العنف الأسري بين خطاب المنابر وقصص المشاهير: خطبة الجمعة تسلط الضوء وقضية بنجلون–القباج تقدم نموذجا حيا
تحرير: دين بريس
تزامن موضوع خطبة الجمعة ليوم 14 جمادى الآخرة 1447هـ / 5 دجنبر 2025م، التي خصصت للتحسيس بمخاطر العنف ضد النساء، مع الجدل الدائر حول قضية المؤثرة المغربية سكينة بنجلون وطليقها مهدي القباج، ما فتح الباب أمام قراءة اجتماعية تُبرز حجم التقاطعات بين الخطاب الديني وحوادث الواقع اليومي.
في الخطبة، شدد الخطيب على أن الإسلام جعل معيار الخيرية في معاملة الأهل، مستشهدا بقول النبي ﷺ: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». وأوضح أن العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تبنى على السكينة والمودة، وأن كل أشكال العنف، الجسدي واللفظي وكذا الرقمي، مرفوضة شرعا لأن الظلم محرّم بنص الحديث القدسي: «إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّمًا». ودعا إلى احترام الكرامة الإنسانية، ذكراً كان أو أنثى، باعتباره شرطًا لاستقرار الأسرة والمجتمع.
هذه الرسائل الأخلاقية والدينية توازي ما ظهر بوضوح في قضية بنجلون والقبّاج، التي تحولت من خلاف أسري إلى نقاش عمومي واسع على منصات التواصل. فقد بدأت الأزمة بخلافات مرتبطة بالنفقة والحضانة، قبل أن تتطور إلى اتهامات بالتشهير انتهت بمتابعة بنجلون قضائيًا وإيداعها السجن، ثم إعلان القبّاج التنازل عن الشكوى «حفاظًا على مصلحة الأطفال وضمانًا لحد أدنى من الاحترام المتبادل».
وتبرز القضية، بمسارها المتوتر ونهايتها المفاجئة، صورة دقيقة لما أشار إليه الخطيب، حين شدد
أن العنف ليس مجرد اعتداء جسدي، بل قد يكون تجريحًا معنويًا أو حملات تشهير أو تحويل الخلافات إلى مادة للاستهلاك الرقمي، مما يوسع دائرة الأذى ويهدد استقرار الأسرة.
كما تطرح هذه الواقعة سؤالا حول مسؤولية المؤثرين في طريقة عرض مشاكلهم الخاصة، خاصة حين تتحول إلى فرجة عامة قد تضر بهم وبأطفالهم. قرار التنازل الذي اتخذه القبّاج ينسجم مع دعوة الخطبة إلى تغليب لغة العفو والرحمة بدل التصعيد، باعتبارهما السبيل الأنجع لتجاوز الأزمات الأسرية.
وتؤكد التطورات المتتابعة أن القيم التي تُطرح من فوق المنابر ليست بعيدة عن واقع الناس، وأن قصص المشاهير، مهما بدت شخصية، تعكس تحديات حقيقية يعيشها عدد كبير من الأسر المغربية في زمن الانتشار الواسع للمنصات الاجتماعية.
وختاما تكشف خطبة الجمعة وقضية بنجلون–القبّاج، وجهًا واحدًا لمعادلة واضحة
فلا استقرار أسري بلا احترام، ولا كرامة بلا رحمة، ولا مجتمع سليم في ظل أي شكل من أشكال العنف، خصوصا الرقمي منه لأنه يبقى مخزنا في الخوادم الآلية فلا يمحى ولا ينسى.
التعليقات