23 أغسطس 2025 / 18:24

العقيدة الأشعرية بين الهوية المغربية والتجاذبات المشرقية

الحسن شهبار

من الطريف أنني راسلت قبل سنة دار نشر مشرقية، حول عمل روائي صرف لا علاقة له بالعقيدة، فوجدت نفسي أمام ما يشبه جلسة تحقيق عقائدي.. سُئلت من طرف إدارة دار النشر عن مذهبي العقدي، ثم طُلب مني تفصيل أكثر، خشية أن أكون على العقيدة الأشعرية! قالوا لي بصريح العبارة: أنت من المغرب، ونخشى أن تكون على العقيدة الأشعرية! عندها أدركت أن التعامل مع مؤسسة ثقافية بهذا المنطق ليس مما يليق بالأدب ولا بالفكر، فآثرت السلامة واعتذرت عن متابعة الموضوع.. وقلت لهم أيضا بصريح العبارة: لا يشرفني أن أتعامل مع دار نشر تنتمي إلى عصر الظلمات.

هذه الحادثة العابرة أعادت إلى ذهني ما أراه اليوم من هجوم متزايد على العقيدة الأشعرية، خصوصًا عقب بعض خطب الجمعة الموحدة. وإنني، وإن كنت لا أؤيد توحيد الخطبة ولا إلزام الخطباء بنصٍّ واحد، لما في ذلك من إغفال للفروق بين أحوال الناس، إلا أنني لا أستطيع القبول بتمرير خطابات مستوردة تطعن في عقيدة المغاربة، وتتهم السادة الأشاعرة بالابتداع.

العقيدة الأشعرية ليست دخيلة على التديّن السني، بل هي من صميمه؛ نشأت لحماية المعتقد من الانحرافات العقدية، وظلت لقرون طويلة حاضنة لأهل السنة والجماعة، حتى غدت جزءًا من هوية المغاربة الروحية والعلمية. وبعد بحث وتمحيص في مظانّها وكتب أئمتها، يترجّح عندي أنها عقيدة سنية سلفية في جوهرها، رغم ما وقع فيها من جدل تاريخي.

وأحب أن أُذكِّر هنا بتجربة شخصية: حين ولجتُ مهنة التدريس، كنت على العقيدة السلفية المعاصرة ظاهرًا وباطنًا، ولم يسألني أحد عن عقيدتي. وكذلك في الجامعة، كنا نعارض بعض الأساتذة ونشاغب في المحاضرات، ومع ذلك لم يُتخذ ضدنا أي إجراء بسبب المذهب العقدي. وحتى في اختبار الخطابة لم يُطرح عليّ سؤال عن مذهبي العقدي؛ بل إنني أعرف بعض أعضاء المجالس العلمية اليوم على عقيدة (السلفية المعاصرة)، ولهم مؤلفات منشورة في ذلك، وهم لا يزالون في مواقعهم دون تضييق ولا تحقيق.

هذا الواقع المغربي – برغم ملاحظاتنا عليه – يثبت أن المؤسسات العلمية لم تجعل “امتحان العقيدة” شرطًا للتعلم أو للترقي. وهو فارق جوهري مع ما نلمسه في بعض بلدان المشرق، حيث يُسأل الباحث أو الأديب عن عقيدته قبل أن يُنظر في علمه أو أدبه.

إن خطر هذه الذهنية الإقصائية أنها تحوّل الدين من جامعٍ للأمة إلى أداة فرز وتمييز، وتُحوّل العقيدة من سند روحي إلى أداة مراقبة. والحال أن التعايش المذهبي الذي عُرف به المغرب هو الضمانة الأكبر لوحدته واستمراره واستقراره.