محمد اذبكريم
رغم كل ما يقال حول محمد المختار السوسي ومساهمته في تكريس تعريب الطبونيميا السوسية (كان ابن بيئته ومراحل بدايات التعريب الفعلي)، إلا أن الباحثين الموضوعيين والقارئين العلميين أو على الأقل المتصفحين لأعمال هذا الرجل يدركون ويثمنون ما قدّمه هذا (الأرگاز) للتاريخ السوسي عن طريق مجهوداته في تدوين هذا التاريخ.
كلما توغّلنا في تفاصيل هذا الرجل العظيم إلا وننحني احتراما لهذه القامة التاريخية والفكرية بسوس، ومهما عَظُم الشكر فإننا لا نستطيع أن نوفي هذا الرجل حقه في الحفاظ على الكثير من التراث السوسي من الضياع وبذلك كان الوصل بين الماضي والحاضر ليكون ركيزة للمستقبل.
الراحل محمد المختار السوسي (1900-1963) الذي حفظ التاريخ السوسي من النسيان من خلال مجلداته التي فاقت السبعين مجلدا تعبق تفاصيلها برائحة سوس وباديتها وكيف لا وهو ابن البادية ومركز سوس بجبال جزولة (ايگوزولن)، فكثيرا ما كان يهاجم الرجّل ممن لا يفهمون رؤيته ومجهوده المضني في الحفاظ على تاريخ وتراث مهدد بفعل الاستعمار الأجنبي وأدوات الاستلاب الداخلي.
محمد المختار السوسي بعد خروجه من سوس إلى مراكش وبعد ذلك لفاس توضحت لديه الصورة ولاسيما بعد مخالطته لمؤرخين وسياسيينً كبار، تولّد عنه إحساس مقلق بأن تاريخ منطقته “سوس” ووطنه المغرب في خطر، وكانت أولى الإرهاصات لعمله الكبير هي بعدما شرع صديق عمره وإبن خالته الشاعر الحسن البونعماني في تدوين بعض الصفحات حول تاريخ سوس وسلمها للمختار السوسي لاحقا وكانت مادة لبعض أجزاء مجلد المعسول، وكان معروفا عن الشاعر الحسن البونعماني حبه الشديد لسوس وقد يكون مع المختار السوسي أول متعصبين سوسيين على الأطلاق ولاسيما بعد تجربتيها خارج منطقتهما العزيزة، فقد عبّر البونعماني من خلال أشعاره عن ذلك التعلق الكبير بسوس:
قطري المفدى سوس يعرف محتدي *** وتحن نحوي إن أغب جدرانه
هذا دون أن نغفل عن الدور المهم الذي قامً به الحسن البونعماني على المساعدة في تحرير كتاب المؤرخ العلوي المعروف عبد الرحمانً زيدان “إتحاف أعلام الناس”.
وهذه العوامل كلها أيقظت حب سوس في وجدان محمد المختار السوسي الذي حمل الأعباء وتحمّل مشقة الأسفار فوق بهيمته بين مداشر سوس ليدوّن ما كاد أن يندثر كما حصل في مناطق أخرى للأسف، فأنقذ الكثير من النفائس والحكايات الشعبية وتاريخ المناطق والشخصيات.
كيف يُهاجم شخص كان حسير البصر ومع ذلك كان يسهر الليل لتدوين النفائس وزوجته الراحلة صفية بنت براهيم الترز إحدى حفيدات حماد اوموسى تمسك الشمع بيديها لساعات طوال بشكل متقطع ليستطيع زوجها الكتابة في يسر.
إذا رغبنا مثلا في معرفة عادة يناير فالبلسم يكون مجلدات محمد المختار السوسي الذي جمع لنا من خلالها مجموعة من النتف حول هذه العادة التي يتوارثها الأمازيغ منذ القدم، وحوالي 1000 مثل أمازيغي ما بين منظوم ومنثور.
كباحث في التاريخ السوسي، وقبل ذلك كإنسان سوسي ينهل من تاريخه المتواتر، لا يسعدني إلا أن أشكر مجددا محمد المختار السوسي الذي بفضله حافظنا على تاريخنا وتراثنا ونعرف الكثير حول سوس.
سبق للراحل أن أرسل مقالة لإحدى الجرائد العربية المعروفةً تلك الفترة حول عادة الزواج بتارودانت، لكن الرقابة صادرتها لكونها تتحدث حول ثقافة غير عربية، وهذا ما زاد من إصرار محمد المختار السوسي على تدوين كل ما يتعلق بمنطقته، ومن هنا نستشف أنه لن يحافظ على تاريخ سوس والمغرب عامة إلا أبناؤه وبناته.