سوسن كعوش ـ صحفية فلسطينية مقيمة في لينان
أجبر طوفان السابع من أكتوبر/تشرين الأول العديد من الإسرائيليين على مغادرة منازلهم في الجنوب بالقرب من حدود غزة. كما أدى إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بشكل شبه مستمر في شمال الكيان المغتصب من قِبَل حزب الله إلى نزوح عشرات الآلاف. ويعيش الآن ما مجموعه أكثر 250 ألف إسرائيلي بعيداً عن منازلهم، إما في فنادق تدفع الحكومة تكاليفها أو مع عائلاتهم. ويشكل منح هؤلاء الناس الثقة بالعودة إلى منازلهم أولوية للحكومة الإسرائيلية، وتحدياً لقدرة رئيس وزراء الكيان الوفاء بوعوده المتكررة لإعادة هؤلاء إلى منازلهم.
ولكن الإخفاقات الصهيونية جعلت من قضية استعادة الثقة أمراً صعباً للغاية، سواء من الناحية العسكرية أو النفسية. حيث يتعين إسرائيل أن تكون قادرة على هزيمة حماس وحزب الله أو ردعهما. ولكن “الهزيمة” و”الردع” لا زالا مفهومان بعيدان المنال، ويتعين على إسرائيل أن تقنع شعبها بأنهم آمنون. وهذا أمر صعب في ضوء عملية طوفان الأقصى عندما فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في الكشف عن الهجوم والتحذير منه، وفشلت قوات الاحتلال الإسرائيلية في الدفاع عن المجتمعات القريبة من غزة.
في الجنوب القريب من غزة، سوف تتطلب استعادة الثقة هزيمة شاملة وواضحة لحماس؛ وفي الشمال، سوف يتطلب الأمر من حزب الله نقل المزيد من وحداته النخبوية “الرضوان” بعيداً عن حدود إسرائيل لضمان عدم وقوع هجوم مفاجئ. وقد تحتاج إسرائيل أيضاً إلى نشر أعداد كبيرة من القوات على كل جبهة وتزويد كل منطقة مأهولة بقدرات أكبر للدفاع عن النفس. ومثل هذه التدابير مكلفة وصعبة بشكل خاص بالنسبة لإسرائيل لأن قوتها العسكرية تعتمد على جنود الاحتياط، مما يجعل من الصعب الحفاظ على جيش كبير في حرب طويلة.
ما يزيد الأمر سوءاً هو أزمة الثقة في النظام السياسي. فقبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت إسرائيل مجتمعاً منقسماً إلى حد كبير، مع انقسامات حادة بين المجتمعات الدينية والعلمانية، والعرب الإسرائيليين واليهود الإسرائيليين، واليهود من الدول الأوروبية مقابل اليهود من الدول العربية. لقد عملت حكومة نتنياهو على زيادة انقسام البلاد من خلال جلب شخصيات من أقصى اليمين إلى الحكومة وتقويض استقلال القضاء. وبالفعل، يزعم بعض اليمينيين أن حماس هاجمت لأنها رأت أن إسرائيل ضعيفة بسبب الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وفي ظني أنه قد تحدث كارثة محتملة لإسرائيل إذا ما حاولت توسيع رقعة الحرب مع حزب الله لأن من شأن ذلك دفع قوى أخرى للانخراط في صفوف المقاومة بشكل مباشر دفاعاً عن لبنان.
في مرحلة ما، سوف تنهي إسرائيل العمليات العسكرية عالية الكثافة في غزة وفي لبنان، إما لأنها دمرت المنازل وقتلت الأرواح البريئة، لكنها فشلت في تحقيق أهداف عدوانها على غزة ولبنان، أو لأن التكلفة في الأرواح والعملات ــ ومكانتها الدولية ــ أثبتت أنها باهظة للغاية. وعند هذه النقطة، ولتجنب التحول إلى قوة احتلال لسكان معاديين، ومنع الفوضى على حدودها مع غزة ولبنان، سوف تكون مجبرة على الجلوس في غرف المفاوضات السياسية مع حماس وحزب الله وإن كان بصورة غير مباشرة.
وعلى إسرائيل في مرحلة ما قادمة إجراء عدد من الترتيبات الأمنية والسياسية، ولكن خياراتها ضعيفة لمعالجة الوضع في غزة في اليوم التالي لإنهاء عدوانها. فهي لا تستطيع البقاء في غزة، والسلطة الفلسطينية – كخيار بديل عن حماس في غزة – فاسدة وليس لها شعبية، وأدت سياسات إسرائيل في الضفة الغربية إلى تقويض مصداقية السلطة الفلسطينية، كما أدى طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي إلى تآكل شعبيتها بشكل أكبر. ختلا أنها لا تستطيع إدارة الأمن في الضفة الغربية دون مساعدة إسرائيلية كبيرة.
لا يمكن التغلب على بعض هذه التحديات من دون خلق مشاكل وضغوط إضافية للكيان الصهيوني داخلياً وخارجياً. وأعتقد أن إسرائيل المتأزمة سوف تضطر إلى تقليص أهدافها في نهاية المطاف، والرضوخ لمنطق المقاومة التي لا يمكن لإسرائيل أو غيرها أن تقضي على عقيدة المقاومة لأن المقاومة فكرة والأفكار لا تموت.
وما الهجمات التي شنها الجيش الصهيوني باستخدام الأسلحة الحارقة الملقاة جوا في المناطق المدنية مؤخراً، والمحظورة دولياً مثل الفوسفور الأبيض، إلا دليلاً على مأزق هذا الكيان المصطنع الذي أربكه صمود واستمرار المقاومة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=21269