفيد ذلك الآية القرآنية الكريمة التي جاء فيها “إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار” (النساء، 145)، وبالرغم من ذلك، نجد أن ممارسة التقية متفشية في سلوك الفاعل الإخواني، كلما تعلق الأمر بالتعامل مع ذلك الآخر، والمقصود به تحديداً، كل من يوجد خارج المشروع الإخواني، بما في ذلك المتدين السلفي أو المتدين الصوفي، فالأحرى باقي المرجعيات. [من الأمور التي تحسب للثورة الرقمية، وخاصة ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، أنها تساعد في قراءة مؤشرات ممارسة التقية عند أتباع المشروع الإخواني، وهذه جزئية تتطلب الكثير من الاشتغال البحثي، ونزعم أنه لا نجد دراسات رصينة حولها، بل نذهب إلى ندرة المقالات التي تطرقت إليها، فالأحرى الحديث عن دراسات وأبحاث].
3 ــ إقامة “الإمبراطورية الإسلامية” هو أحد القواسم المشتركة بين المشروعين، حيث مع المشروع الشيعي، هناك حُلم إحياء الإمبراطورية الفارسية لحكم العالم، أما مع المشروع الإخواني، وتأسيساً على شعار أو حُلم “أستاذية العالم” بتعبير حسن البنا، هناك حُلم إقامة “الخلافة الإسلامية العالمية” انطلاقاً من الأفق الإخواني.
4 ــ نأتي لأخد أهم القواسم المشتركة بين المشروعين، وعنوانه العداء للدولة الوطنية في المنطقة العربية، ويقف هذا العداء وراء تحذير الملك عبد الله سالف الذكر، وكان علينا انتظار أقل من عقد حتى نعاين تطبيقات هذا الهلال في المنطقة العربية، مع تغلغل المشروع الشيعي في كل من اليمين (مع جماعة الحوثي) والعراق (خاصة بعد إسقاط نظام صدام حسين في أبريل 2003)، وفي لبنان واليمن وسوريا، لولا أن تطورات ما بعد 7 أكتوبر 2023، وخاصة حقبة ما بعد إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، أفضت إلى تراجع نسبي أو تكتيكي للهلال الشيعي، في كل من سوريا ولبنان، بينما لا زال المشروع نفسه في أوج التغلغل والانتشار خارج المنطقة العربية، وخاصة في الدول الأوروبية لدى أوساط الجالية العربية، وفي مقدمتها الجالية المغاربية (انتشر التشيع بشكل رهيب لدى نسبة من الجالية المغربية في بلجيكا، نتيجة عمل استراتيجي قام به المشروع هناك خلال العقود الماضية)، أو في دول الساحل جنوب الصحراء، ضمن مناطق أخرى.
بالنسبة للعداء للدولة الوطنية عند الإخوان المسلمين، فقد تكون زلة لسان شهيرة صدرت عن قيادي مصري في حق الدول المصرية، أصدق مثال في هذا السياق، والحديث عن عبارة “طز في مصر، وأبو مصر، واللي في مصر”، كما صدرت عن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف في حوار مع صحيفة “روز اليوسف” اليومية (الحوار مؤرخ في يونيو 2006). أما مؤسس الجماعة، حسن البنا، فقد كان واضحاً عندما تحدث عن هدف الوصول إلى “أستاذية العالم” وأن “الوطن وسيلة وليس غاية”.
تأسيساً على كل ما سبق، من الطبيعي أن ترحب القيادات الإخوانية بالثورة الإيرانية، حيث تعامل مع المشروع الإخواني السني مع أحداث 1979 في إيران بأنها تنتصر إلى رؤيتهم، لأننا إزاء أول حكومة إسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية في عام 1924، وقد دعّم المشروع الإخواني الثورة الإسلامية في إيران منذ بدايتها، لأنّها كانت ضد نظام الشاه، وما أكثر الأمثلة في هذا السياق، منها، على سبيل المثال لا الحصر:
ــ عندما توفي الخميني في 4 يونيو 1989، نشر المرشد العام للإخوان المسلمين حامد أبو النصر نعياً تضمن الكلمات التالية: “ثورة ضد الطغاة مع الله. في عهد علي خامنئي، الذي أصبح زعيماً بعد وفاة الخميني، كانت نظريات سيد قطب تُدرَّس في مدارس التدريب الإيديولوجي للحرس الثوري الإيراني”.
ــ يرى القيادي الإخواني التونسي راشد الغنوشي في كتاب “الحركة الإسلامية والتحديث”: “الذي عنينا من بين ذلك الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الإسلام الشامل مستهدفاً إقامة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية على أساس ذلك التصور الشامل وهذا المفهوم ينطبق على ثلاثة اتجاهات كبرى: الإخوان المسلمين، الجماعات الإسلامية بباكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران”.
ــ قول أبو الأعلى المودودي: “ثورة الخميني ثورة إسلامية والقائمون عليها هم جماعة إسلامية وشباب تلقوا التربية في الحركات الإسلامية وعلى جميع المسلمين عامة والحركات الإسلامية خاصة أن تؤيد هذه الثورة وتتعاون معها في جميع المجالات”.
ليس صدفة أيضاً أن تطلق إيران اسم “الشهيد خالد إسلامبولي” على أحد شوارع العاصمة طهران، وخالد إسلامبولي للتذكير، هو قاتل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات.
هذا غيض من فيض القواسم المشتركة بين المشروعين.