ذ . محمد جناي
في ظل التقدم العلمي المشهود في الوقت الحاضر ، أصبحت النظرة للقيادة مختلفة عما كانت عليه سابقا، إذ انتقلت القيادة من النظرة الديكتاتورية وتهميش الأتباع إلى القيادة الإنسانية الأخلاقية ، التي تهدف إلى الاهتمام بالأتباع والعمل على تلبية حاجاتهم، لتظهر نمط القيادة الأخلاقية التي تهدف إلى تحسين الظروف الإدارية والإجتماعية والنفسية والمادية والبيئية السائدة داخل المنظمة والتي لها أثر كبير في العلاقات الوظيفية والشخصية بين الأعضاء العاملين في المؤسسات التربوية ، وهذا مايسمى بالمناخ التنظيمي.
حيث شهدت المؤسسات التربوية وعلى اختلافها في العقود الأخيرة ، عدد من المشكلات ، والتي تتمثل بالأساس إلى الإشراف السيء ، القيادة غير الأخلاقية ، القيادة السامة، القيادة المدمرة، القيادة المستبدة ، العزلة الاجتماعية والاغتراب في مكان العمل، هذا إلى جانب تفشي عدد من المشكلات التنظيمية والسلوكيات غير اللائقة بين أفرادها، وكذا اتباع القيادة العليا لعدد من السياسات غير المقبولة في إدارة مواردها البشرية ، وهو ما انعكس سلبا على بيئتها التنظيمية، وأضعف من قدراتها التنافسية ، كما قلص من ثقة المجتمع بها ، واقتضى ضرورة تحسين ظروف العمل فيها.
لهذا أصبحت القيادة تعد من أهم الموضوعات بل وأبرزها في عالم الإدارة الحديثة، حيث إن القيادة باتت المقياس الذي تعتمد عليه نجاح المنظمة ،فمعظم النجاحات أو الفشل تعزى إلى كفاءة القيادة أو فشلها، كما أنها تعد المحك الأساسي الذي من خلاله تحقق المنظمة أهدافها.
فبينما نجد القيادة العليا ترغب في تحقيق المردودية المنشودة ، فإن العاملين ينشدون الحصول على بيئات عمل أكثر مثالية ، في حين يأمل الأكاديميون في اكتشاف أفضل الأساليب التي تكفل تحقيق كلا الهدفين،الأمر الذي اقتضى ضرورة أن تدار هذه المنظمات بأساليب مختلفة وأنماط قيادية حديثة، وهو ما حدا بالباحثين إلى صياغة العديد من نظريات القيادة المتنوعة ، والتي تستند في مضمونها إلى القيم الإنسانية ، ومنها : نظرية القيادة الأخلاقية ، والتي تعد من أحدث الممارسات التنظيمية الشائعة ، والتي نالت اهتماما كبيرا من جانب الباحثين في السنوات الأخيرة .
فالأخلاق تعتبر قاسم مشترك بين المهن المختلفة في المجتمع الواحد حيث لا تخلو مهنة من الضوابط الأخلاقية التي تحكم تصرفات أفرادها، وذلك لأن الأخلاق تتأثر بالإطار الفكري والمستوى الحضاري الذي يقيسه المجتمع، ولهذا باتت أخلاقيات الإدارة من المواضيع التي اهتمت بها المؤسسات التربوية ، انطلاقا من وجوب الالتزام بالقيم الأخلاقية والقدرة على إدارة المنظمة بسلوكيات أخلاقية ، فالقيادة الأخلاقية تبدأ من ممارسة القيادي للقيم الأخلاقية المتمثلة بالعدالة والنزاهة والموضوعية والأمانة في أداء الواجبات وفي تقديم المساعدة والعون للآخرين، وتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم والتعرف على الأفراد
وتتميز القيادة الأخلاقية برؤيتها الراسخة لذاتها، واهتمامها بالآخرين ، ولربما بصورة أكبر من ذاتها المعنوية ، والانفتاح على كل من الأفكار الجديدة والتغذية المرتدة ، وتمثل الكفاءة الأخلاقية للقادة الإداريين أحد الفضائل التنظيمية المهمة، والتي يتمخض عنها العديد من الفوائد الإيجابية، ومنها على سبيل المثال : الاندماج في العمل ، الرضا الوظيفي وأداء الفريق،ووفقا لنظرية التعلم الاجتماعي فإن الأفراد يتعلمون السلوكيات عبر عملية نمذجة الدور، والتي تتحقق من خلال ملاحظة سلوكيات الآخرين.
ومن هنا فإنه ينبغي على القادة التحلي بأسمى القيم الأخلاقية والتزام السلوكيات الأخلاقية في أقوالهم وأفعالهم وقراراتهم وسلوكياتهم اليومية ، حتى يصبحوا قدوة حسنة لمرؤوسيهم، ولذا انصب اهتمام الباحثين على فهم طبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه القادة في تشكيل السلوكيات الأخلاقية لتابعيهم، وتعد الكفاءة متغيرا تحفيزيا يتعلق بمهام العمل ، والتي تؤثر على خيارات الفرد لأفعاله، ومقدار الجهد الذي سيبذله، ومثابرته على التنفيذ، وتمثل الكفاءة الأخلاقية إذن أحد أنواع الكفاءات المرتبطة بالسلوك الأخلاقي ، والتي تشير إلى معتقدات الأفراد حيال قدرتهم على تنظيم وشحذ دافعيتهم ومواردهم المعرفية ومسار أفعالهم الضرورية لتحقيق إنجاز أخلاقي ضمن مجال أخلاقي محدد.
ويعرف Ponnu و Tennakoon القيادة الأخلاقية بأنها:” بيان السلوك العملي الملائم طبيعيا عن طريق التصرفات الفردية والعلاقات التفاعلية، وتحسين سلوك العاملين عن طريق التواصل معهم واتخاذ القرارات”، ويشير Stiab و Maninger إلى أهمية القيادة الأخلاقية لدى الرؤساء والمشرفين في المؤسسات التعليمية حيث إنها تعمل على تعزيز الفهم والإدراك العملي عن طريق اللجوء لعدد من التصورات والمفاهيم العملية التي تحقق منفعة للمؤسسة أكثر من تحقيق المصلحة الشخصية.
فتكمن أهمية القيادة الأخلاقية في المنظمة في مدى تأثيرها في الكثير من المجالات مما يجبر المنظمات على الالتزام به وتوجيهه كتعزيز مصداقية المنظمة مع المرؤوسين ، وتزويد المنظمات بالربح والمساعدة في تحسين عملية صنع القرارات، وإيجاد المصداقية بين المنظمة والمجتمع، والمحافظة على المجتمع والبيئة بمستوى أكبر من القوانين والأنظمة.
ولهذا تتمثل مبادئ القيادة الأخلاقية عند Freakleyو Burgh في عدة أبعاد تتمثل فيما يلي:
الأمانة والصدق والإخلاص في العمل القيادي؛
الاهتمام بمبادئ العلاقات الإنسانية عند الأفراد العاملين في المؤسسة؛
يحترم القوانين والأنظمة القائمة في المؤسسة؛
يعمل على تطوير القوانين التربوية بكافة الوسائل المشروعة؛
يبتعد عن انتهاز منصبه لكسب مصلحة شخصية؛
يحافظ على المستوى المهني لديه ويسعى لتطويره؛
يحترم كافة الاتفاقيات والعقود في المؤسسة ويلتزم بها؛
تحمل القادة مسؤولية الأعمال والنتائج المتوقعة لتلك الأعمال والتي تتضمن أن تتوافق مع المبادئ الإنسانية السامية.
كل هذا وأكثر يجعل الاهتمام بالقيادة الأخلاقية ضرورة لا غنى عنها للمؤسسات التربوية المعاصرة، وهو ما استشعرته العديد من المؤسسات التربوية الناجحة ، مما دفعها لمزيد من الاهتمام به والاستثمار فيه بالشكل الذي يعود بالنفع على المؤسسة كلها.
وصفوة القول إنه طالما أن القائد الإداري من الدعائم الأساسية للمنظمة، فإن هذا يتطلب الاهتمام بالجانب الأخلاقي لديه، الذي بدونه تصبح المنظمة بلا معنى وبلا قيمة، فالجانب الأخلاقي من أهم جوانب شخصية القائد، وعليه تقوم أخلاقيات المهنة التي هي عبارة عن مجموعة من القواعد والأسس التي ينبغي أن يتمسك بها القائد ويعمل بمقتضاها ، وبذلك يكون ناجحاً في تعامله مع العاملين في المنظمة ومجتمعه، وناجحا في مهنته لأنها تمكن من اكتساب ثقة العاملين وزملائه في العمل.
ـــــــــــــــ
هوامش
(1):د. أحمد أغبال ،العلاقة بين الكفاءة الأخلاقية ومهارات التفكير النقدي لدى الأساتذة المتدربين في المغرب،المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية ، العدد 12 مارس 2021، إصدار المركز الديموقراطي العربي .
(2):مجلة كلية التربية ، جامعة الأزهر ، العدد : 170 الجزء الرابع أكتوبر لسنة 2016.
Source : https://dinpresse.net/?p=16470