الكنتاوي: الإعلام الإلكتروني ساهم في الرفع من الإحساس بالهوية المغاربية

دينبريس
2019-11-21T11:30:45+01:00
featuredحوارات
دينبريس21 نوفمبر 2019آخر تحديث : الخميس 21 نوفمبر 2019 - 11:30 صباحًا
الكنتاوي: الإعلام الإلكتروني ساهم في الرفع من الإحساس بالهوية المغاربية

لعل من أبرز الأشياء تفردا وأعظمها تجردا في عالمنا هذا، هي تلك التي أخذت حيزا كبيرا من النقاش السوسيولوجي، ويقصد بذلك “الهوية”. هي التي أرخت بظلالها في عالم الفلسفة وتمكنت من خلق نقاش جدلي عميق على مر العصور. وبالتالي جعلت معظم الآراء والمدارس تختلف في تعريفها لكون فكرة الوجود والماهية المرتبطتين بها هما بالأساس إشكالية الفكر الفلسفي.
وقد ارتأت جريدة “دين بريس” من خلال هذا الحوار مع الإعلامي “سيد اعمر الكنتاوي” المكلف بالإعلام والتواصل بالمؤسسة المغاربية للتواصل وحوار الثقافات، الإجابة على مجموعة الأسئلة المرتبطة بمفهوم الهوية؟ وعلاقتها بالإعلام الإلكتروني؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما هي مقومات الهوية المغاربية؟ وهل هناك هوية مغاربية؟
في البداية اسمحوا لي أن أتوجه إليكم بجزيل الشكر وعظم الامتنان على إثارة هذا الموضوع الذي يعتبر بحق من الإشكاليات التي خلقتها الثورة الإعلامية الحالية، ومن خلالكم أتوجه بالشكر للقائمين والمشتغلين بهذا الموقع المحترم.
بخصوص سؤالكم لابد أولا أن نؤكد أن النقاش في موضوع الهوية أصبح مطروحا بحدة وبجدية لأن الأمر يتعلق بموضوع مهم يخص كيان الأمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، ولأن التهديد أصبح يمس كيان الأمة ووجودها، في ظل تفاعلها مع الآخر ومع التكنولوجيا وثورة المعلومات والمجتمع الرقمي. أما بخصوص مقومات الهوية المغاربية، فلا بد أن أشير إلى أنها أولا جـزء من الكل؛ أي أنها فرع من الهـوية العـربية الإسلامية الشاملة، وبالتالي فمقوماتها متعددة ومشتركة، كاللغة، حيث إن الشعوب المغاربية رغم تعدد لهجاتها إلا أن اللغة العربية شكلت عامل تماسك ووحدة بينها، ويقويها في ذلك أنها لغة القرآن الكريم. والمقوم الثاني، فهو الدين والمذهب، فرغم أن هناك طوائف دينية أخرى في المجتمعات المغاربية إلا أن عنصر الدين كان عنصر قوة. أما المقوم الثالث، فهو التراث الثقافي الذي يعتبر متقاربا ومتمازجا، حيث إن هناك تمازجا بين الثقافة الأمازيغية والعربية والحسانية والإفريقية مما أنتج ثقافة مغاربية مشتركة.

كيف ساهم الإعلام الإلكتروني في تناول مفهوم الهوية؟
الإعلام الإلكتروني فتح بابا واسعا لإعادة النظر في كثير من المفاهيم التقليدية، استنادا إلى سمات البيئة الجديدة التي يوفرها للمستخدمين مع إتاحته لآليات غير مسبوقة في التواصل وتكوين جماعات افتراضية ترقى إلى أن تصبح “مجتمعات افتراضية” موازية للمجتمعات التقليدية. مما جعل البعض يتوقع أن ينتهي زمن التنوع الثقافي، ومن ثم إعادة تشكيل هويات جديدة في ظل ثقافة غربية مهيمنة، هويات رقمية افتراضية تفرز مزيجا جديدا من السمات والتفاعلات والتمظهرات الفردية والجماعية في فضاء الانترنيت لا حد له ولا قيد عليه، حيث تم إزالة عنصر المكان الذي كان أساس التجمع، ولم يعد التفاعل على أرض واحدة هو الباعث الأول للتجمع، بل أصبح التفاعل يتم عبر تكنولوجيا ووسائط المعلومات والإعلام، لهذا فإنّ للإعلام الإلكتروني الأثر الكبير على الهويات عن طريق إلغاء المسافات.

أين تكمن العلاقة بين الهوية والإعلام؟
العلاقة بين الإعلام والهوية هي علاقة جدلية، حيث إن الهوية تنعكس وتتقوى وتتغلغل في نفوس أفراد المجتمع من خلال وسائل الإعلام، فهي تتأثر بالإعلام وتؤثر فيه. وبالتالي، فالإعلام هو الآلية الأكثر تأثيرا وقوة في صناعة الهوية والتعبير عنها وعن معالمها وصيانتها ونشرها وبعثها والدفاع عنها، فالإعلام هو المنظومة التي تحفظ هذه الهوية والتي تؤرخ لها والتي تنقلها من جيل إلى جيل. فإذا كان الإعلام يتغذى وينهل من مكونات الهوية فإن مخرجاته تخدم دون أدنى شك هذه الهوية وتعمل على صيانتها وتقويتها وتنميتها في إطار الحركة التي يعيشها المجتمع ضمن التحولات والتطورات العالمية.

ونحن نتحدث عن الإعلام كمنتج لهويات جديدة، نجد الهوية الافتراضية، هل يمكن اعتبار ان الإعلام الإلكتروني والرقمي ساهم في خلق هاته الهويات؟ ما هو تقييمكم؟
بكل تأكيد للإعلام الإلكتروني الدور الأساسي في خلق هويات جديدة، حيث إن مقولة الفضاء الاجتماعي تغيرت، فلم تعد كما سبق أن أشرت للفضاء حدود والفرد ضمن هذا الحيز التواصلي الافتراضي أصبح يتحكم في تقديم ذاته بطريقة مغايرة من لو أن التفاعل كان مباشرا وضمن فضاء الواقعي، فهوية الشخص أصبحت هوية متحركة “دينامكية” يكونها الفرد البشري كما يشاء في مجتمع الانترنت. وأظن أن هذا الأمر له أبعاد سلبية على الشخص نفسه ان لم يكن هناك توجيه وتكوين، حيث سنكون أمام أفراد يعيشون بشخصية في المجتمع الواقعي وبشخصيات في المجتمع الافتراضي.

لقد ساهمت عولمة الإعلام في ظهور الهوية الإقليمية والوطنية واندثار لحسّ الهوية المغاربية كيف ذلك؟
هذا صحيح بخصوص الشق الأول من السؤال، فالتكنولوجيا الحديثة والإعلام الرقمي ساهم بشكل كبير في تعزيز بعض هذه الهويات المحلية، حيث ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تشكيل جماعات تناضل لإعلاء صوتها، ونعطي هنا مثال الحركات الأمازيغية التي أتاحت لها مواقع التواصل الاجتماعي إمكانية إنشاء مجموعات خاصة. ووجد الأمازيغ في ذلك متنفسا لهم، وفرصة للاتقاء افتراضيا، وإنشاء العديد من المجموعات طرحوا من خلالها مواضيع مهمة تتعلق أساسا: بالتاريخ الأمازيغي والشخصيات الأمازيغية المشهورة، وكذا التعريف بتقاليد مختلف المناطق الأمازيغية، الخاصة باللباس الأكلات والمناسبات، مستخدمين في ذلك الكلمة والصورة الفوتوغرافية والفيديوهات. كما ساهمت في توحيد احتفالهم برأس السنة الأمازيغية عبر الشبكات الاجتماعية المختلفة والفايسبوك خاصة، وقد شارك الأمازيغ من مختلف المناطق والدول في مناقشة مختلف الخلفيات التاريخية والثقافية والدينية للتقويم الأمازيغي، ولم يتوانوا فيعرض تقاليدهم وكيفية إحيائهم لهذه المناسبة من أكلات وطقوس وألعاب خاصة.
أما الشق الثاني من السؤال، فأظن من وجهة نظري ان الإعلام الرقمي ساهم في الرفع من الحس بالانتماء للهوية المغاربية والشعور أكثر بتميز هويتهم نتيجة احتكاكهم بهويات أخرى، وساهم ذلك في تولد شعور أكبر بمسؤولية الحفاظ عليها وعدم الذوبان في الآخر. وهم في ذلك لا يتوانون عن التعبير عن ذواتهم.

هل نحن أمام تنوع هواياتي في إطار الوحدة المغاربية؟
يمكن أن نقول إننا أمام هوية مغاربية واحدة متعددة الروافد، فالمنطقة المغاربية تعتبر مهد الحضارات الكبرى منذ القدم. وتعاقبت عليها ثقافات كثيرة وتزخر بثرات إنساني أصيل يشهد على تاريخ شعوب هذه المنطقة العريق، وللمنطقة المغاربية حسّ هوياتي قوي تغذيه خلفيات ثقافية وحضارية مختلفة، فالهوية المغاربية فضلا عن كونها جزء من الفضاء المتوسطي، ولها صلات تاريخية بالحضارة العربية الإسلامية وأيضا بأفريقيا، تعرف تمازج عدة ثقافات كالثقافة الأمازيغية، الحسانية، الأندلسية.. هذه الثقافات المتعددة التي تأثرت فيما بينها وتشكل عناصر إثراء وتكامل للهوية المغاربية.

كيف يمكن الحفاظ على الهوية الأصلية في ظل المتغيرات الخارجية في العالم؟
نعم يمكن الحفاظ على الهوية الأصلية رغم أن الأمر ليس بالسهل بتاتا، ويبدأ هذا أولا من خلال تنشئة جيل واع يعرف كيف يتفاعل مع هذه الوسائط ويعرف كيف يأخذ منها ما يفيده ويبتعد عن المواد التي تتنافى وتتناقض مع مبادئ وقيم المجتمع. الأمر الثاني هو تقديم برامج إعلامية تعكس شخصية وهوية واهتمامات وانشغالات المجتمع. الأمر الأخير هو إغناء المحتوى الرقمي بما يدعم الهوية الأصلية والتعريف بها وبخصائصها ومميزاتها، فالحفاظ على الهوية يتطلب استراتيجية واضحة المعالم تقوم على أساس كيفية نقل التراث التاريخي والحضاري للأمة في صيغ وقوالب تتماشى مع المجتمع الرقمي الذي نعيش فيه والتطورات العلمية والتكنولوجية التي يشهدها المجتمع.
حوار خديجة منصور

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.