حسين زين الدين
عادة ما كنت أتساءل عن حالة تهميش الطلبة المخفقين دراسيا من احتفالات التكريم الذي يكون في نهاية كل عام للطلبة المتفوقين دراسيا فقط؟!
كنت أتساءل عن فلسفة ذلك التكريم و لماذا نكرم ؟ ما الأهداف من ذلك التكريم؟ ما الأثر الذي يتركه ذلك التكريم على شخصية المُكرَم؟ ماالدوافع التي تجعلنا نخص التكريم في مدارسنا بالطلبة المتفوقين دون غيرهم من المبدعين في مجالات مختلفة ؟ لماذا يستبعد الطلبة المخفقين دراسيا من التكريم؟ لماذا يتم تهميشهم؟ ألا يمثل تكريمهم حافزا للتقدم والتطور والفاعلية؟
إذا كنا نعتقد أن أحد ركائز التكريم هو دفع الطالب إلى بذل المزيد من التألق والتفوق والإمتياز الدراسي في أجواء تنافسية سليمة، أنا أرى من الأولى أن يكون التكريم للطلبة المخفقين دراسيا من الأولويات، وهذا لا يعني بعدم تقبلي لفكرة تكريم المتفوقين دراسيا، فهم يستحقون ذلك.
ولكن ماشدّ انتباهي هو إهمال الطلاب الذين لم يحالفهم الحظ والظروف من التفوق دراسيا إلا أنهم يتفوقون في جوانب أخرى بل يمتازون عن رفقائهم المتفوقين دراسيا بالعديد من السمات الإبداعية والذهنية والصفات القيادية.
من واقع تجربتي الميدانية في مجال التدريس والتعليم ومن خلال تتبعي للفروقات الذاتية التي يتميز بها كل طالب عن الآخر في البيئة التعليمية كما يظهر ذلك جليا وواضحا في الأنشطة اللاصفية التي تكشف لي إبداعات ومواهب وطاقات متميزة كل بحسب ميوله ورغباته،
لقد ساعدت تلك الأنشطة في بناء شخصيتهم ذهنيا ومعرفيا واجتماعيا ، وصقلت مواهبهم وقدراتهم، واستعادت ثقتهم بأنفسهم ودورهم في إطارها الصحيح والسليم.
وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر في احتفالات تكريم الطلبة في مدارسنا. فلقد بات من الأهمية أن يحظى هذه الفئة من الطلبة بشيء من الاحترام والرعاية بهم من قبل المعلمين والمؤسسات المجتمعية، انطلاقا من قاعدة أن التعليم هو تمكين الطالب في الحياة عبر تعزيز الثقة بنفسه وصقل قدراته واحترامها، وتقدير الآخرين لإبداعاته.
يقال أن بيل غيتس ترك الدراسة في جامعة هارفارد أفضل جامعات العالم، واختار خوض طريق آخر مختلف تماماً، لاشك أن من حوله اتهموه بالفشل وبالجنون ربما، خاصة بعد خوضه تجربة عمل فاشلة مع صديقه، إلا أنه أثبت في النهاية أنه يمتلك رؤية ووجهة نظر، وأنشأ إمبراطورية مايكروسوفت العملاقة.
وكذلك العالم إلبرت انيتشاين، اعتقد معلموه أنه معاق ذهنياً وأن قدرته على الاستيعاب بطيئة بشكل مرضي، وذلك بسبب أنه لم يتحدث حتى الرابعة من عمره، ولم يستطع القراءة حتى السابعة من عمره، لذلك تم طرده من المدرسة، وبعدما التحق بأخرى رفض قبوله في كلية الفنون التطبيقية، ولكن النهاية .. أصبح أيقونه في علم الفيزياء بنظرياته الفذة.
وكان والد تشارلز داروين ينتقد وينعت ابنه بالحالم الكسول، لدرجة أن تشارلز نفسه كتب في مذكراته ” لقد كنت بالنسبة لوالدي ولأساتذتي، مجرد صبي حالم جداً، مستواه العقلي الضحل لا يمكنه من التفكير حتى.”
وبالرغم من ذلك وصل تشارلز لدرجة عظيمة من العبقرية والفهم، ولازالت نظرياته تدرس في الجامعات حتى الآن، ويعتمد عليها كبار العلماء في أبحاثهم العلمية.
ويذكر عن إسحاق نيوتن أن حياته كانت مكللة بالفشل، فقبل أن يصبح العبقري الذي ننحني له إعجاباً، كان له ضروب في الفشل، فبعد فشله في الدراسة، كلفه أحد أعمامه بإدارة مزرعة العائلة ففشل فشل ذريعاً، الأمر الذي دفع عمه إلى إرسالة لكامبريدج تخلصاً منه، لكن جاء هذا النفي في مصلحة نيوتين الذي تعلم ودرس في أفضل جامعات العالم ليصبح بمرور الوقت عالماً عبقرياً.
كما قال أساتذة توماس أديسون بأنه غبي للدرجة التي لا يمكنه تعلم أي شيء، وتم طرده من وظيفتين لكونه غير مبدع وغير منتج، الأمر ذاته حدث مع اختراعه في محاولاته الـ 999 الفاشلة، حتى المحاولة رقم 1000 التي نجح فيها في اختراع المصباح الكهربائي، فكل هذه المحاولات الفاشلة لم تكن سوى خطوات نحو النجاح.
والكثير الكثير من عباقرة العالم لا يسع المجال الحديث عنهم، لم يحالفهم الحظ في التفوق دراسيا ، لكن كان الاخفاق والفشل حافزا وطريقا إلى الإبداع والعبقرية والخلود في التاريخ.
فالتفوق دراسيا ليس دلالة على العبقرية والإبداع والتميز ، ولكن لا يعني أن تفشل في دراستك. وأن الفشل لا يعني نهاية المطاف، ولكن لا يعني أيضا أن يفتح لك أبواب الإبداع والعبقرية، وإنما الثقة بالذات واحترامها كفيلة بتخليد صاحبها.
وختاما ينبغي التأكيد على مسألة إن كنا فعلا نريد أن نخرج للعالم أناسا متميزين مبدعين ، يحترمون أنفسهم ويحترمون الآخرين، فإننا بحاجة إلى أن نبدأ باحترامهم وتقديرهم، ولا يكون ذلك إلا من خلال إظهار احترامنا لمشاعرهم والاستجابة إليهم بطرق جادة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7095