المدخل الرقمي كرافعة لتنمية الجهاز الإداري وفق توجهات النموذج التنموي الجديد

ذ محمد جناي
آراء ومواقف
ذ محمد جناي20 يناير 2022آخر تحديث : الخميس 20 يناير 2022 - 11:39 صباحًا
المدخل الرقمي كرافعة لتنمية الجهاز الإداري وفق توجهات النموذج التنموي الجديد
ذ. محمد جناي
حظي الإصلاح الإداري منذ فجر الاستقلال بأهمية بالغة من طرف الدولة والحكومة معا ، وذلك بالنظر لارتباط الجهاز الإداري بالمواطنين وبانشغالاتهم، وبالنظر أيضا لما اتسم به التدبير الإداري من نواقص واختلالات أصبحت تلقي بظلالها ليس فقط على انتظارات المواطنين والمواطنات بل على التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي ينشدها هؤلاء، الشيء الذي أصبح يتطلب بذل جهود سريعة من أجل تجاوزها وذلك بالعمل على إصلاح الجهاز الإداري انطلاقا من إعادة النظر في تنظيمه وتحديد مهامه واختصاصاته وتطوير وسائل عمله المادية والبشرية، والأهم من ذلك تحسين علاقاته مع المرتفقين ليصبح رافعة مهمة للتنمية الشاملة وأداة فعالة لمواجهة التحديات المستقبلية.
لهذا السبب، أصبح مطلب نقاش إصلاح الإدارة العمومية أمرا ملحا في ظل الظروف الحالية التي يعيشها العالم من تطور ملحوظ، وفي ظل المبادئ الجديدة المنصوص عليها في دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الناظم لتدبير الشأن الإداري، والتي من أهمها مبدأ الحكامة الجيدة، بحيث تصبح الإدارة في ظل  هذه المقاربة الجديدة، إدارة استراتيجية ومبادرة وفعالة، وإدارة مشاركة وفاعلة في رسم السياسات وتصميم البرامج، وإدارة مرنة ومتعاونة بين كل من القطاع العام والخاص.
فالرؤية الإصلاحية التي جاء بها التقرير الأخير للنموذج التنموي الجديد ألح على ضرورة التوفر على إدارة عصرية حديثة توفر خدمات تتماشى مع احتياجات وانتظارات المواطنين في كل ربوع المملكة، وأكد أيضا التقرير على أن الإدارة والرقمنة رافعتان أساسيتان في عملية التحول نحو التنمية المنشودة.
فالبنيات الإدارية ببلادنا لازالت تتسم بالتركيز الشديد والمركزية المفرطة، وبالبطء في المساطر وتعقيداتها، وتتسم الوظيفة العمومية بتقادم إطارها القانوني، فبالرغم من كل المجهودات المبذولة لأجل تطوير عجلة الإصلاح الإداري، فالإدارة العمومية لا زالت يعتريها القصور على مستوى استراتيجيتها، نتيجة عوامل وتحديات عدة (قانونية، بشرية، مؤسساتية ، بنيوية ، …)، مما ساهم في الحد من فعاليتها ، وحال دون تحقيق الأهداف المتوخاة بشكل متوازن ومتكامل.
 ومن أجل تجاوز التحديات السالفة الذكر التي تعرفها الإدارة، أصبح الأمر يتطلب ضرورة التهيىء للدخول لمرحلة جديدة تدشن لميلاد إدارة عمومية تتفاعل مع فلسفة النموذج التنموي الجديد، والقطيعة مع المرحلة السابقة، من خلال نقل الممارسة التدبيرية من الطابع الإداري البيروقراطي ، إلى التدبير المقاولاتي، أي أن تصبح الإدارة كمقاولة من حيث تدبيرها وتسييرها لاستراتيجيتها التنموية ، إدارات قادرة على ممارسة الاختصاصات الموكولة لها، وتبني التخطيط الاستراتيجي المحكم الذي يفضي إلى إبراز الأولويات لتوجيه السياسات العمومية، إدارات لها القدرة على المساهمة بشكل فعال وناجع في التنمية الشاملة ، فضلا عن انخراطها بمعية الفاعلين الآخرين لتجاوز أزمة التدبير الإداري.
وعلى هذا الأساس فقد اعتبر النموذج التنموي الجديد ، الجهاز الإداري رافعة حقيقية للشروع في التغيير وقيادته، ومن شأن هذا الجهاز أن يكون حاملا ومحركا أساسيا للتنفيذ وجزءا من أوراش التنمية بتعاون مع الفاعلين الآخرين، والذي تعتبر قدرته على الاضطلاع بهذه الأوراش، سواء على المستوى المركزي أو الترابي ، شرطا أساسيا لنجاح هذا النموذج.
فجاء لقاء لشكيب بنموسى مع “رابطة الجمعيات الجهوية بالمغرب” في سابق من السنة الماضية، أن “مغرب 2035” الذي يتطلع إليه التقرير، يجب أن يكون “المواطن في قلبه كهدف وحامل، ولا يجب أن يكون النموذج اقتصاديا فقط، بل يجب معالجة مختلف المواضيع بطريقة متزامنة”، وهو أمر “لا يمكن تحقيقه إلا بمجهود معتبر من جميع المتدخلين، وهو ما يدعو إلى العمل المشترك” علما أن “الطريق صعب”، كما أجمل رئيس لجنة النموذج التنموي بالقول إن خلاصات التقرير “لا تعالج شيئا، بل تعطي رؤية”، والأجرأة “لن تأتي من الأعلى، من السماء، بل من الجميع”.
وعليه، فإن من أهم مداخل إصلاح الجهاز الإداري وفق توجهات النموذج التنموي تتمحور أساسا حول:
المدخل الرقمي أي رقمنة وتجويد للمرافق العمومية الإدارية وفقا للرؤية الإصلاحية للنموذج التنموي الجديد والذي يشكل نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة للمضي قدما بالمشروع المجتمعي التنموي بالمملكة المغربية ، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، والنهوض بالمغرب في أفق 2035 باتجاه بلوغ مرتبة الريادة والصدارة على الصعيد الإقليمي،وفي هذا الإطار، فقد فتح تقرير اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد ، طموحات وآفاق جديدة من شأنها إحداث تغييرات جذرية في البنية التنموية بالمغرب ، تجاوزا للمعيقات والإكراهات التي صاحبة مسار التنمية بالمملكة.
تمثل الرقميات حسب النموذج التنموي رافعة حقيقية للتنمية، وقد برزت أهميتها بشكل ملفت بعد الأزمة الصحية التي ضربت العالم وبلادنا والمرتبطة بفيروس كوفيد- 19وإن من شأن تفعيل الإدارة الإلكترونية والتحول للمغرب الرقمي، أن يحل مجموعة من المشاكل والعراقيل التي تؤرق بال المواطنين، على رأسها الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ، موازاة أيضا مع محاربة البيروقراطية والعقليات السارية في الإدارة، وذلك من أجل اختصار الوقت وتلافي إهدار المال العام وقضاء حاجيات المواطنين بسرعة أكبر وتوفير تواصل سريع وفعال بين هؤلاء ومختلف المصالح الإدارية ناهيك عن جلب الاستثمارات والرساميل الدولية.
وضعت الرقميات ضمن أهم الأوراش التحولية لإطلاق النموذج التنموي الجديد، لذلك يمكن القول بأنه ليس بالغريب أن نجد الرقمنة وما يواكبها من استعمال لوسائل التكنولوجيا الحديثة تتصدر سلالم الإصلاحات التي تضمنها التقرير العام، كآلية لتحديث المرفق العام وتحسين خدماته ويمكن القول، دون تحفظ، أن الوسائط التكنولوجيا أصبحت من الآليات الأساسية والمعول عليها في إحداث التنمية ، الأمر الذي كان له انعكاس على كيفية تدبير وتسيير المرافق والإدارات العمومية وشبه العمومية، التي تعتبر العجلة التي تحرك قاطرة التنمية في الدول النامية، كما تجب الإشارة إلى أن إقحام التقنيات الجديدة للإعلام  والاتصال على مستوى تسيير المرفق الإداري سيشكل تحديثا وتجديدا لآليات هذا الأخير، لأن مجموعة من المشاكل التي يعاني منها المرفق العمومي من قبيل انعدام الشفافية وبطء الإدارة في تدبير العديد من الملفات والإجابة عن قضايا المرتفقين ستجد حلولا لها في حالة الاستعانة والتأقلم مع الإدارة الرقمية.
ولأن طبيعة التقنيات الرقمية الجديدة، والمتمثلة أساسا في تقديم الخدمات عن بعد وإتاحة الولوج إلى المعلومة عن طريق البوابات الإلكترونية ، قد أحدثت تحولا عميقا في بنيات المجتمع، من هذا المنطلق فإن الإدارة ملزمة بمسايرة هذه الحركية حتى يتم تقليص الهوة بينهما وبين المواطن، بحكم أن الثورة الرقمية قد قزمت من مفهوم الجغرافيا الفيزيائي إلى جغرافيا افتراضية رقمية فارضة نسبية المكان والزمان، مع ما ترتب عن هذا التحول من انعكاسات بنيوية ووظيفية على مستوى التسيير الإداري.
وخلاصة القول ، يتضح لنا جليا أن موضوع إصلاح الإدارة العمومية قد احتل مكانة هامة في تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الذي شخص مختلف الاختلالات والعراقيل التي تعرفها الإدارة العمومية ببلادنا والتي تحد من نجاعة أدائها وفعاليتها من خلال استمرار البيروقراطية في التسيير ومظاهر الفساد وغياب ثقافةالابتكار والتجديد والافتقار لرؤية إستراتيجية في القيادة والتسيير، ولضمان تجاوز هذه النقائص أوصى تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي بضرورة إحداث تغييرات جذرية في الوظيفة العمومية سواء الوطنية أو المحلية عبر تجديد المسؤولين القائمين عليها أو عن طريق تبسيط وتخفيف إجراءات التدبير الداخلية ،كما يجب على المقاولات والمؤسسات العمومية كإحدى مكونات الجهاز الإداري المساهمة في مرحلة انطلاق النموذج التنموي ، إضافة إلى ضرورة تسريع مسلسل رقمنة الإدارة وتبسيط المساطر الإدارية بشكل كامل بغية تحقيق جودة الخدمة المقدمة للمواطن والمقاولون، ولضمان تنفيذ هذه التوصيات على أرض الواقع ، وجب تعزيز التكوين المستمر للعدد الكافي من الموظفين بالإدارات العمومية قصد تكريس التحول الرقمي.
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.