سعيد الكحل
كشف التفاعل المؤيد للدكتور الفايد إثر الانتقادات الموجهة إليه وبعد رفع دعوى قضائية ضده بتهمة انتحال صفة طبيب ، عن كون الفايد لا يعبر عن رأيه الخاص ولا يدافع عن موقف مستقل عن تنظيمات الإسلام السياسي (إخوانية وسلفية وهابية) ؛ بل هو الشجرة التي تخفي مخططا خطيرا تُعِدّ له الفصائل الإسلامية وتلتقي عنده رغم الاختلافات الثانوية بينها.
ومن معالم هذا المخطط ضرب الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج المجتمعي عبر بث فتاوى التكفير وعقائد القتل وثقافة الكراهية بين المواطنين ليسهل تقسيم الشعب المغربي إلى “مؤمنين” و “ملحدين” ، ومن ثم إشعال نار الفتنة والاقتتال الداخلي . وليس غريبا أن تتأجج لغة التكفير والتحريض ضد منتقدي الفايد في هذه الظرفية الدقيقة التي تلاحمت فيها إرادة الشعب والدولة والنظام لمواجهة خطر جائحة كورونا/كوفيد19.
إن المستهدف المباشر من هذا الاصطفاف الإيديولوجي الخطير خلف الفايد هو الإجماع الوطني الذي يغيظ الإسلاميين لأنه يعطل مشروع “قومتهم” ويقوي النظام والدولة . فالتنظيمات إياها تحمل مشروعا سياسيا (دولة الخلافة /الدولة الدينية) نقيضا للدولة المدنية ، وتستعجل ضعف الدولة وانهيار النظام . لهذا ترى في الإجماع الوطني واسترجاع الثقة بين المواطنين والدولة عقبة حقيقية تحول دون الوصول إلى يوم “الزحف” على السلطة والاستيلاء على الدولة.
ومن مقومات مناعة النظام التيار الحداثي الذي يحمل المشروع المجتمعي الديمقراطي المناقض لمشروع دولة الخلافة لدى تنظيمات الإسلام السياسي . والمشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي يلتقي عنده التيار الحداثي والنظام الملكي في شخص الملك محمد السادس الذي أعلن في خطاب 29 ماي 2003 ، تبنيه لقيم الحداثة والديمقراطية والتصدي لكل القوى المناهضة لهذا المشروع كالتالي: “أقول إن الإرهاب لن ينال منا وسيظل المغرب وفيا لالتزاماته الدولية، مواصلا، بقيادتنا، مسيرة إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، بإيمان وثبات وإصرار وسيجد خديمه الأول في مقدمة المتصدين لكل من يريد الرجوع به إلى الوراء، وفي طليعة السائرين به إلى الأمام، لكسب معركتنا الحقيقية ضد التخلف والجهل والانغلاق”.
هذا الالتزام من النظام/الملك والتوافق مع التيار الحداثي هو ما يغيظ الإسلاميين ويسعون إلى تقويضه بشتى السبل. وها هم اليوم يستغلون ظروف جائحة كورونا لتقويض جهود الدولة في محاربة الوباء والتشويش عليها لضرب الإجماع الوطني وزعزعة ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة عبر التحريض على التظاهر ليلا لخرق الحظر الصحي منذ الإعلان عنه ، ثم إصدار فتاوى تكفر الدولة إثر قرار إغلاق المساجد منعا للصلوات الجماعية طيلة فترة الحجر الصحي ، وأخيرا خروج الفايد بسلسلة فيديوهات ، من جهة، يسفّه جهود الدولة والأطباء في محاربة الوباء ، ويدعو المواطنين إلى التعاطي للوقاية بالأعشاب وشرب بول البعير وعصير روثه ، ومن أخرى يفتي بتكفير كل منتقديه والتحريض ضدهم بعد اتهامهم بمحاربة الدين والشريعة.
الأمر الذي اعتبره أتباع التنظيمات الإسلامية شرعنة لكل دعاوى العنف والكراهية ضد منتقدي الفايد الذين وصفهم “بالعلمانيين” و”الملحدين”. فتواه هذه دفعت إحدى الطبيبات إلى رفع دعوى قضائية ضده ، إذ لم يكتف بانتحال صفة طبيب ، وإنما تجاوزها إلى تكفير الأطباء. كما تلت فتواه هذه موجة من التحريض على الكراهية وممارسة العنف ضد الحداثيين، وكان مما كتبه أحدهم على صفحته في الفيسبوك “خاصنا نخْليو دار بوهم”. إنها دعوة صريحة إلى الاعتداء على كل من ينتقد خرافات الفايد التي تعرّض المواطنين إلى الخطر. كما أن خروج بعض قيادات التنظيمات الإسلامية ، وفي مقدمتها جماعة العدل والإحسان ، بمواقف داعمة للفايد ومتهمة منتقديه بالكفر ومحاربة الدين وتهديد هوية الأمة وقيمها، دليل قاطع على أن الفايد يخدم نفس المشروع السياسي لهذه التنظيمات. ففي إحدى محاضراته التي ألقاها داخل المسجد ، جعل الفايد من شروط الصحافي حفظه للقرآن.
ومعنى هذا أن الفايد يقترح على الحكومة فتح مباراة الصحافة فقط في وجه حفظة القرآن دون مراعاة الكفاءة المعرفية في هذا التخصص . وهذه مقدمة لتعميم شرط حفظ القرآن على كل الراغبين في الالتحاق بسلك الوظيفة العمومية وإقصاء غيرهم . هذا التصور هو قناعة موجودة لدى التنظيمات الإسلامية . ومادام حسن بناجح، القيادي بجماعة العدل والإحسان اصطف إلى جانب الفايد في ترهاته واتهاماته لمنتقديه ، فالمقام مناسب لأذكره بما قاله شيخه ياسين وحدده كشروط للتوظيف في سلك الوظيفة العمومية حتى تتبين للقراء الكرام الأهداف التي يلتقي عندها الفايد والجماعة.
فالشيخ ياسين توعّد مخالفيه الحداثيين والديمقراطيين والاشتراكيين بالإقصاء التام من الوظيفة العمومية ، بمجرد سيطرته على الدولة ، أن يطبق فيهم فتوى أبي الأعلى المودودي كالتالي ( كتب الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتاب ” نظرية الإسلام وهديه” ما يلي : ” وبالجملة ، فإن كل من أُعِدَّ لإدارة الدولة اللادينية ورُبِّيَ تربية خلقية وفكرية ملائمة لطبيعتها ، لا يصلح لشيء من أمر الدولة الإسلامية . فإنها ( أي الدولة الإسلامية ) تتطلب وتقتضي أن يكون كل أجزاء حياتها الاجتماعية ، وجميع مقومات بنيتها الإدارية من الرعية والمنتخبين والنواب والموظفين والقضاة والحكام وقواد العساكر والوزراء والسفراء ونظار مختلف الدوائر والمصالح ، من الطراز الخاص والمنهاج الفذ المبتكر”). فالقاعدة الأساس التي يقوم عليها مشروع الجماعة هي أن ( أبناء الدنيا لا يصلحون لنظم أمر المسلمين في غد الخلافة الثانية)( ص 120 العدل ).
ولمن يستخف أو يشكك في خطورة الإسلاميين على الحقوق والحريات ، أقدم لهم العبارة الحاسمة التي سطرها الشيخ ياسين حين قرر ألا مكان في وظائف الدولة لغير أبناء الحركة الإسلامية ( قلت : هذه عبارة أمسكوها أيضا أيها الفضلاء ، ولعل صياغتها تناسب مدارككم )(ص 534، 535 العدل).
فالفايد ، إذن ، لم يحصر كلامه في فوائد التغذية وأهمية الأعشاب في حفظ الصحة ، وإنما صار مفتيا تكفيريا نصّب نفسه “الحاكم الفعلي” الذي يقرر من يحق له تولي الوظائف. لهذا فهو غادر دائرة اختصاصه ليتقمص دور المفتي والناطق باسم تنظيمات الإسلام السياسي التي يحمل نفس قناعتها بأن الوظائف لا يتولاها عموم المواطنين بناء على معيار الكفاءة ، ومن ثم لا مساواة بين المواطنين ولا حقوق ولا حريات تحت حكم الإسلاميين لا قدر الله.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7992