بقلم: أسامة البحري
1 : جون لوك “مقال في الفهم البشري”
مع ظهور النزعة العقلانية ، التي نجد أسسها مع الفلسفة الرواقية ، كانت الفكرة المتداولة حينها هو أن العقل يوجد بقبليات “كالرياضيات و المعاني اللغوية والأشكال الفيزيائية: مثلث الخ ” ، و طبعا هذا ما عززه توماس هوبز و رينيه ديكارت و لايبنتس ، فقد كان الذهن بالنسبة لهم ، مهاد مرصع بقوانين قبلية ، فطرية ، منها يرى العقل الوجود ، و لكن مع ظهور جون لوك (القرن 16 ) ، بأقوى أعماله “مقال في الفهم البشري ” ، تم تجاوز النزعة العقلانية التي تكونت بكتابات هوبز و ديكارت و لايبنتس.
و لهذا فقد انطلق جون لوك من مثال الطفل ، بكونه لا يستطيع التمييز بين لعبه و حبات الحلوى ، فإنه يبقى هو هو ، ثم أضاف لوك مثال الحالة الوحشية التي كانت تفتقر إلى فكرة الله ، فهنا برهن جون لوك ببداهة إلى النزعة العقلانية ، أن العقل هو بما هو (أي بما اكتسبه)، فبالحالة الوحشية مثلا و هو مثال قوي استند إليه جون لوك لتجاوز فكرة القبليات أو الفطريات ، كانت هذه الفترة تفتقر إلى عبادة الماورائيات ، فلو كان حقا العقل يوجد بأفكار فطرية كما يسلم لوك ، لكان في المخطوطات التي وصلتلنا من هذه العصور الهمجية ، وجود لمفاهيم و أفكار لله ، و لكن الأمر يخالف جذريا ما نتوهمه ، و لهذا نجد أن جون لوك بالفصل الثالث من الكتاب الأول لعمله “مقال في الفهم البشري ” ، قد انتقد الفيلسوف الإنجليزي “هيربرت تشيربري ، القرن 16 ” ، الذي أسس مذهب التأليه الطبيعي بنظريته عن فطرية الأفكار.
فهنا بين لنا جون لوك بطريقة ضمنية “انتقاده للنزعة العقلانية ” (ضمنية بمعنى أن الفيلسوف تشيربري لم يكن مشهورا كرينيه ديكارت ” ، و لهذا فإذا ما انتقلنا مع جون لوك إلى الكتاب الثاني من عمله “مقال في الفهم البشري ” ، سنجد أن جون لوك يعرض لنا فكرته المحورية حول الذاكرة الخالية ، فالعقل حسبه يوجد صفحة بيضاء ، أي خاليا تماما من المضامين ، و بفعل التجربة يكتسب العقل مضامينا عبر تجميع الأفكار البسيطة أو المكتسبات الأولى ، و يقسم جون لوك الأفكار البسيطة ، إلى أفكار نكتسبها من حاسة واحدة (كالألوان / الأصوات / الطعم / اللمس / الإيقاعات / الحرارة / الصلابة) ثم هناك الأفكار البسيطة التي نكتسبها من أكثر من حاسة واحدة ، كالمكان و الشكل و الحركة و السكون ، ثم هناك أفكارنا نحن التي تتمخض من قدرة الوعي على الشك و التفكير (القدرة على توليد أفكار جديدة ، من خلال صهر ما تم إكتسابه ).
و قد سلم نقاد جون لوك ، أننا حقا لا ندرك إحساسات متجزئة ، بل ما يقع هو أننا ندرك موضوعات بوصفها كلا ، و هذا حقا ما عززه جون لوك ، فإن ما نكتسبه هو عبارة عن صفات كلية للجزيئات التي نكتسبها ، و لهذا سيضيف جون لوك أن كتلة النار أو الثلج الخ ، هي صفات تتكدس مع بعضها داخليا ، فهي من ناحية الوجود موجودة ، و لكن أعراضها غير موجودة من ناحية الكنه و الماهوية “، فالسخونة و البرودة و البياض صفات كلية ، تتمخض عن امتدادات أجزاء الكل بالزمكان ، ولهذا سيسلم جون لوك بأنه إذا ما جردنا الألوان عن الأعين ، و الأصوات عن الأذن و الأذواق عن اللسان ، و الرائحة عن الأنف ، بأن نجعل العين لا ترى و الأذن لا تسمع و الأنف لا يشم ، فإن الصفات ستتلاشى.
وبهذا سيقسم جون لوك الصفات إلى ثلاث : الصفات الأولية : المتواجدة فعلا في الأجسام الفيزيائية سواء أدركناها أو لم ندركها ، ثانيا : مؤثرات الأجسام الفيزيائية، التي تؤثر في حواسنا مما يؤدي ذلك إلى إحداث أفكار عن الصفات الثانوية للأجسام الفيزيائية ، ثالثا : الأجسام الفيزيائية تمتلك في تركيبتها الخاصة القدرة على التغير ، و هذا ما نكتسبه (التغير هو ما نكتسبه) ، كالشمع الذي يؤثر فيه الشمس ، فتجعله أبيضا ، و لهذا فالذهن حسب جون لوك ، يكون أفكارا مركبة من أفكار بسيطة ، في مركب واحد ، كالجمال ، الإنسان ، الكون الخ ، زد على ذلك الربط ، فهو قادر على ربط فكرتين مركبتين معا ، من أجل المقارنة (دون أن يجمع ما بينهما ، كـ الأم و الأب ، الابنة و الأم ، الأبن و الأم الخ ).
وقد يجرد العقل فكرة من الأفكار الأساسية التي تلازمه ، ليجعلها ممثلة لأفكار تشبه النوع ذاته ، فاللون الأبيض مثلا ، يتم فصله عن الأفكار البسيطة التي التحمت معه داخل الدماغ ، كالطباشير ، الثلج ، اللبن الخ ، و ما يفعله الدماغ بعد ذلك ، هو رسمه لإطار متسع بخاصية اللون هذه التي تجمع الطباشير و اللبن و الثلج الخ ، و بذلك يصبح اللون الابيض يضم الطباشير و اللبن و الثلج الخ ، و لهذا فحسب جون لوك ، العقل يكون أفكاره ، من خلال (الضم و العلاقة و التجريد) : اللون الأبيض جرده عن الأجزاء التي اكتسبت معه = الطباشير و اللبن و الثلج و لب اللوز الخ.
ثم ربط الذهن بعدها علائقيا بين كل الأجزاء المكتسبة مع اللون الأبيض ، فأصبح هذا اللون الذي انتزع من هذه الأفكار البسيطة او المكتسبات ، يضمهم اللون الأبيض ، و هذه الخاصية تنطبق حسب جون لوك على العديد من المكتسبات المعقدة و البسيطة ، و لهذا فالذهن حسب جون لوك ، يشتغل بثلاث أنواع مختلفة من المعرفة المركبة ، أولا : إلتحام أعراض قضايا موجودة ، إمتدادا : كالمكان / الطول / العرض / الإرتفاع ، ثانيا : الأعراض المركبة : فهي أفكار تتكون من أجزاء متنوعة ، كالعرفان بالجميل ، الذي يتمخض عن أجزاء متنوعة قد تكون مادية ملموسة أو رمزية ، ثالثا : الجواهر حسب جون لوك تجمع من الأفكار البسيطة ، تلتحم مع بعضها لتكون كتلة جزيئية قائمة بذاتها.
ولهذا يرى جون لوك أن فكرتنا عن الله قد كونتها أذهاننا ، عن طريق تضخيم فكرة اللاتناهي لتلك الأفكار الخاصة بالوجود و الديمومة و القوة و السعادة و المتعة، وإلى جانب التضخيم يرى جون لوك أن هناك طريقة أساسية أيضا يستعملها الذهن ، هي العلاقات ، و من بين العلاقات الأساسية ، هي علاقة العلة و المعلول (الهوية و الإختلاف) ، فحينما ندرك حدثا فإنما ندرك ما سيتبعه ، و لهذا فإننا نسمي الأول العلة و الثاني المعلول ، و بهذا تتوحد الهوية “فحينما نقول كما يسلم جون لوك : ثمار البلوط فنحن نتكلم أيضا عن شجرة البلوط التي نشأت الثمار منها ” و بهذا تتوحد الهوية ، و كذلك الوجود الإنساني فحينما نتكلم عن الطفلة و الطفل فنحن نفترض الوجود المستمر للموضوع الواحد ، مما يجعل الهوية تتوحد بالتحام الطفلة مع مرأة عجوز ، و بهذا فالذهن حسب لوك ، يوحد علاقته الماضوية مع حاضره مما يجعل وجوده هو هو ، وبهذا ينتقل بنا جون لوك في الكتاب الرابع من عمله ” مقال في الفهم البشري ” إلى نتائجه حول المعرفة البشرية.
وفي هذا الصدد يرى جون لوك أن المعرفة هي اتفاق أفكارنا ، التي تجعل من الهوية هوية ، بمعنى أن المضامين المكتسبة بتكرارها “خارجيا و داخليا “، تترسخ وتتميز في تركيبتها عن باقي الأفكار البسيطة ، فحينما نقول البرتقالى دائرية التكوين و لونها برتقالي ، فهي هنا تتميز من خلال معناها و المترسخ بالتكرار ، عن شكل الطماطم و لونها ، و بهذا سيقسم جون لوك درجات الحس إلى ” المعرفة الحدسية ” : التي يكتسب فيها اتفاق فكرتين بسيطتين أو اختلافهما ، دون ان تتوسطهما اي فكرة ، و بهذه الطريقة نعلم أن اللون الاحمر ليس هو اللون الأسود و الدائرة ليست مثلثا ، علاوة على ذلك “المعرفة البرهانية ” : التي تعني جعل بعض الأفكار ، تتوسط ركائز المعنى الذي نريد التعبير عنه ، فمثلا : حينما سأرشد شخصا لمكان يريد التعرف عليه لأول مرة ، فإن الأمر سيتعصي علينا كلانا (سيستعصي لأنه توجد نقطة بداية و لا توجد نقطة نهاية )، ولهذا سأضطر إلى إدخال بعض الأماكن كأفكار تتوسط فكرة البداية و فكرة النهاية ، فهذا المثال ينطبق تماما على باقي أبعاد البرهان ” سواء اللغوي او ما شابهه من أجزاء المعرفة ” ، و من جهة أخرى ، و أخيرا نجد ” المعرفة الحسية ” : هذه المعرفة تؤكد وجود عالم خارجي ، يحتوي على أشياء جزئية و صفات أولية تلازم الجواهر ، و بهذا فإننا نجمع ملاحظات عن الجواهر و عن ارتباطاتها ، بصفاتها الأولية ، و هذا ما يفتح لنا أفق التنبؤ بالممكن ، أي بما سيحدث مستقبلا.
2 : جورج بركلي” مبادئ المعرفة البشرية ”
ظهر بركلي ، متأثرا بفكرجون لوك التجريبي ، و لهذا فإذا كان جون لوك قد رفض الأفكار الفطرية ، فإن جورج بركلي قد ذهب بعيدا عن ما شكله جون لوك ، فقد إنتقد الأفكار المجردة ، و في إنتقاده هذا ، إنطلق من تفكيك و تحليل أسس المعرفة التجريبية ، و لهذا سيسلم بركلي بأن كل ما نعرفه هو ناتج عن التجربة ، و أن الوجود بأكمله هو عبارة عن أشياء لا عن مواد ، فكل شيء موجود حسب بركلي هو مدرك ، و لهذا فالوجود حسب بركلي هو إدراك ، بمعنى أن كل ما نعيه هو تجمع من صفات محسوسة.
وهنا يتبين لنا ان بركلي يؤمن كأرسطو تماما ، بأن هناك قياسا يوجد مع الذهن ، فحينما أرى حسب بركلي تفاحة واحدة ، ناتجة عن امتزاج عدة خصائص ، كاللون / الرائحة / الشكل ، و لكن السؤال الذي خطر ببال بركلي ، هو : لماذا لا أرى رقما واحدا ، مع هذه الأجزاء ؟ هنا توقف بركلي على فكرة أساسية و هي القبليات التي توجد مع الدماغ ، و بهذا يكون بركلي انتقد أفكار جون لوك التي وضعها بعمله ” مقال في الفهم البشري” ، و خصوصا فكرته المحورية التي تتأسس على العلاقة القائمة بين التجربة و اكتساب المعرفة ، و بهذا يضيف بركلي فكرة أساسية بطرحه ، و هي أن ليس ما نكتسبه ، حقيقة ما اكتسبناه ، فالنار كما نتخيلها ، ليست هي حقيقة النار ، و ليست هي التي تحرقنا بالأحلام ، و ايضا ليست هي التي تحترق حقيقيا ، و لهذا فإن الأفكار الإرادية مختلفة تماما عن أفكارنا المتخيلة ، وبهذا فقد سلم بركلي ضمنيا بأنه يؤمن بالقبليات أو الفطريات (التي تعني وجود قواعد قبلية مع الدماغ : القواعد النحوية للغة = تشومسكي / قواعد الرياضيات = ديكارت / قواعد القياس = أرسطو ..).
ولهذا يرى بركلي أن ما يوجد هو إمتداد لما يوجد بالذهن ، إذن فإذا كان ديكارت و جون لوك قد سقطوا في انفصالية الفكرة و الموضوع ، فإن بركلي إنتقدهما في نقطة الإنفصال هذه ، متبنيا تصوره الذي يعرف الآن بالواحدية الإبستيمولوجية ، و يمكننا اختصار هذا التصور على النحو الآتي : نحن ندرك حقا الموضوع الواقعي ، و لكننا لا ندرك صورة منه كما هو ، و من بين أفكار هذه ” الواحدية الإبستيمولوجية ” ، نجد ” الإنعكاس “: فحينما نرى مثلا (تفاحة) ، فإن هذه التفاحة حسب بركلي، تكون شكلا قبليا بالذهن ، أي أن الخاصية التي تمثل فكرة التفاحة يوجد مكانها سابقا على المحمول (أي سابقا على أجزاء التفاحة : اللون / الرائحة / الشكل / الصوت..
وفي هذا الصدد يسلم بركلي بأنه لا وجود للأشياء ، بدون وجود الأنا ، لأن الذهن حسب بركلي به علاقة تجذب هذه الأشياء ، و تشكلها على الأشكال التي نعنونها نحن بأسماء “شجرة / برتقالة …” و من خلال كل ما سلم به بركلي، تم توجيه نقد له من طرف أنصار الواقعية النقدية ، يتمحور أساسا على وهم الإدراكات ، فحينما نضع عصا مستقيمة في الماء ، فإن نصفها يتبين لنا أنه مائل ، و بذلك ندركها أنها مكسورة الشكل و ليست مستقيمة الشكل ، زد على ذلك أن الألوان و الأصوات والأنغام و الطعوم و درجات الحرارة ، في لحظة الإدراك الحسي ، لا يسبق وجود الذهن ، التجربة (بمعنى أنه لا توجد معرفة مع العقل ، بل ما يوجد هو علاقة “ابستميه-ميغناطيسية”مرتبطة بموضوعات فيزيائية خارجية “.
3 ـ دافيد هيوم :”رسالة في الطبيعة البشرية “
اعتبر دافيد هيوم ، من خلال عمله هذا “رسالة في الطبيعة البشرية ” فيلسوفا تجريبيا أكثر دقة من جون لوك و بركلي ، ففي عمله هذا قسم الإدراكات إلى صنفين : الانطباعات البسيطة و المركبة ، ثم الأفكار البسيطة و المركبة ، و لهذا يرى هيوم أن الانطباع ينطبق على أي إحساس أو عاطفة أو انفعال يتمظهر لأول مرة في الذهن ، أما الفكرة حسبه فهي انعكاس لأفكار باهتة من الإنطباع ، فالفكرة حسبه تتأخر في ظهورها عن الإنطباع ، بمعنى أنه حينما نسمع صوتا أو نرى لونا ، فإن ما نتحسسه بإدراكنا هو إنطباع بسيط حول المدرك، و لكن حينما نسترجع اللون أو الصوت فإن فكرتنا تكون شبيهة بالإنطباع الأصلي.
ويضيف دافيد هيوم فكرة أساسية و هي أنه حينما نركب مركبا من الأحاسيس و التأمل ، فإن هذا حسب هيوم لا يعني أن للتركيب نسخة في الواقع ، بمعنى أنه إن أخذت الحي الذي تسكنه ، و رصعته بلون الذهب ، فإن حيك سيصبح حي من ذهب ، و لهذا فهذا الحي هو حي مركب ، و لا وجود له لا في الانطباع البسيط و لا في الانطباع المركب ، و بهذا سيسلم دافيد هيوم بأنه يمكننا تكوين أفكار مركبة عن طريق الخيال ، بمعنى أن تفكيرنا الحر و اليومي ، قد نسلم بأنه يطفوا فوق خاصية التركيب الخيالي ، و من خلال هذا التصريح سيضيف هيوم فكرة أساسية ، و هي أنه لكي نكون فكرة مركبة ، يجب أن يكون هناك تتابع منطقي للأفكار البسيطة او المكتسبات الإدراكية ، فحينما نضع مثلا أمام الذهن كل درجات اللون الأزرق ، قبل أن نجمعه لكي يكون لنا اللون الأزرق ، فإن الذهن بفعل الخيال سيستطيع تجميع هذه المركبات ، مكونا بفعلها اللون الأزرق ، و في هذا الصدد ان انتقلنا الى شخص أعمى “انثى /ذكر” ، فلن يستطيع أو تستطيع تكوين و لو درجة واحدة من الالوان المتجزئة للون الأزرق ، حتى و لو وصفت لها او له كل جزء من اللون بإحكام ، فلن يكون مثيله البصري ، لأن تتابع الصور.
لن تتحقق لأن الاجزاء غير موجودة ، فهذه الاجزاء هي التي تركب القياس الذهني الذي نتعلمه من تحركات كل موجود على الطبيعة ، القياس نكتسبه من جري الحياوانات من طيران العصافير و ما شابهها ، من تجربتنا نحن ، حينما نود عبور الشارع ، أو في اللعب بالطفولة .. الخ ، و في كل قياس نكتسب منه البداية والنهاية ، فالبداية تعتبر من أساسيات الذهن ، و تسمى نتائجه بالأفكار المستقبلية ، ففي هذا الصدد قسم دافيد هيوم مبادئ تداعي الأفكار إلى ثلاثة : الأفكار المتداعية، المعروفة الآن في حقل علم النفس بالتداعي عن طريق التشابه ، أي تسلسل المكتسبات عن طريق التشابهات ، فمثلا : حينما أقرأ كتابا و أقرأ شبيها له في المعنى ، فإن الثاني يصبح تابعا الأول في التشابه ، زد على ذلك مبدأ اتصال الأفكار في الزمان و المكان ” أي اتصال اجزاء الفكرة (الوقت / المحيط / الرائحة /الشعور ) ، فمثلا حينما نتكلم عن أستاذة أو أستاذ تتلمذنا على أيديهم بالمرحلة الإبتدائية ، فنحن نتكلم عن “زمن / ظروف إجتماعية / بيئة / شعور / أصوات / روائح، كلها متساسلة مع بعضها البعض ، زد على ذلك مبدأ العلة و المعلول (فحينما أفكر في شخص “أنثى /ذكر” فإنني أفكر في شخص يشبهه في المظهر ، قد أنتقل له في اي لحظة انتهي فيها من التفكير في الاول ، أو في شخص قابلته في المكان ذاته الذي يتواجد به الشخص “انثى /ذكر” الذي افكر فيه او فيها .
وبهذا يقسم دافيد هيوم مرة أخرى العلاقات الموجودة داخل الدماغ إلى سبعة : التشابه و هو كما سلمنا آنفا : العلاقات المتسلسلة بين المكتسبات ، ” الهوية ” : وتعني توحد الافكار التي نستقبلها في وقت ماضوي ، مع أفكار نستقبلها الآن ، “المكان و الزمان ” : بالنسبة الى هيوم يقدم لنا الزمكان عددا من المقارنات ك (قبل) (بعد) (فوق ) (مجاور) (بعيد)…. ، و علاقة ” الكم و العدد ” التي أدت إلى ظهور الرياضيات ، كرؤيتنا لشمس واحد ، و رؤيتنا للعديد من شجرات البرتقال بحقل معين والعديد من اشجار الزيتون بحقل آخر ، هذا من خلال ما صرح به هيوم ضمنيا ، يعني لنا اننا نكتسب قوانين الفيزياء و الرياضيات الخ من القوانين و العلوم من الطبيعة ، زد على ذلك درجات الكيف ، كما نشاهد في الأثقال ، فنحن نعلم كلنا أنه إن سقط هاتفي من يدي فانه لن يصعد الى السماء ، بل سيسقط على الأرض ، زد على ذلك درجات اللون ” الاخضر باهت / الاخضر معتدل / الأخضر غامق … ، علاقة التضاد ” حقل الليمون ليس هو حقل البرتقال ” “الجامعة ليست هي الثانوية ” ، وفي هذا الصدد يسلم دافيد هيوم بأن الجوهر يتحدد بالإحساس ، و ليس به هو ، فإذا أدركته العينان ، فسيكون لونا ، و إذا أدركته الأذنان فسيكون صوتا ، و إذا أدركه اللسان فسيكون طعما.
وبهذا فقد إنتقد دافيد هيوم ، أسس الفكر التجريبي الذي ظهر مع بركلي (انتقد فكرة الدليل على المادة أو افكار المادة ) و في هذا الصدد يقول دافيد هيوم ، في بداية الفصل الثاني من عمله “رسالة في الطبيعة البشرية” إننا نستطيع أن نلاحظ تجربتنا ، على أنها حزمة أو تجمع من إدراكات مختلفة ، يعقب بعضها البعض بسرعة لا يمكن تصورها ، و تكون في تدفق و حركة مستمرة ، و لا تستطيع أعيننا أن تستدير في محاجرها دون تغيير إدراكاتنا ، و يكون تفكيرنا أكثر تغيرا من إبصارنا ، وتساهم كل حواسنا الأخرى و ملكاتنا الأخرى في هذا التغير ، و ليست هناك قوة واحدة من قوى تظل بلا تغيير و لو للحظة واحدة ، إن الذهن نوع من المسرح ، تتابع في الظهور عليه إدراكات متعددة بصورة متعاقبة ؛ أعني أنها تمر ، و تمر كل ثانية ، و تزول بسرعة خاطفة ، و تختلط في تنوع لا متناه من الاتجاهات والمواقف … و يجب ألا تضللنا مقارنة المسرح . إذ أن الإدراكات المتعاقبة وحدها هي التي تؤلف الذهن ؛ و ليس لدينا أبعد فكرة عن المكان ، الذي تعرض فيه هذه المناظر و لا عن المواد التي تتكون منها “.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=8104