سعيد الكحل
إن الولايتين اللتين قضاهما حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة كشفتا لعموم الشعب أن الحزب أبعد ما يكون عن قيادة الدولة وتدبير الشأن العام بسبب مرجعيته التي تقدّس الماضي وتنشد العودة إليه ، وكذا عقيدته الإيديولوجية التي تقيس الحاضر على الماضي وتجعل هذا الأخير المصدر الوحيد للحلول التي تتطلبها الإشكاليات المطروحة على مستوى التنمية “والتدافع الحضاري” .
لهذا لم يجد من حصيلة يقدمها للشعب بعد انتهاء الولاية الثانية غير الركوب على البرامج الملكية في كل القطاعات .وما يُؤسف له أن الحزب لم يتدارك فقره الفظيع إلى الأطر باستقطابها إلى القطاع العمومي ؛ بل أمعن في تهميشها والضغط عليها لتختار الهجرة بدل الوطن . فحسب الإحصائيات التي قدمها وزير التربية الوطنية والتعليم العالي في المغرب، سعيد أمزازي ، فإن أكثر من 600 مهندس مغربي يغادرون بلدهم كل عام.
ونفس العدد من الأطباء يهاجرون سنويا من المغرب نحو الدول الغربية (يوجد ما بين 7000 و 8000 طبيبة وطبيب مغاربة في الخارج). إنها ثروة وطنية هائلة يفقدها المغرب سنويا وقد كلفه تكوينها مليارات من الدراهم سنويا .
الركوب على المبادرات الملكية
بسبب افتقار رصيد البيجيدي إلى المنجزات الحقيقية التي يلمسها المواطنون ويستفيدون منها ، لجأت قيادة الحزب إلى الركوب على المبادرات الملكية وتقديمها كمنجزات للبيجيدي. هكذا اعتبر “العرض السياسي” ، دون خجل، “تعميم الدعم الاجتماعي للمتضررين من تفشي وباء كوفيد 19 وهم سبعة ملايين أسرة” “كسبا سياسيا” للبيجيدي ، بينما هو سطو موصوف على المبادرة الملكية التي تعامل معها الشعب المغربي بكل أريحية وسخاء .
وما كان للبيجيدي ولا حكومته أن يجسرا على مواجهة آثار الجائحة لولا المبادرة الملكية التي استنهضت الروح الوطنية لمواجهة آثار الجائحة ، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة ، بداية انتشار الوباء ، أن مجموع الأسرّة المخصصة للإنعاش لا تتجاوز 250 سريرا .
وبفضل “الصندوق الخاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا” الذي أعلن عن تأسيسه جلالة الملك ، تم جمع حوالي 34 مليار درهم خُصصت لتأهيل المستشفيات لمواجهة خطر الجائحة وكذا توفير دعم مالي مباشر استفادت منه قرابة 7 ملايين أسرة بسبب توقف أربابها عن العمل ، فضلا عن إنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار الاستراتيجي برصيد يقارب نحو 1,5 مليار دولار ضمن خطة إنعاش الاقتصاد .
كما سمحت قيادة الحزب لنفسها الركوب على خطة تعميم الحماية الاجتماعية التي أعلن عنها ملك البلاد والتي تتوخى “تعميم التغطية الصحية الإجبارية في أجل أقصاه نهاية 2022 لصالح 22 مليون مستفيد إضافي من التأمين الأساسي على المرض”.
فهذا برنامج الملك وليس البيجيدي أو الحكومة ؛ وهو الذي وضع له جدولة زمنية مضبوطة في خطاب العرش لعام 2020 كالتالي”الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة” .
فلا فضل للحزب ولا “كسْب” له في كل البرامج التي أطلقها عاهل البلاد لتلبية حاجيات المغاربة بعد أن خذلهم حزب العدالة والتنمية وتواطأ ضدهم مع ناهبي المال العام (تقرير “برنامج الأمم المتحدة للتنمية حول الفقر المتعدد الأبعاد” للعام 2019، أشار إلى تدني الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية، حيث لم يتجاوز سقف 5 في المائة).
يفخر الحزب بـ”كسبه السياسي” المتمثل في “ضمان استمرار المرفق العمومي رغم حالة الإضرابات والانقطاع عن العمل” ، وكأن غاية الحزب الوحيدة على رأس الحكومة هي “استمرار المرفق العمومي” بدل الاهتمام بمشاكل الموظفين والأجراء والعمل على تلبية مطالبهم ، فضلا عن تجويد خدمات هذا المرفق وتقريبها من المواطنين.
لا يخفى على أحد أن الحزب خلق مشاكل أشد تعقيدا لفئات الموظفين والأجراء، فزاد من هموما ، بحيث لم تجد سبيلا لمواجهة غطرسة الحكومة غير شن سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات المتواصلة رغم قرار الاقتطاع من الأجرة أو “الأجر مقابل العمل” الذي اتخذه بنكيران وسار عليه خلفه العثماني (إضرابات الأطباء والممرضين والأساتذة الرسميين والمتعاقدين وكتاب الضبط والتلاميذ بسبب إضافة ساعة إلى التوقيت الرسمي..).
لكن من أشد مظاهر النفاق والكذب على الشعب أن تعتبر قيادة الحزب من “الإكراهات” التي واجهت رئاسة الحكومة “ضعف التقدم في التوزيع العادل للثروة وعدم كفاية المجهود المبذول لتقاسم عوائد المجهود التنموي للبلاد”. إن التوزيع العادل للثروة يمر عبر محاربة نهب المال العام ، بينما بنكيران أعلن ،عند توليه رئاسة الحكومة، العفو عن الناهبين بقرار “عفا الله عما سلف” . فالذي يعرقل ربط المسؤولية بالمحاسبة ويعطل الدستور ويحمي الفاسدين هو البيجيدي الذي يرأس الحكومة.
البيجيدي هو أكبر وأخطر عرقلة
وآخر العراقيل التي وضعها العثماني أنه وجه منشورا إلى المجلس الأعلى للحسابات لوقف استدعاء الوزراء للاستماع إليهم حول الخروقات التي سجلها قضاة المجلس في القطاعات التي يشرفون عليها ؛ ناهيكم عن الحماية التي يفورها البيجيدي لأعضاء منه متورطين في نهب المال العام ،وكذا تضامن قيادته معهم لدرجة أنها لا تكف عن مهاجمة وزير الداخلية وكذا رجال السلطة من عمال وولاة لأنهم يطبقون ما يسمح به القانون حتى لا يحوّل أعضاء الحزب المجالس الترابية إلى إقطاعيات خاصة بهم.
لقد أخلف البيجيدي وعوده الانتخابية بمحاربة الفساد حين تواطأ مع الفاسدين بتجميد الملفات وعدم تقديمها إلى القضاء لدرجة أن الرئيس السابق للمجلس الأعلى للحسابات،السيد إدريس جطو، انتقد بشدة الحكومة على هذا التجميد وتعطيل مبدأ المحاسبة . كما سبق لوالي بنك المغرب ،السيد عبد اللطيف الجواهري،أن كشف وانتقد تواطؤ الحكومة مع شركات توزيع المحروقات لنهب جيوب المواطنين.
بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبها البيجيدي على رأس الحكومة لولايتين متتاليتين في حق الشعب المغربي وحق الوطن ومستقبل أبنائه ، جاء ، في عرضه السياسي، يتباكى على “الإساءة إلى الاختيار الديمقراطي .. باعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية”؛ علما أن القوانين الانتخابية هي مجال للحوار والتوافق بين كافة الشركاء السياسيين الذين يحق لهم تغييرها متى تبين لهم أنها لم تعد تخدم العملية الانتخابية أو تقصي عددا من الأحزاب وتحرمها من المشاركة في تدبير الشأن العام .
لقد أثبت الحزب ،خلال رئاسته للحكومة ، نزوعه إلى الهيمنة على الدولة والمجتمع وإقصاء الفاعلين السياسيين والاجتماعيين باستفراده بعدد من القرارات والإجراءات ( إفساد نظام التقاعد ، فرض التوظيف بالتعاقد ،إلغاء الوظيفة العمومية،إلغاء الترقية بالشهادات الجامعية ، الاقتطاع من أجور المضربين ، تحرير الأسعار ، تعطيل الدستور وخرقه ، إغراق المغرب بالديون ورهن مستقبل أبنائه بيد الدوائر المالية العالمية…).
لقد عبرت الشغيلة المغربية عن موقفها من حزب العدالة والتنمية وسياسته التفقيرية بأن أقصت مركزيته والنقابات المنضوية تحتها من لائحة النقابات الأكثر تمثيلية ، ونأمل أن يحذو الناخبون حذو الموظفين والأجراء بإقصاء البيجيدي من تدبير الشأن الحكومي في الانتخابات القادمة.
(انتهى).
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14996