الفلاسفة وجائحة كورونا

دينبريس
featuredتقارير
دينبريس9 أبريل 2020آخر تحديث : الخميس 9 أبريل 2020 - 8:09 صباحًا
الفلاسفة وجائحة كورونا

 اسحيردة  - دين بريساعداد يوسف اسحيردة
في هذا المقال، سأقدم استعراضا لأهم ما جاء في مواقف أربعة من الفلاسفة المعاصرين في تفاعلهم مع أزمة فيروس كورونا وعالم ما بعد كورونا، بالإضافة إلى أمور أخرى متعلقة بالحجر الصحي وكيفية التأقلم معه. وحري بالذكر أن الأمر يتعلق بآراء لا تختلف عن مواقف سابقة عهدناها من هؤلاء المفكرين سواء من خلال كتبهم أو خرجتاهم الإعلامية ( وما أكثرها)، وكل ما فعله الفيروس هو إعادة تفعليها وإعطائها بعض القوة. وبالتالي فقد كانت هذه الأزمة فرصة لميشال اونفري لكي يصرح أن العالم الغربي يسقط وسيواصل السقوط في قادم الأيام، ولادغار موران لكي يؤكد من جديد على أن العولمة نظام فاقد للتضامن، ولميشال فوسيل لكي يواصل هجومه الشرس على النزعات الكوارثية السائدة في عالمنا المعاصر.

ميشال أونفري
نبدأ مع صاحب كتاب “الانحطاط”، الذي أكد في حوار مع موقع Lactu24 المغربي، بعد أن استعرض تفاعله الشخصي مع فترة الحجر الصحي، على أن الأزمة الصحية الحالية تجعلنا نرى رؤية العين أننا نعيش نهاية حضارة، فأوروبا التي يقدمها المتحمسون لها كتنين قادر على مصارعة أشرس الأعداء، نجدها اليوم عاجزة عن صنع كمامات بأعداد كافية من أجل حماية مواطنيها وأطرها الصحية من الفيروس الفتاك.

ولأن الرأسمالية في نظر ميشال أونفري هي عبارة نظام يزيد من ثروة الأثرياء وفقر الفقراء، فإنه يؤكد على أن جائحة كرونا ستدفع بالصراع الطبقي إلى حدوده القصوى، وستغير الكثير في عالم الغد بعد أن تسقط الكثير من الأقنعة وتكشف عن زيف ونفاق وجوه عدة. ثم على سؤال هل الرأسمالية هي من تسبب في هذا الوباء، يجيب اونفري بأن الرأسمالية لم تكن ترغب في الأزمة لكنها تحاول تدبيرها من خلال وسائلها الخاصة: العمل عن بعد.

كما هو نظام الرأسمالية، فإن الوضع الوبائي المقلق الذي يعيشه العالم اليوم يثقل كاهل الفقرء، أولئك الذين يعيشون في مساحات ضيقة، أما الأغنياء فهم معزولين منذ زمن عن الفقراء في أبنيتهم وقصورهم الفارهة. وبخصوص الحجر الصحي وما يمنحه من فرص من أجل العودة إلى الذات فإن الفيلسوف يجيب فيما معناه : ” بالنسبة للأغنياء نعم، أما بالنسبة للفقراء الذين يعشون في بيوت شبيهة بأقفاص الأرانب، فلن يكون بمقدورهم تجربة ترف طرح الأسئلة الوجودية، كل ما هنالك أن الحجر سيجعلهم يختبرون حياة الحيوانات في الأقفاص”.

بيتر سلوتردايك
أما الفيلسوف الألماني بيتر سلوتردايك وفي في حوار مع مجلة لوبوان الفرنسية، فيبدأ حديثه بالتقليل من شأن فيروس كورونا الذي يبدو في نظره “أكثر براءة من فيروسات سابقة”، موجها نقدا لاذعا لسياسات الحجر الصحي التي اتبعتها الدول الأوربية وما رافق ذلك من إغلاق للحدود والمدارس، معتبرا ذلك لا يتناسب وأهمية المشكل الصحي المطروح. وبالتالي فلا جديد في هذا الفيروس المستجد سوى أنه “وجه من أوجه متوسط الوفايات السنوي”، “ففي ألمانيا مثلا في الأوقات العادية يموت أكثر من 3000 شخص يوميا بسبب آفات هذا الزمان”. فالموت هو الموت، وقد مارس مهمته دائما بعناية، وهدوء، وفي أغلب الأحيان بعيدا عن ضجة الإعلام ومشاركة قادة الدول.

أما بخصوص الإجراءات والاحترازات الوقائية التي أخذت أشكال الحجر الصحي ومنع التجوال، فإن فيلسوفنا يرى فيها مجرد استيلاء على السلطة وعودة لشبح “النظام المُسترجع” الذي حلم بمثله بعض المفكرين في عشرينيات القرن الماضي من أمثال كارل شميت، وهو الفيلسوف الذي كان من أهم منظري النظام النازي، وأحد أهم المرجعيات الحالية للمحافظين الجدد في الولايات المحتدة الأمريكية. وبخصوص عالم ما بعد كورونا ومصير الرأسمالية بصيغتها الحالية، يؤكد هذا النيتشاوي الجديد كما يلقبونه، أن الأمر لا يتجاوز كونه استراحة ستعود بعدها عجلة الرأسمالية للدوران من جديد وربما بسرعة أكثر من أجل تدارك كل ما فات.

ومن أجل تدبير مدة الحجر والترويح عن النفس، يقترح بيتر سلوتردايك القراءة للكاتب الايطالي جيوفاني بوكتشيو (القرن 14) وروايته “الديكاميرون”، عوض ألبير كامو وروايته الشهيرة “الطاعون”، إذ أن موضوع هذه الأخيرة، والتي كُتبت باستخدام آلية الرمز، هو اجتياح النازية لأوروبا وليس الوباء. موضوع رواية الكاتب الايطالي؟ موضوع الساعة : الحجر الصحي، وكيف أن عشرة شبان هربوا من الطاعون الأسود الذي اجتاح مدينتهم في ذلك الوقت نحو قصر فاخر في البادية قصد الاستمتاع ونسيان الجائحة من خلال حكاية قصص تمنح الرغبة في مواصلة الحياة والعيش رغم الظروف العصيبة.

مارسيل غوشيه
بالنسبة للمؤرخ والمفكر الفرنسي مارسيل غوشيه، والذي كان من المتوقع أن يَجْرِيَ اللقاء معه بمناسبة مرور أربعين عاما على تأسيس مجلة لوديبا التي يشرف عليها شخصيا، فقد اعترف لمجلة لوبوان بأن أزمة كورونا هي بمثابة اختبار لهشاشة ديمقراطياتنا التي تسترجع دائما قواها في مواجهة كل أزمة، كما حصل مثلا في مواجهة النازية، فهي ” قد عانت من الضعف في البداية في مواجهة الأنظمة الشمولية، لكنها سرعان ما تمكنت من الصحوة ومواجهتها دون ارتخاء”. ليطرح بعد ذلك “صاحب فك السحر عن العالم” تساؤلا بخصوص قدرة هذه الديمقراطيات على ممارسة نفس الدور، خصوصا وأن تطور المجتمعات الغربية جعل الحريات الفردية تحتل مركز الصدارة على حساب التلاحم الجماعي، بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ.

وبخصوص تبعات أزمة كورونا على العالم، يؤكد مارسيل غوشيه على أنها ستعيد الاعتبار للسيادة الوطنية التي تعرضت للتهميش لصالح القواعد التي تفرضها العولمة، مستخلصا هذه النتيجة الحاسمة من خلال قوله : “حيال مواجهة الطارئ، تتجلى الفعالية ضمن حدود المسؤوليات المحلية، بينما يشتغل سلبيا جدا التفويض العالمي. سنكتشف ثانية، بأن السيادة ليست خيالا مجردا، لكنها تتطابق أولا مع اقتضاء وظيفي : امتلاك سلط تتمتع في الآن نفسه، بثقة الساكنة وكذا معرفتها الدقيقة بمجالات عملها” (ترجمة سعيد بوخليط).

ميشال فوسيل
أما الفيلسوف الفرنسي الشاب، ميشال فوسيل، وفي حوار مع مجلة Philo Mag، فيؤكد على أن الحجر قد قام بإلغاء عالمنا، باعتبار أن العالم في نظره ليس هو مجرد البقاء البيولوجي فحسب، ولكنه طريقة في تنظيم الوقت وإنشاء جسور مع الآخر.

وفيما يتعلق بعالم ما بعد كورونا، يُعلق صاحب كتاب “نهاية العالم : نقد للعقل القيامي”، موجها سهام نقده إلى من يدعوهم ب “طوباويِّي العالم البعدي”، قائلا : ” كما هو الحال إبان كل أزمة قاهرة، يُسارع البعض إلى إعلان أن لاشيء سيعود كما كان، وأننا دخلنا مُسبقا إلى العالم البَعْدِي. أحتاط من مثل هذه الخطابات. طبعا لن نلتقي مع نفس الوضع السابق. لكن كل شيء متوقف على التغييرات التي ستطرأ”. فقد بعد هذا التنبيه، يعود ميشال فوسيل ليؤكد على أن العالم فعلا لن يعود كما كان قبل كورونا، لكن ذلك يظل متوقفا على نظرتنا وتحليلنا للأزمة، فمثلا إذا بالغنا في التطبيل لنظام سلطوي كالصين في مواجهته لجائحة كورونا، فمن غير المستبعد أن يكون عالم الغد أسوأ من عالم الأمس واليوم.

في الأخير، ينصح هذا الفيلسوف الشاب بالعودة إلى قراءة الفلسفة الرواقية باعتبارها فلسفة مُعدة لزمن الأزمات، ولأن المواضيع التي عالجتها تتقاطع شيئا ما مع المواضيع التي تؤرقنا الآن في ظل الجائحة. وبتعبير فيلسوفنا نفسه: ” من بين أهم مواضع الفلسفة الرواقية، نجد المنفى. اليوم، نحن لسنا في منفى، بل في عزلة – القاسم المشترك هو أننا لسنا هناك حيث نحب أن نكون. الأخلاق الرواقية (أو العزاء الرواقي) تتمثل في التذكير بقلة حيلتنا اتجاه الواقعة التي تنزل بنا، لكن، وفي نفس الوقت، بقدرتنا على التأثير في تمثلاتنا حول هذه الواقعة”.

ملاحظة الختام: بخصوص آراء باقي الفلاسفة المعاصرين من أمثال ادغار موران، آلن باديو ونعوم تشومسكي….فهي لا تختلف كثيرا عن جملة التحذيرات التي ما انفكوا يطلقونها قبل انتشار الفيروس الفتاك عبر العالم: نقد لاذع للنظام الرأسمالي باعتباره سبيلا حتميا نحو الهاوية، بحسب تعبير ادغار موران نفسه.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.