د. محمد إكيج
من الأحكام الجاهزة التي علقت بذهنيات ونفسيات معظم المسلمين أن المجتمعات الغربية وبعض المجتمعات الأسيوية مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية… بدون قيم وعديمة الأخلاق ـ هكذا بإطلاق ـ ويستدلون على ذلك بوجود مجموعة من السلوكيات الأخلاقية المعتبرة دينيا منحرفة مثل شرب الخمر والزنا والشذوذالجنسي.. وما شابه هذه السلوكيات التي يعتبرها مرتكبوها في المجتمعات الغربية أو الأسيوية “حريات فردية”..
لكن ما يتعامى عنه المسلمون أو بالأحرى منظريهم الذين يسوقون لهم هذه الانطباعات هو أن هذه السلوكيات الفردية غير مؤثرة بتاتا في تطور ونمو وفعالية ونجاعة تلك المجتمعات على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية والإدارية والمالية والإنسانية وغيرها… لأنها تعتمد في بنائها وتماسكها وفي علاقاتها العامة على قيم صلبة مثل قيم العدل والحرية والمساواة أمام القانون والكرامة الانسانية والشفافية والنزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الغش في المعاملات واحترام الخصوصيات والجودة والاتقان في العمل وضبط المواعيد، بل والصرامة فيها والصدق في القول والمعاملات والنظام في كل شيء… وغيرها من القيم البانية المتينة..
فشارب الخمر مثلا في تلك المجتمعات لا يمكن أن يفتعل التغيب عن العمل بشهادة طبية مزورة.. كما هو الحال في مجتمعات المسلمين سواء من شارب خمر أو قائم لليل!! وذاك الشخص الذي يبدو لك سفيها وتافها لأنه وشم جسده كاملا بأوشام غريبة ويضع أقراطا في أذنيه أو في أنفه أو حواجبه.. وهو يعمل في محطة قطار أو مطار أو سوق تجاري أو مصلحة إدارية… لا تجده يغش في عمله أو يتباطأ في إنجاز مهامه أو يسيء معاملة زبنائه أو مرتفقيه أو يعصر على شرب فنجان قهوة لوقت طويل…
كما نجد للأسف في مجتمعات المسلمين التي تسير فيها الخدمات سير السلحفاة لأن مؤسساتها ـ للأسف ـ لا تعمل إلا بأقل من 10% أو ما يزيد قليلا من مواردها البشرية.. بسبب تفشي لسلوكيات جماعية معدية وسلبية وقاتلة فيها مثل الغش والتلكؤ والخمول والتباطؤ واحتقار الناس…
وهذا لا يمنع من وجود فيهم من يتصف بالأخلاق الفردية الحميدة كالمحافظة على الصلاة في وقتها وربما صيام النوافل وقراءة القرآن يوميا.. وربما يحرص على ذلك حرصا شديدا حتى في أوقات العمل!!!
إن هذه المفارقات الصادمة تحتاج منا إلى وقفات نقدية صارمة وصريحة.. والاعتراف بأن السلوكيات الفردية هي سلوكيات قاصرة على أصحابها لا يتعدى نفعها للغير.. وقد تكون سلوكيات رخوة ومغشوشة وتصيب بسلبياتها عموم الجماعة..
في حين أن القيم الصلبة هي قيم بانية وآثارها متعدية تنفع الأفراد والجماعات.. وبسيادة القيم الأولى تبقى مجتمعاتها مترهلة وزاحفة في سلم العمران البشري.. وأما حين تسود القيم الثانية فإن مجتمعاتها تحقق الشهود الحضاري والانساني حالا واستقبالا..