عماد فوزي شعيبي. مفكر سوري
عندما تحدث أشياء إيجابية أو محايدة بنفس الكثافة، فإن الأشياء ذات الطبيعة الأكثر سلبية (مثل الأفكار غير السارة أو المشاعر أو التفاعلات الاجتماعية؛ الأحداث الضارة/المؤلمة) لها تأثير أكبر على الحالة النفسية والعمليات النفسية والفكرية للفرد من الأشياء المحايدة أو الإيجابية .
وقد تم التحقق من التحيز السلبي في العديد من المجالات المختلفة، بما في ذلك تكوين الانطباعات والتقييمات العامة؛ والانتباه والتعلم والذاكرة؛ واعتبارات اتخاذ القرار والتعامل مع المخاطر.
وتشير قوة السلبية إلى فكرة مفادها أنه على الرغم من أن العناصر/الأحداث/ السلبية والإيجابية قد تكون متساوية في الحجم أو العاطفة، إلا أنها ليست متساوية في الأهمية.
ويمكننا أن يُضاف بهذا في بعض أشكال التحليل السياسي الذي يركز على السلبيات أكثر من الإيجابيات.
كذلك في الأمور الحياتية، فإن بعض العلاقات العائلية تتوتر عندما لا يعرف طرف ما تقييم إيجابيات طرف آخر بسبب سلبية واحدة ظهرت خارج السياق.
ففي مجال السياسي أو العسكري، ويكون تجنب المخاطر وبالتالي تجنّب الخسارة أولويّة في اتخاذ القرار، وهذا ما يُفسّر التريث في الرد على هجوم فيه تجاوز لقواعد الحرب أو قواعد الاشتباك، أو القواعد الديبلوماسية… . فعند مواجهة موقف يقف المرء أمام إما ليكسب شيئًا أو يخسر شيئًا اعتمادًا على النتيجة، لكن تكاليف الخسارة المحتملة تؤخذ في الاعتبار بشكل أكبر من المكاسب المحتملة.
أمثلة نفسية
1. شخص يتلقى عشر مجاملات في يومه، لكنه لا ينسى تعليقًا سلبيًا واحدًا تلقاه. حيث يسيطر التعليق على مزاجه أكثر من كل المجاملات.
2. في العلاقات العاطفية، أثبت غوتمن أن لحظة سلبية واحدة (كإهانة أو تجاهل) تحتاج إلى خمس لحظات إيجابية لتعويضها.
أمثلة إدارية / عملية
1. في بيئة العمل: المدير الذي يمدح موظفًا عدة مرات ثم يوجّه له نقدًا سلبيًا واحدًا، سيجد أن الموظف غالبًا ما يتذكر النقد وحده ويشعر بالإحباط.
2. عند تقييم الأداء: خطأ صغير في تقرير قد يُعتبر أهم من عشر نجاحات سابقة متراكمة.
أمثلة سياسية / تفاوضية
1. في المفاوضات الدولية: قد يتجاهل الطرفان عشرات نقاط الاتفاق، لكنهم يعلقون لساعات أو شهور على نقطة خلافية صغيرة خوفًا من “الخسارة” فيها. ولهذا من قواعد المفاوضات أنه عندما يشعر طرف أنه سوف يقدم تنازلٌ فإن الطرف الآخر عليه أن يشعره أن هذا بحد ذاته إنجازا.
2. مثال من الصراع المزمن بين قوى : غالبًا ما يُنظر إلى أي “تنازل” باعتباره (خسارة) و على أنه أهم من كل “المكاسب” الاقتصادية أو الأمنية الممكنة من عملية السلام.
أمثلة عسكرية
1. في الحروب: قيادة جيش قد تفضل التريث وعدم الرد على استفزاز محدود (حتى لا تخسر الكثير برد متسرع)، على الرغم من أن الرد قد يجلب مكاسب معنوية وسياسية.
2. في قواعد الاشتباك: يتم تضخيم احتمالية الخسائر (المعنوية أو البشرية) أكثر من احتمالية الانتصار التكتيكي، فتُبنى العقيدة العسكرية أحيانًا على “منع الخسارة” لا على “تحقيق المكسب”.
أمثلة فلسفية / فكرية:
1. عند نيتشه: فكرة “العدمية” تنشأ من تضخيم أثر الألم والشر على حساب المعنى والقيمة.
2. في علم الأخلاق عند كانط: يلحّ على أن الكذب (سلبي) يهدم المنظومة الأخلاقية كلها، حتى لو جلب منافع مؤقتة (إيجابية).
التحيّز إلى السلبية هو ميل إنساني عميق يجعل الخسارة أو الألم أكثر تأثيرًا من الربح أو المتعة، حتى لو كانا متساويين في الحجم.
وهذا ما يجعل القرارات السياسية والعسكرية والإدارية تميل إلى الحذر المبالغ فيه والتركيز على تفادي الخسارة قبل السعي وراء المكاسب.