25 مارس 2025 / 15:11

العلاقات بين الرجل والمرأة: بين العوامل البيولوجية والاقتصادية والأحكام الأخلاقية

ابراهيم المهالي ربيع قرطبة
الرجل ككائن بيولوجي يخضع لمنظومة معقدة من الدوافع الفطرية التي تشكل سلوكه، سواء على مستوى العلاقات أو غيرها من الجوانب الحياتية. ميله الفطري إلى البحث المستمر عن المرأة ليس خيارًا واعيًا يتخذه بناءً على نزعة فردية، بل هو جزء من برمجة بيولوجية متجذرة تمتد جذورها إلى تاريخ طويل من التكيفات التطورية التي صاغت طبيعة البشر عبر آلاف السنين.

هذا الميل المستمر ليس وليد المجتمعات الحديثة، بل يمكن تتبعه في مختلف الحضارات والمجتمعات البشرية منذ فجر التاريخ، بل وحتى في سلوك الكائنات الحية الأخرى، ما يدل على أن هذه الظاهرة ليست مجرد عرف اجتماعي، وإنما تعكس واقعًا بيولوجيًا يمتد إلى أبعد من ذلك.

الرجل بطبيعته يسعى دائمًا إلى زيادة فرصه في نشر جيناته، وهو سلوك يمكن ملاحظته لدى معظم الذكور في المملكة الحيوانية. الذكور في مختلف الأنواع لديهم نزعة فطرية للتكاثر مع أكبر عدد ممكن من الإناث، ليس بدافع الترف أو المتعة فحسب، وإنما كاستراتيجية لضمان استمرار نسلهم. هذه الاستراتيجية تم تعزيزها عبر التاريخ الإنساني من خلال عوامل بيولوجية وتطورية متداخلة، حيث كان الذكر الذي يتمكن من إقامة علاقات متعددة يترك خلفه عددًا أكبر من الأبناء، ما يزيد من فرص بقاء جيناته عبر الأجيال.

تشير الدراسات العلمية إلى أن النظام الهرموني لدى الرجل يؤثر بشكل مباشر على سلوكه العاطفي والجنسي. هناك ارتباط وثيق بين النشاط الهرموني وبين الرغبة في التعدد، حيث تم رصد مستويات معينة من الهرمونات لدى الرجال الذين يميلون إلى البحث عن شركاء متعددين.

هذه الدوافع البيولوجية لا تعني أن الرجل غير قادر على الالتزام بعلاقة واحدة، ولكنها تفسر السبب وراء شعوره الدائم بالبحث عن التجديد أو استكشاف خيارات أخرى، حتى عندما يكون في علاقة مستقرة. في العديد من الدراسات السلوكية التي أجريت على ذكور البشر والحيوانات، تبين أن الانجذاب إلى شركاء جدد يتناسب طرديًا مع ارتفاع النشاط الهرموني، ما يفسر لماذا يظل الرجل في حالة دائمة من البحث، بغض النظر عن مدى استقرار حياته العاطفية.

في المجتمعات الحديثة، تم فرض مفاهيم مثل “الإخلاص” و”الخيانة” كأطر أخلاقية تحاول تهذيب هذه النزعة الطبيعية. هذه المفاهيم ليست ذات طابع بيولوجي، بل هي اختراعات اجتماعية ظهرت في سياقات تاريخية معينة، خاصة مع ظهور المجتمعات الزراعية التي عززت فكرة الملكية الفردية والحاجة إلى ضبط العلاقات لضمان استقرار النظام الوراثي.

قبل هذه المرحلة، كانت المجتمعات أكثر مرونة في التعامل مع العلاقات العاطفية، ولم يكن هناك تصور واضح لمفهوم “الخيانة” كما نعرفه اليوم، بل كان الميل الطبيعي للرجل إلى البحث عن شريكات متعددات جزءًا من نظام اجتماعي أكثر انفتاحًا. الأدلة التاريخية تشير إلى أن الزواج الأحادي لم يكن الشكل السائد في معظم المجتمعات البدائية، وإنما تم فرضه لاحقًا كوسيلة لتنظيم الموارد وحماية حقوق الميراث.

إضافة إلى العوامل البيولوجية والتطورية، هناك بعد اقتصادي واضح يحدد مدى نجاح الرجل في تحقيق هذا الميل الطبيعي. في معظم الثقافات والمجتمعات، ارتبطت القدرة على تعدد العلاقات بمدى توفر الموارد الاقتصادية لدى الرجل. الرجال الذين يمتلكون ثروة أو نفوذًا اجتماعيًا كانت لديهم فرص أكبر في الدخول في علاقات متعددة، وهو ما يمكن ملاحظته في العديد من الحضارات القديمة والحديثة.

حتى في العصر الحالي، لا يزال هناك ارتباط قوي بين القدرة المالية وإمكانية تحقيق التعدد، حيث تشير الدراسات إلى أن الرجال ذوي الدخل المرتفع يتمتعون بفرص أكبر في تكوين علاقات متعددة مقارنة بالرجال ذوي الدخل المحدود. هذه الحقيقة تعزز الفكرة القائلة بأن البحث عن المرأة لا يتوقف، بل يتحدد فقط وفقًا للعوامل التي تسهل تحقيقه.

المجتمعات المعاصرة، رغم محاولتها فرض نموذج العلاقة الأحادية باعتباره القاعدة الأخلاقية المثالية، لم تتمكن من تغيير الطبيعة الفطرية للرجل. السلوكيات التي يتم تصنيفها اليوم على أنها “خيانة” ليست سوى انعكاس لنمط بيولوجي قديم ظل محفورًا في طبيعة الإنسان، بغض النظر عن القيود الاجتماعية المفروضة عليه. الإخلاص في العلاقة، رغم كونه قيمة اجتماعية محترمة، لا يمكن اعتباره قانونًا بيولوجيًا ثابتًا، بل هو نتاج تطورات اجتماعية تهدف إلى تحقيق الاستقرار أكثر من كونه تعبيرًا عن حقيقة طبيعية متأصلة في النفس البشرية.

من هذا المنطلق، فإن أي نقاش حول العلاقات بين الرجل والمرأة يجب أن يأخذ في الاعتبار العوامل البيولوجية والتاريخية والاقتصادية التي تشكل هذه الديناميكيات، بدلاً من محاولة فرض قيم أخلاقية متغيرة تحاول إنكار الحقيقة الطبيعية للرجل. الأحكام الأخلاقية التي يتم وضعها في إطار “الخيانة” أو “الإخلاص” ليست سوى أدوات لضبط السلوك، لكنها لا تستطيع إلغاء النزعة الفطرية التي تدفع الرجل إلى البحث المستمر عن المرأة، تحت كل سماء وفوق كل أرض وبين فج وفج.