الصادق العثماني ـ البرازيل
لا يخفى أن مكانة القائد الديني في المجتمعات المعاصرة تفرض عليه مسؤوليات جسيمة تتجاوز حدود الفتوى التقليدية أو التوجيه الوعظي، فالعالم اليوم يعيش تحولات متسارعة في شتى المجالات: من الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، إلى التغيرات المناخية والاقتصادية والعلاقات الدولية المعقدة، بالإضافة إلى تداخل وتتشابك قضايا الإنسان بين الأخلاقي والديني والسياسي والاقتصادي.
هذه التحديات كلها تطرح على القائد الديني أسئلة جديدة لم يعرفها السابقون، وتستوجب مقاربات علمية وفكرية أعمق مما كان سائداً في عصور التأسيس، علما ان التجديد الديني ليس هو الخروج عن النص المؤسس كما يظن البعض؛ بل هو عودة إلى مقاصده الكبرى.
فالقائد الديني أو الفقيه إذا لم يستوعب علوم الاقتصاد والاجتماع والبيئة المعاصرة، فلن يكون قادراً على إصدار حكم شرعي يواكب قضيا الناس ومستحدثات الأمور في عالم الشهادة ( الحياة).
غير أن الملاحظ – للأسف – أن كثيراً من القادة الدينيين ما زالوا أسرى فتاوى قديمة وأفكار تجاوزها الزمن، يكررون ما قيل قبل قرون دون مساءلة أو محاولة للتجديد.
وهذا الجمود يحرم المؤسسات الدينية من القيام بدورها الحقيقي في توجيه المجتمعات نحو المستقبل، ويجعل الخطاب الديني غير قادر على الاستجابة لتساؤلات المسلم المعاصر.
إن التجديد والاجتهاد لم يعودا خياراً فكرياً أو ترفاً معرفياً، بل أصبحا واجباً شرعياً وعقلياً، فالنصوص الدينية، قرآناً وحديثاً، نزلت في سياقات تاريخية محددة، لكنها تحمل بين أجنحتها مقاصد كبرى وقواعد عامة صالحة لإعادة القراءة بما يخدم الإنسان في كل زمان ومكان.
لذلك يبرز مطلب تأسيس قواعد فقهية جديدة تتناسب مع المستجدات، وتسمح بمعالجة قضايا لم تكن مطروحة في عصر النبوة ولا في عهد الصحابة ولا حتى في زمن تأسيس المذاهب.
القائد الديني أو الفقيه في القرن الحادي والعشرين مدعو إلى أن يكون عالماً بعلوم عصره: بالاقتصاد، والاجتماع، والعلوم الطبيعية، والتكنولوجيا الحديثة، إلى جانب علوم الشريعة.
فالعلم الشرعي وحده، بمعزل عن أدوات التحليل الحديثة، لن يمكنه من الإسهام في إعمار الأرض وبناء الحضارة، وهو جوهر الرسالة المحمدية، وعليه، فإن استمرار الدوران في حلقة الموروث دون تجديد يجعل من القادة الدينيين مجرد خطباء بلا أثر، في حين أن استيعاب الزمان والمكان يمنحهم القدرة على إفادة البشرية، والمساهمة في توجيه طاقات الإنسان نحو الخير والعدل والسلام..
فالخطاب الديني المعاصر للقادة الدينيين يعاني من الجمود والانعزال عن قضايا الناس؛ حيث تُعاد إنتاج الفتاوى القديمة دون قراءة جديدة للسياق الحالي، هذا الجمود في الحقيقة لا يهدد فقط بضعف تأثير المؤسسات الدينية، بل قد يفتح الباب أمام تيارات متطرفة تستغل الفجوة بين النص والواقع.
فالخيار أمام القادة الدينيين واضح: إما الانفتاح على روح العصر والاجتهاد من داخل النصوص والمقاصد، أو الاستمرار في التكرار الذي لا يزيد الأمة إلا جموداً وتخلفا .
فالمسلم المعاصر اليوم لم يعد يقبل خطابات معزولة عن واقعها. فإذا لم تقم المؤسسات الدينية أو القادة الدينيون بتقديم إجابات مقنعة للشباب المسلم المعاصر، فسوف يبحث عنها بنفسه في مصادر أخرى غير إسلامية، وربما خارج الإطار الديني كليا.
ختاما، يبقى السؤال المطروح: هل ينجح القادة الدينيون في كسر حلقة الجمود والانفتاح على آفاق الاجتهاد والتجديد؟ أم سيظلون يدورون في دائرة مفرغة تعيد إنتاج الماضي دون أثر في الحاضر والمستقبل؟