14 سبتمبر 2025 / 11:06

الفيلسوف مافيزولي يحذر من تحولات عصر القبائل: الفرد يتراجع والحشد يتقدم

هذا كتاب من تأليف الفيلسوف الفرنسي ميشيل مافيزولي، وترجمه للعربية، الباحث المغربي عبد الله زارو، وصدر عن دار أفريقيا الشرق، مقرها الدار البيضاء.

يقدّم الكتاب بديلا للسوسيولوجيا الكلاسيكية: بدل البحث عن المجتمع كوحدة كبرى أو عن الفرد كذات مستقلة، يجب التفكير في “الاجتماعية القبلية” كحالة ما بعد حداثية تتسم بالهشاشة والتعددية. ويجادل مافيزولي بأن المجتمع الجماهيري الحديث لم ينتج فردانية مطلقة، بل “قبائل” عاطفية ومؤقتة، تعتمد على الروابط العاطفية والتذوق المشترك بدلا من الهياكل التقليدية (مثل الطبقة أو الدولة). يرى أن ما بعد الحداثة أدّت إلى انحدار الفردانية وصعود “القبائل”، حيث يشكّل الأفراد مجموعات صغيرة مبنية على الاستهلاك، الثقافة، والعواطف.

هذه القبائل مؤقتة ومتعددة، وتعكس “السحر الديونيسوسي”، مقابل العقلانية الأبولونية.

الكتاب نقد للنظريات التقليدية للمجتمع مثل دوركهايم وفيبر، مدعيا أن المجتمع الجماهيري ينتج تماسكا عاطفيا، بدلا من اجتماعيا.

المحاور الرئيسية للكتاب

نهاية الفردانية وصعود القبائل

يفتتح مافيزولي بتفكيك الأسطورة الحداثية عن الفردانية المطلقة، مؤكدا أن ما بعد الحداثة لم تعزّز عزلة الفرد بل دفعت نحو أشكال جديدة من الانتماء الجماعي. لم تعد الروابط قائمة على البنية الصلبة، أي الطبقة، الأسرة، الدولة، بل على العاطفة والتجربة المشتركة.

أبرز النقاط: الفردانية ليست سوى واجهة أيديولوجية؛ في العمق ظل الإنسان كائنا جماعيا يبحث عن الانتماء.

مثال: تجمعات المشجعين الرياضيين أو الموسيقيين التي تعيد إنتاج روابط بديلة للهوية الفردية.

القوة تحت الأرض

يميّز مافيسولي بين القوة، كطاقة حيوية وعاطفية تتفجر في القبائل، والسلطة، كتنظيم هرمي رسمي. يرى أن القبائل ما بعد الحداثية تعيش على هذه القوة تحت السطح، متفلّتة من مؤسسات السيطرة التقليدية.

أبرز النقاط: القوة هي البعد غير المرئي الذي يمدّ القبائل بالحيوية، بينما السلطة تحاول دائما تقييدها.

مثال: موسيقى الروك أو الهيب هوب كقوة ثقافية تولّد قبائل شبابية عابرة للحدود رغم مقاومة السلطات السياسية أو الإعلامية.

الاجتماعية مقابل الاجتماعي

يطرح مافيسولي مفهوم الاجتماعية، كشبكة من الروابط العاطفية والهويات المتعددة، في مقابل الاجتماعي، ككيان مؤسسي صلب، أي الدولة، الاقتصاد. يرى أن التحولات ما بعد الحداثية تميل إلى الاجتماعية، أي الروابط المرنة والمؤقتة.

أبرز النقاط: “الاجتماعية” تفضّل التلاقي اللحظي والتجربة المشتركة، بينما “الاجتماعي” ينتمي إلى منطق الانضباط والمؤسسات.

مثال: اللقاءات العفوية في الفعاليات الثقافية أو الرقمية (مثل مجتمعات الألعاب الإلكترونية) كأشكال جديدة من “الاجتماعية”.

 الديونيسوسية والأبولونية

يستعير مافيسولي ثنائية نيتشه بين الديونيسوسي (العاطفة، الفوضى، الاحتفال) والأبولوني (العقل، النظام، الانضباط). يرى أن ما بعد الحداثة تحيي الروح الديونيسوسية من جديد، حيث تبرز القبائل كتعبير عن انغماس جماعي في الطقوس والاحتفالات.

أبرز النقاط: المجتمع لم يعد عقلانيا بحتا؛ بل يعاد سحره عبر الرموز، الطقوس، والاحتفاليات.

مثال: مهرجانات الموسيقى الإلكترونية كمساحة ديونيسوسية تذيب الحدود الفردية لصالح تجربة جسدية/جماعية قصوى.

القبائل والاستهلاك

يربط مافيسولي بين تكوين القبائل ونمط الاستهلاك، حيث تتشكل هويات جماعية حول أنماط استهلاك مشتركة، موضة، موسيقى، رياضة، تقنيات. لم يعد الاستهلاك مجرد اقتصاد، بل أصبح وسيلة للتماهي والانتماء.

أبرز النقاط: الاستهلاك ليس ماديا فقط بل عاطفي، رمزي، يخلق فضاءات انتماء بديلة.

مثال: قبائل المعجبين بماركات الأزياء أو مستخدمي منتجات آبل كأمثلة على الهوية الاستهلاكية الجماعية.

المجتمع ما بعد الحداثي كـ”قبيلة كبرى”

النبذة: في الخاتمة، يؤكد مافيسولي أن المجتمع الجماهيري ما بعد الحداثي لا يمكن فهمه عبر النظريات الكلاسيكية (مثل نظرية الطبقات أو نظرية الدولة)، بل عبر منطق “القبيلة الكبرى”: شبكة متداخلة من قبائل صغيرة ومتعددة.

أبرز النقاط: ما بعد الحداثة تعني التعايش بين العقلانية الحديثة والعاطفية القبلية، حيث يتحرك الفرد بين قبائل عدة حسب المراحل والسياقات.

مثال: الفرد المعاصر الذي قد يكون في الوقت نفسه جزءا من قبيلة موسيقية، جماعة سياسية شبكية، ونادٍ رياضي.

وحاصل القول في هذا العرض، عصر القبائل” لميشيل مافيسولي تحليل ما بعد حداثي لانحدار الفردانية في المجتمع الجماهيري، مقدّما صعود “القبائل” العاطفية كبديل. من خلال خمسة فصول (السلطة تحت الأرض، الاجتماعية مقابل الاجتماعي، الديونيسوسية، القبائل والاستهلاك)، يبرز الروابط العاطفية والتذوق المشترك كأساس التماسك. الكتاب رائد لأسلوبه، لكنه مثير للجدل لتبسيطه، مما يجعله مرجعا أساسيا في السوسيولوجيا المعاصرة.

****************

بتصرف عن صفحة أفكار عن نظرية العدالة على منصة فيسبوك:

https://web.facebook.com/profile.php?id=100068559113667