العلاقة الجدلية بين المثقف والفاعل الديني

دينبريس
2025-01-06T11:07:45+01:00
آراء ومواقف
دينبريس6 يناير 2025آخر تحديث : الإثنين 6 يناير 2025 - 11:07 صباحًا
العلاقة الجدلية بين المثقف والفاعل الديني

ياسمين الشاوي
عندما قررت كتابة مقال عن العلاقة الجدلية بين المثقف ورجل الدين، كنت كلما وجدت دائرة من دوائر الالتقاء، توصلت إلى دوائر متعددة للخلاف؛ تفرض نفسها وتعيد فتح فجوات متعددة لهذه العلاقة، تقوم بخلخلة التجاذب عبر تسطيح الرؤى وإغراقها في جدليات هامشية، وهكذا دواليك، تستمر الفجوات بالظهور من حين لآخر، بينما تبتعد الرؤى التوافقية وتتنافر وتصل بعض مستوياتها إلى العداء أو الهجوم المباشر من طرف على آخر.

والسبب المفصلي هو أن المثقف يرى نفسه من يفهم الرؤية العامة بعين الوعي المعرفي، في حين يعتقد رجل الدين امتلاكه ذلك الوعي ولكن بشكل رؤى خاصة وتفكير خاص لا يسمح التجاوز أو الخروج عنه.

إن الاشكالية الحقيقية في هذه الفجوات هي عدم فهم الأدوار الحقيقية لكلا الطرفين، فالمثقف يعتقد بأنه قادر على الخروج عن الثوابت خروجا فكريا تاما، وله في ذلك أسبابه الفكرية التي تكون في الغالب عدم الاستلاب والتقيد المعرفي التقليدي والانطلاق إلى فضاء المعرفة الرحب..

في حين يرى الطرف الآخر أن من حقه التنظير في الجانب المعرفي توثيقا لأفكره ورؤاه التي استمدها من الموروث الديني والذي يظن أنه يعطيه الحق في إطلاق الفكرة والدفاع عنها من باب أنه الوصي الوحيد عليها والقادر الوحيد على تفكيكها.

والحال أن أي علاقة حياتية سليمة لأي مجتمع يجب أن تكون علاقة توافقية، يُقدم كل فرد في هذه العلاقة رؤيته ويقبل الرؤية المغايرة في سبيل أن كل رؤية لها دورها المختلف في صياغة نظرة واحدة تكاملية تعمل على خلق بيئة متناغمة يتعايش فيها الجميع بسلام، بدون وصاية أو تعقيد وتطرف في الجانب الديني أو خروج صارخ على الثوابت المجتمعية والصبغة الشكلية للمجتمع.

رغم هذا نجد بين فترة وأخرى شذوذ فكري وتطرف ديني وفي الغالب يعمل الطرفان في نفس الجانب الذي يقوم على إغراق المجتمع بالفجوات التي تقسم المجتمع وتعمل على شرخ الرؤية الموحدة للتعايش العام.

لقد سيطرت الرؤى المنغلقة على الواقع العام في البيئة العربية لفترة طويلة، وهذه السيطرة كانت نتيجة من النتائج الاستعمارية التي خلقت توجهات أحادية الجانب، وأغلقت الجانب المعرفي أو عملت على تهمشيه، لذا نرى المجتمع العربي في القرن الماضي لم يتجاوز الرؤية الدينية التي كانت تضع نفسها هي الحامل الفكري لكل الرؤى في حين كان الجانب المعرفي شبه معدوم والجهل منتشر في أغلب الأقطار العربية والتعليم متأخر جدا، رغم تقدم العرب في القرون السابقة في مجالات متعددة.

وإذا قسنا هذا على المجتمعات الأخرى نجد أنها قد تجاوز هذه الجدلية نحو المعرفة والعلم، ونحن هنا لا نشجع على اغفال أو تجاوز الجانب الديني ولكن نشرح كيفية تكوين الرؤية في القرن الماضي وكيفية خروج العالم الغربي من جدلية الصراع بين المثقف ورجل الدين إلى حيز التوافق والقبول، بينما ظل الواقع العربي وفق رؤية أحادية الجانب.

لقد كان للثورة المعرفية دورا كبيرا في تحديد الأدوار، فالمعرفة لا تقوم على الغاء الدين ولكن تعمل على تحديد ثوابت لهذه الرؤية في اطرها السليمة، التي تقوم على تحديد الأدوار الحقيقية لها ولن يتم ذلك إلا من خلال إطلاق دعوة تصالح بين رجل الدين والمثقف يكون العامل المشترك بينهم رجل السياسة، يتفق فيها الجميع على صياغة فكرة موحدة جامعة تعمل على مساعدة المجتمع في تجاوز اخفاقاته والسير بتوافق تام كلا حسب دوره الحقيقي في مساعدة المجتمع على النهوض.

لن يتم ذلك إلا من خلال فتح أطر المعرفة على مصراعيها وتقبل الآراء المختلفة والرؤى والعمل بشكل جمعي على قراءة الآخر باسلوب معرفي وفكري حديث وحضاري والسعي نحو الثقافة والعلم كسلاح في وجه الجهل والفقر وترك الجانب الديني مفتوحا للجميع بدون وصاية عليه أو تحديد ثوابت مجحفة تعمل على خلق فجوات للمجتمع فلا حياة بدون سلم مجتمعي ونقاء فكري وتسامح ديني.
ــــــــــــ
المصدر: رابط صفحة الكاتبة على فيسبوك:

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.