سعيد الكحل
بات في حكم المؤكد أن حكومة البيجيدي لا تضع ضمن أولويات اهتمامها الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي للمغرب، خصوصا في ظل الأزمة العامة الناتجة عن جائحة كورونا. فلا أحد من المواطنين يشعر بالارتياح إزاء آثار الجائحة على الواقع الاجتماعي سوى الحكومة ورئيسها الذي لم تكف حزبه أنه أغرق البلاد في الديون وأخلف كل وعوده بمحاربة الفساد وتشجيع الاستثمارات وتشغيل الشباب ودعم المقاولات، بل أقدم على سلسلة من الإجراءات لا يمكن إلا رفضها واعتبارها تندرج ضمن مخطط تأزيم الأوضاع الاجتماعية والسياسية لأن له فيها مآرب كثيرة آخرها إغاظة المواطنين، خاصة الشباب ودفعهم إلى مقاطعة الانتخابات؛ ومن ثم ضمان تصدره لنتائجها طالما ظلت كتلته الناخبة قارة ومنضبطة. فالبيجيدي يستثمر في تفقير المواطنين وتيئيسهم ويراهن على ارتفاع نسبة العزوف الانتخابي.
إن رئيس الحكومة يدرك جيدا حالة التذمر والسخط التي أحدثها بقراراته الأخيرة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية وسط فئات الشعب المغربي، وخاصة الموظفين والشباب العاطل وعموم المواطنين المتضررين من الجائحة (ارتفاع نسبة البطالة إلى 14 في المائة). ومن أفظع القرارات وأخطرها في هذه الظرفية الدقيقة:
1 ــ فرض ضريبة التضامن على الموظفين الذين يتقاضون 10 آلاف درهم فما فوق شهريا، علما أن هذه الفئة هي “الحيط القصير” الذي تلجأ إليه الحكومة كلما اشتدت الأزمة المالية. وعوض أن تفعّل الحكومة القوانين الجاري بها العمل وتقدّم ملفات الفساد ونهب المال العام إلى القضاء لاسترجاع الأموال المنهوبة والمهرَّبة، وهذا ما ينص عليه الدستور، فضلت إثقال كاهل الموظفين بمزيد من الاقتطاعات. وهذا جبن سياسي وخرق دستوري.
2 ــ تبذير المال العام بكل سفه في ما لا مردودية له اقتصاديا أو اجتماعيا. فبحسب المعطيات التي تضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2021، وهي سنة الأزمة بامتياز بسبب جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية ، قررت حكومة البيجيدي تبذير آلاف الملايير على اقتناء التجهيزات الخاصة بالوزارات والإدارات العمومية وكأن المغرب، إما خارج من كوارث طبيعية، لا قدر الله، دمرت كل التجهيزات والوسائل، أو حديث الاستقلال لم يترك الاستعمال غير بنيات تحتية وتجهيزات متآكلة. إذ في ظل وضعية الوباء، خصصت الحكومة 1900 مليار سنتيم لتجديد تجهيزات المكاتب واقتناء سيارات فاخرة لفائدة الوزراء والمدراء العامين بمختلف الإدارات العمومية. فضلا عن هذا، فقد رصد 200 مليار سنتيم لأداء فواتير الهواتف والأنترنيت والكهرباء والماء الخاصة بالقطاعات الوزارية التي من المفروض أن تعتمد إجراءات تقشفية صارمة لتخفيف العبء المالي عن الميزانية العمومية التي تعاني من العجز في الظروف العادية، والذي تعمّق بسبب الوباء. لم يأبه رئيس الحكومة بهذا النزيف في المالية العمومية، بل زاد من حدته لما خصص 2960 مليار سنتيم كإعانات تمنحها الحكومة للمؤسسات العمومية التي باتت عبءا ثقيلا على المالية العمومية؛ مما يفرض على رئيس الحكومة إعادة النظر في كثير من هذه القطاعات بإلغاء تلك التي فقدت جدواها وانعدمت مردوديتها تمشيا مع خطاب العرش 2020 الذي حث على إحداث إصلاح عميق للقطاع العام والمقاولات العمومية لتحقيق التكامل ورفع أدائها الاقتصادي والاجتماعي.
3 ــ تعيين أعضاء الهيأة الوطنية لضبط الكهرباء في ظل الأزمة الناتجة عن الجائحة برواتب وتعويضات لا تقل عن رواتب وتعويضات الوزراء. وأيا كانت أهمية هذه الهيأة، فإن ظروف الأزمة تفرض تأجيل تعيين أعضائها إلى ما بعد تعافي الاقتصاد والمالية العمومية. لكن رئيس الحكومة كان له رأي مغاير ومعاند للرأي العام الوطني الذي استنكر هذا التعيين.
4 ــ تخصيص 11 مليار سنتيم لأداء رواتب وتعويضات 178 مستخدم بالوكالة المغربية للطاقة المستدامة MASEN. بل إن المعطيات التي تداولتها بعض المواقع الالكترونية تشير إلى أن معدل راتب وتعويضات كل مستخدم بالوكالة يصل إلى 10 ملايين سنتيم شهريا. طبعا لن يسأل رئيس الحكومة نفسه هل خزينة الدولة تتحمل مزيدا من النفقات لأنه كما يقول المثل الشعبي “لي ما ولدو ما حن عليه”. وكيف له أن يحمل همّ المالية العمومية وحزبه فتح كل الأبواب للغزو التركي للسوق المغربية فتسبب في تشريد آلاف العمال وإغلاق مئات المقاولات.
5 ــ تخفيض رسم الاستيراد المطبق على الإطارات المطاطية الخاصة بالحافلات والشاحنات وجرارات الطرق والمركبات والآلات الزراعية وآلات الهندسة المدنية من 40 في المائة إلى 17.5 في المائة. فكل هذه الآليات لا يملكها بسطاء المواطنين ومحدودي الدخل، بل هي في حد ذاتها تدر مداخيل مهمة لفائدة مالكيها، ومن ثم لا شيء يضطر الحكومة لتخفيض رسوم الاستيراد عليها. كان عليه أن يخفض الرسوم على الأدوية، وخاصة أدوية الأمراض المزمنة باهضة الثمن.
6 ــ تخفيض الضريبة التضامنية على شركات قطاعات الاتصالات والاسمنت و المحروقات من 5% إلى 3،5%، علما أنها شركات راكمت ثروات هائلة، سواء من الاحتكار أو من التواطؤ على الإبقاء على الأسعار مرتفعة رغم انخفاضها عالميا (الاتصالات، المحروقات )، فضلا عن تغاضي الحكومة عن مطالب المعارضة البرلمانية باسترجاع 17 مليار درهم من شركات المحروقات.
إن رئيس الحكومة، وهو يُقْدم على مثل هذه القرارات المجحفة في حق المالية العمومية وعموم الموظفين، يثبت أنه لا يتعامل مع التقارير التي تهم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب بكامل الجدية والمسؤولية، ومنها تقرير متابعة الوضعية الاقتصادية للمغرب الذي أصدره البنك الدولي والذي يتوقع فيه انكماشا للاقتصاد المغربي بنسبة 6.3 % خلال السنة الحالية بسبب أزمة جائحة كورونا ووضعية الجفاف، فيما تقرير صندوق النقد الدولي يتوقع انكماشا يصل إلى 7 %. فرئيس الحكومة يتعامل باستهتار حتى مع تقارير المؤسسات الوطنية (المندوبية السامية للتخطيط تتوقع انكماشا بنسبة 5.8، أما بنك المغرب فيتوقع تراجعاً بـ6.3 %).
هذه التقارير كافية لتجعل رئيس الحكومة يراجع كل التعويضات والامتيازات الممنوحة لكبار الموظفين وللشركات والمقاولات الكبرى، وأن يتخذ القرار السياسي الجريء بربط المسؤولية بالمحاسبة والشروع في محاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة. فالاقتصاد الوطني والمالية العمومية لن يتعافيا من آثار الجائحة بمجرد القضاء على الوباء ، بل ستمتد لسنوات، وهذا الذي لا يستحضره رئيس الحكومة حين يهم باتخاذ القرارات إياها، بل ربما لا يدرك خطورة أن نسبة السكان المعرضين للفقر سترتفع خلال السنة الجارية، بحيث ستنتقل من 24.4 في المائة إلى 27.5 في المائة.
Source : https://dinpresse.net/?p=11543