إلياس بلكا. باحث مغربي
مثال ذلك أن حسن البنا رحمه الله أسّس الإخوان المسلمين، وكان جسماً مَدنيا ضخما ونشطاً، لكنه ما لبث أن أسّس الجهاز الخاص الذي كان غلطة عمره، وهو تنظيم عسكري سرعان ما تمرّد على الشيخ وقتل القاضي الخازندار ورئيس الوزراء النحاس. حتى اضطرّ البنّا إلى التبرّي منهم وكتب البيان الشهير: ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين.
واستمرّ الجهاز الخاص يعمل بشكل شبه مستقلّ حتى تورّط في محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في حادث المنشية عام 1954 بعد انهيار العلاقات بين الإخوان والجيش. وهذا أمرٌ تُنكره أدبيات الإخوان بشدة، لكن من حق الجيل الحالي أن يعرف الحقيقة: فعلاً حاول الجهاز الخاص اغتيال عبد الناصر الذي بطش بالإخوان بعدها بطشاً لا رحمة فيه ولا عدل.
لا أدافع عن عبد الناصر، وقد كتبتُ مراراً في ذمّ العسكر والانقلابات. ظاهرة الانقلابات العسكرية منذ بدأها ضباط سوريا ومصر كارثة من أعظم الكوارث على الوطن العربي والإسلامي. وعبد الناصر في النهاية هو الذي قاد مصر إلى أكبر هزيمة أمام إسرائيل.
لكن يجب على الشباب أن يعرفوا الحقيقة، وهي أن الجهاز حاول اغتيال عبد الناصر.
ثم سيطر الجهاز الخاص على الإخوان وكان معظم قياداتهم منه، وهي قيادات ضعيفة جدا كما كتب عنها النفيسي من 40 سنة.
لكن منذ الستينيات صفّى الإخوان الجهاز الخاص وتبرؤوا منه ومالوا إلى السلمية التامة. هذا أيضا يجب الاعتراف لهم به، وعدم استغلال أحداث من 70 سنة لمطاردتهم بسببها.
************************
إذا كان الجهاز الخاص قد قام بدور سلبي في تاريخ الإخوان بمصر، فإن جهازاً شبيهاً قام بعمل أخطر بسوريا، وكان وبالاً على الإخوان المسلمين، ألا هو: الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين والذي أسّسه مروان حديد غفر الله له ورحمه. تقوم فلسفة هذا التنظيم على أنه لا سبيل للتعامل مع النظام الطائفي بقيادة آل الأسد إلا بالقوة. وما لبث مروان حديد أن جرّ وارءه الإخوان كلهم، وقاموا بعمليات كالهجوم على كلية المدفعية بحلب.. ووجدها النظام الحقير لحافظ الأسد فرصةً مثالية فدكّ حماة وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، واغتصبوا الآلاف، وسجنوا أضعاف ذلك.. وقتلوا معظم السجناء بتدمر وكانت مصائب كبرى لا تزال تعاني سوريا منها إلى الآن. هي صفحة سوداء من تاريخ الشام يتحمّل مسؤوليتها الأولى نظام المجرم الأسد وعصابته، لكن هذا لا يُنفي مسؤولية الإخوان أيضا، خاصة مروان حديد وصحبه.
2- هل استفاد الناس من هذه التجارب؟ لا، فبعدها بعقد من الزمان، ربحتْ جبهة الإنقاذ الانتخابات بالجزائر، ويا ليتها ما اكتسحتْ الانتخابات واكتفتْ بجزء من الانتصار، لكنهم لم يضعوا حساباً للطبقة الحاكمة ومصالحها ولا حساباً للقوى الكبرى. فألغى العسكر الانتخابات، وكانت فتنة. وكان يُفترض الصبر والتعامل بحكمة وسياسة مع هذا الجديد، لكن الدولة استطاعت جرّ جبهة الإنقاذ إلى ميدانها المفضل: السلاح، فانخرط بعض شباب الفيس (أي الجبهة) في حرب تطوّرتْ إلى حرب “أهلية” ذهب ضحيتها ربع مليون جزائري، الله يرحمهم ويتقبّلهم عنده. يتحمّل بعض جنرالات الجزائر المجرمين المسؤولية الأكبر في هذه المذبحة، لكن تبقى مسؤولية معيّنة لعباس مدني وعبد القادر حشان وعلي بلحاج.. وقيادات الفيس، رحم الله من مات وفرّج عمّن بقي. كانت قصة الإنقاذ في التسعينيات قصة حزينة ومؤلمة، ولا تزال بعض آثارها قائمة إلى اليوم.
***********************
العنوان الأصلي للمذكرات (7 و8): جناية العَسكرتارية على الصحوة الإسلامية المعاصرة
المصدر: رابط صفحة الكاتب على فيسبوك: https://www.facebook.com/ilyassbelga