بقلم استاذ حسن حلحول محامي بهيئة الرباط عضو سابق
إن المؤامرة الرخيصة التي تحاك ضد المحاماة لاضعافها، هي حقيقة تاريخية مصدرها شرذمة من المحامين أصحاب المصالح الذين يهدفون الى الحفاظ والإبقاء عليها كما هي، وأن ما صرح به السيد وزير العدل في حوار له حول تسريب مسودة مشروع تعديل قانون المهنة عندما قال” أن بعض المحامين لهم مصالح شخصية في ذلك، وأنهم يكذبون”، فإن هذا الكلام الخطير لا يمكن المرور عليه مرور الكرام هكذا، دون الوقوف عليه لأن التصريح به يعني الكثير ويرفع الغشاوة عن المسكوت عنه ، ويرفع الستار عن ما لا يقال ، ويفضح الظاهرة الصوتية لبعض المحامين الذين يتلاعبون بمصالح زملائهم لايهمهم الدفاع عنهم ويهمهم الظهور بمظهر الولي الصالح كمدخل لممارسة السلطة الأبوية والمعنوية على المحامين متضرعين بأعراف وتقاليد المهنة من اجل الابقاء على الصورة النمطية التي يسوقونها على أنهم سادات المحامين ووجهائهم، لن تقبر وتدفن الحقيقة الغائبة وراء قرار التشطيب عن محام بهيئة مكناس الاستاذ خالد عدلي لمجرد اختلاف في الرأي والمواقف مع السيد النقيب الممارس او مع رئيس جمعية هيئات المحامين او بمجرد نقد لرأي او موقف.
ومن ثم لن يسكت التاريخ عن هذا القرار الذي قسم ظهر مهنة المحاماة الى اللارجعة، الذي فسح المجال للآخر من اجل التدخل لقمع حرية الرأي والحد من حرية التعبير أثناء ممارسة مهام الدفاع، وفي ذلك ضرب وخرق للمادة 58 من قانون المهنة 28/08 التي تنص على مايلي” لا يسأل عما يرد في مرافعاته الشفوية او في مذكراته مما يستلزم حق الدفاع” يستفاد ان الاصل في المحاماة حرية التعبير فلا يمكن مصادرتها ، فلا مكان للمحاماة بدون حرية التعبير، وأن ما وقع هو تسجيل لمرحلة تاريخية مشؤومة، ويضرب مجدها وتاريخها العريق في جذورها، وان الصيرورة التاريخية للاحداث المتلاحقة التي تعرفها المهنة والتي تسببت في التراجع المرعب عن المكتسبات التي راكمتها بالنضال الدائم والمستمر طيلة قرن من الزمن، ترسم لمرحلة قادمة سوداوية وقاتمة، وان من لم يحترم المبادئ الأساسية والمركزية التي ينبني عليه حق الدفاع ألا وهي حرية الرأي والتعبير ولم يصنها، باعتبار المحامي كيفما كانت صفته وشخصه أول من يقوم باحترامها وصيانتها، وإلا فان مصيرها وأد المحاماة ، يبدأ وأدها بقرار التشطيب عن الاستاذ خالد عدلي ببرودة المشاعر وبدون اي احاسيس وروح الانتماء الى هذه مهنة، والغريب انه لم يصدر منه ما من شأنه اتخاذ هذا القرار المشؤوم، فعلى الجميع ان يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية ، سواء الذين صدوره وخاصة أعضاء المجلس الذين صوتوا لصالح القرار او الذين سكتوا عنه.
وحتى لا يتم شخصنة الموضوع فإننا لا نتحدث عن الزميل كجزء لا يتجزأ وطرف المتضرر من القرار فحسب، وإنما نتحدث عن تبعات القرار وتجليات الضرر الذي لحق مهنة المحاماة ،ومن ثم ما لحق الزميل من ظلم وجور علىمستوى شخصي بصدور قرار التشطيب عليه ،فالكل يتحمل مسؤوليته من موقعه وخاصة أعضاء مجلس الهيئة المصدرة لقرار التشطيب، كيف تجرأوا على التصويت عليه؟
لذا فإن انتخاب أعضاء المجالس أقوياء لهم تكوين كبير، معيار التصويت على عضوية مجالس هيئات المحامين التي هي فرض كفاية إذا أقام بها البعض سقطت عن الباقين، والذين يفتقدون لهذه الشروط لا يجب التصويت عليهم ، لتجنب القرارات اللامسؤولة وغير العادلة كالتي صدرت في مكناس فهي واجبة لمن استطاع إليها سبيلا، مرة في العمر ومن جاء بنافلة فهي بدعة لن تقبل منه.
يا من انتهت ولايتهم، افسحوا يفسح الله لكم، لأعضاء جدد ، وطاقات جديدة، ودماء قوية تتدفق في شرايينها وينابيعها الجافة، فمن أحياها (أي المحاماة) من مرقدها كمن أحيى المحاماة بأكملها، إن تاريخ المجيد لمهنة المحاماة أمانة في عنق كل محام شريف،لا يجب تركها يعبث بتاريخها العابثون ،كما لا يجب تركها لخيانة قسمها فهو زمن الردة او التردي، فمن سولت له نفسه غير ذلك ،فإن سجل التاريخ لن يرحم ولن يغفر لهم، فإياكم و رويبضة فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم” سيأتي على الناس سنوات خدعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق،ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين،وينطق فيها الرويبضة” قيل وما الرويبضة يا رسول الله قال :الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.
وقد سئل رسول الله عن الساعة ،فأجاب قائلا : فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال كيف إضاعتها قال: إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة.
وأن الذي يحابي النقيب او السيد رئيس الجمعية ، كبتوا كما كبت الذين من قبلهم، واهينوا واخزوا، فكتب عليهم الصمت كما كتب على الذين من قبلهم، وأن هذا يشكل طرح سؤال العدالة الى مركز المناقشات الراهنة في مجالس التأديبية المحامين ، وفي سياق الجدل الراهن تبلور سؤال العدالة ، الذي يمكن من خلاله فهم طبيعة المرحلة التاريخية الراهنة ومآلاتها، وذلك من خلال ايضا البحث في مختلف الإشكاليات المهنية المستحدثة وفق التغيرات والتحولات التي عرفها المشهد العدالة سواء على مستوى بنية عقل المحاماة ، او على مستوى بنية عقل القضاء التي تربطهما علاقة تأثير وتأثر بين الكيانين.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20063