العلماء المغاربة في المهجر.. سفراء الهوية الدينية المغربية 

3 نوفمبر 2025

الشيخ الصادق العثماني – أمين عام رابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية

يشهد العالم في العقود الأخيرة حضورًا متزايدًا لعلماء المغرب في الساحة الدينية الدولية؛ حيث أصبح لهم دور ريادي في نشر الهوية الدينية المغربية بين أبناء الجاليات المسلمة، خاصة في أوروبا وأمريكا اللاتينية. هذا الحضور لم يكن صدفة؛ بل هو ثمرة سياسة دينية رصينة انتهجتها المملكة المغربية بقيادة أمير المؤمنين، تقوم على ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال، وعلى نشر النموذج المغربي في التدين القائم على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي السني، وهو النموذج الذي أثبت قدرته على التكيف مع السياقات المتعددة التي يعيش فيها المسلمون عبر العالم .

في القارة الأوروبية، كان للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة حضور بارز وفاعل في تأطير الجاليات المسلمة وتحصينها من الفكر المتشدد والانغلاق الديني، وقد برز من بين أعضائه عدد من العلماء والفقهاء المغاربة الذين حملوا على عاتقهم مهمة صيانة الهوية الدينية لأبناء الجالية المغربية والمسلمة، من خلال نشر الفكر الوسطي المعتدل والتواصل المستمر مع المؤسسات الدينية والثقافية في أوروبا، ويعد الشيخ الطاهر التجكاني- الذي تحمل مسؤولية رئاسة المجلس لما يزيد عن 15 سنة – من أبرز هؤلاء العلماء الذين أسهموا بشكل ملموس في تحقيق هذه الرسالة، إذ تمكن عبر سنوات من العمل الدعوي والعلمي من أن يجعل من المجلس فضاءً للتفاعل الإيجابي بين المرجعية الدينية المغربية والواقع الأوروبي المتعدد الثقافات، ومن خلال الدروس العلمية، والندوات الفكرية، واللقاءات التي تجمع الأئمة والدعاة، استطاع المجلس أن يرسخ صورة الإسلام المغربي المعتدل، وأن يقدّم المغرب كأنموذج رائد في إدارة الشأن الديني في المهجر، وفي فرنسا، حيث تعد الجالية المغربية الأكبر عددًا في أوروبا، يلعب عدد من العلماء المغاربة أدوارًا محورية في تعزيز المرجعية الدينية المغربية، عبر خطب الجمعة في المساجد، بالإضافة إلى مشاركتهم بانتظام في الندوات والحوارات الفكرية بباريس وغيرها من المدن. كما يعمل عدد من الأئمة المغاربة في فرنسا على نشر قيم التسامح والتعايش داخل المساجد الكبرى والمراكز الإسلامية، بما فيها مسجد إيفري..أما في ألمانيا، فقد أسهم الأئمة والعلماء المغاربة المقيمون هناك في بناء جسور التعاون بين المؤسسات الإسلامية والسلطات المحلية، من خلال مبادرات تهدف إلى إدماج الشباب المسلم في المجتمع الألماني دون أن يفقدوا هويتهم الثقافية والدينية، عبر المحاضرات الفكرية والبرامج التعليمية التي تقدم الإسلام في بعده الإنساني الرحب.

وفي إسبانيا، البلد الذي يحمل تاريخًا مشتركًا عميقًا مع المغرب، يُسجل حضور قوي للفقهاء وأئمة المساجد المغاربة الذين أعادوا إحياء روابط التاريخ الأندلسي المشترك، من خلال إنشاء المساجد والجمعيات والمراكز الثقافية والدينية التي تُعرّف بالإسلام المغربي الوسطي المنفتح، كما يعمل عدد من الأئمة المغاربة في مدريد وبرشلونة على تأطير الجالية المسلمة وفق المرجعية الدينية المغربية، بما يضمن لهم توازناً روحياً وثقافياً في بيئة متعددة الثقافات.

ولا يقتصر هذا الدور على أوروبا وحدها؛ بل امتد الإشعاع الديني المغربي إلى القارة الأمريكية الجنوبية؛ حيث ظهرت مبادرات نوعية يقودها علماء مغاربة لنشر الهوية الدينية المغربية بين الجاليات المسلمة هناك. وتبرز في هذا الإطار رابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية، وهي مؤسسة علمية ودعوية واجتماعية أسسها نخبة من العلماء تهدف إلى خدمة الإسلام في القارة اللاتينية على نهج الوسطية والاعتدال، وترسيخ القيم الإنسانية المشتركة بين الشعوب، ويتقدم هذه الرابطة العلامة المغربي الصادق أحمد العثماني، الذي يشغل منصب الأمين العام، والذي كرّس جهوده لتقوية الروابط الدينية والفكرية بين أبناء الجاليات المسلمة وتعريفهم بالمرجعية المغربية في التدين، باعتبارها نموذجًا متوازنًا يجمع بين الالتزام الديني والانفتاح الثقافي، ومن أجل خدمة الخصوصية الدينية للمملكة المغربية نصّ القانون الأساسي للرابطة على أن من بين أهدافها الكبرى نشر الهوية الدينية المغربية في دول أمريكا اللاتينية، إلى جانب العمل على تأهيل الأئمة والخطباء وتنظيم الدورات العلمية، وتقديم الإسلام في صورته الحضارية السمحة، بما يتماشى مع خصوصيات المجتمعات اللاتينية. وقد تمكنت الرابطة في فترة وجيزة من بناء شبكة علاقات متينة مع المراكز الإسلامية في البرازيل وكولومبيا وفنزويلا والأرجنتين والمكسيك وبلدان أخرى، مما جعلها فاعلًا محوريًا في المشهد الديني هناك.

وفي هذا السياق، يبرز مركز محمد السادس للثقافة وحوار الحضارات في الشيلي كأحد الصروح الثقافية التي تجسد الحضور المغربي في القارة اللاتينية. فقد تأسس المركز بدعم من المملكة المغربية ليكون جسرًا للتواصل الثقافي والديني بين الشعبين المغربي والشيلي، ومركزًا لنشر القيم الإسلامية المعتدلة المستمدة من النموذج المغربي. ويقوم المركز بتنظيم دورات لتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم، إضافة إلى محاضرات وندوات تعرف بالثقافة المغربية الغنية بتنوعها، مما جعله فضاءً حيويًا لتعزيز التفاهم بين المسلمين وغير المسلمين في الشيلي وسائر أمريكا اللاتينية. كما يلعب المركز دورًا بارزًا في تعريف الجاليات المسلمة المقيمة هناك بالمرجعية الدينية المغربية، وتكوين الأئمة والدعاة وفق منهج الوسطية والاعتدال.

في البرازيل، على سبيل المثال، باتت رابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية حاضرة بقوة في المشهد الإسلامي المحلي، من خلال تنظيم المحاضرات والدروس الدينية والملتقيات الثقافية التي تجمع بين علماء الدين وأبناء الجالية المسلمة. وقد ساهمت هذه الأنشطة في توطيد ارتباط الجالية بأصولها المغربية، وفي تعزيز حضور الإسلام المعتدل المتصالح مع الواقع البرازيلي المتنوع. وأصبح الشيخ المغربي الصادق العثماني وجهًا مألوفًا في الوسط الديني والثقافي البرازيلي، لما يتميز به من علم رصين وخطاب يجمع بين الحكمة والاعتدال والانفتاح، وهو ما جعل العديد من المؤسسات الثقافية والدينية البرازيلية تعتبره صوتًا للسلام والتعايش بين الأديان.

إن الدور الذي يقوم به العلماء المغاربة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وباقي دول العالم لا يقتصر على التعليم الديني أو الوعظ والإرشاد؛ بل يتعداه إلى بناء جسور من التفاهم بين الشعوب والأديان والثقافات. فهم لا ينقلون فقط مضمون الهوية الدينية المغربية؛ بل يعكسون من خلال سلوكهم وفكرهم قيم التسامح والعيش المشترك التي تميز التجربة المغربية في تدبير الشأن الديني. ومن خلالهم، استطاع المغرب أن يقدم للعالم نموذجًا فريدًا في تأطير الجاليات المسلمة، يقوم على مبدأ التوازن بين الحفاظ على الأصالة والاندماج الإيجابي في المجتمعات المضيفة.

ومن خلال تتبعنا للشأن الديني في المهجر فإن النموذج المغربي في التدين أصبح اليوم محل تقدير متزايد من قبل المؤسسات الأوروبية والأمريكية اللاتينية، بفضل ما يتسم به من اعتدال واستقرار وانفتاح. وهو ما جعل العلماء المغاربة يحظون باحترام واسع، سواء لدى الجاليات المسلمة أو لدى السلطات والمؤسسات الرسمية في تلك البلدان. فالخطاب الديني الذي يقدمونه خالٍ من النزعة الإقصائية أو العنف اللفظي، ويرتكز على قيم الرحمة والعقلانية، ما جعله مقبولًا ومؤثرًا في البيئات المتعددة الثقافات.

إن هذا الإشعاع الديني والفكري الذي يصنعه العلماء المغاربة في الخارج يؤكد أن المغرب لم يعد مجرد بلد مصدر للمهاجرين؛ بل أصبح فاعلًا أساسيًا في صياغة خطاب ديني عالمي متزن، يواكب التحولات الكبرى التي يعرفها العالم المعاصر .

ختاما، إن علماء المغرب في المهجر، يجسدون اليوم الوجه الحضاري للمغرب، وينقلون إلى العالم قيمه الدينية العريقة التي تقوم على الوسطية والاعتدال ونبذ الغلو والتطرف، وهكذا، يظل العلماء المغاربة في الخارج سفراء صادقين للهوية الدينية المغربية، يرسخونها في نفوس الأجيال الصاعدة من أبناء الجالية، ويجعلون منها جسرًا للتواصل بين الحضارات، ودعامة من دعائم السلم الاجتماعي في المجتمعات التي يعيشون فيها. ومن خلال جهودهم العلمية والدعوية، يواصل المغرب أداء رسالته الحضارية في نشر الإسلام الوسطي، الذي يجمع بين الإيمان العميق والانفتاح على الآخر، في زمن بات فيه العالم في أمسّ الحاجة إلى خطاب ديني رشيد يزرع الأمل والتسامح في القلوب قبل العقول، ولهذا فالحضور العلمي والدعوي للعلماء المغاربة في دول العالم وخصوصا في أوروبا وأمريكا اللاتينية لا يمثل فقط امتدادًا روحانيًا وثقافيًا للهوية الدينية المغربية؛ بل يشكل أحد أهم روافد القوة الناعمة التي تعتمدها المملكة المغربية في سياستها الخارجية.

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...